Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 125-128)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ } الشرح الشق وأصله التوسعة ، وشرحت الأمر بينته وأوضحته ، والمعنى من يرد الله هدايته للحق يوسع صدره حتى يقبله بصدر منشرح ، { وَمَن يُرِدِ } إضلاله { يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً } قرأ ابن كثير " ضَيقاً " بالتخفيف مثل هين ولين . وقرأ الباقون بالتشديد وهما لغتان . وقرأ نافع " حَرَجاً " بالكسر ، ومعناه الضيق ، كرر المعنى تأكيداً ، وحسن ذلك اختلاف اللفظ . وقرأ الباقون بالفتح ، جمع حرجة ، وهي شدة الضيق ، والحرجة الغيظة ، والجمع حرج وحرجات ، ومنه فلان يتحرج أي يضيق على نفسه . وقال الجوهري مكان حرج وحرج ، أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية ، والحرج الإثم . وقال الزجاج الحرج أضيق الضيق . وقال النحاس حرج اسم الفاعل ، وحرج مصدر وصف به كما يقال رجل عدل . قوله { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى ٱلسَّمَاء } قرأ ابن كثير بالتخفيف من الصعود ، شبه الكافر في ثقل الإيمان عليه ، بمن يتكلف ما لا يطيقه كصعود السماء . وقرأ النخعي « يصاعد » وأصله يتصاعد . وقرأ الباقون { يصعد } بالتشديد وأصله يتصعد ، ومعناه يتكلف ما لا يطيق مرة بعد مرة ، كما يتكلف من يريد الصعود إلى السماء . وقيل المعنى على جميع القراءات كاد قلبه يصعد إلى السماء نبوّاً على الإسلام ، و " ما " في { كأنما } هي المهيئة لدخول كأن على الجمل الفعلية . قوله { كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي مثل ذلك الجعل الذي هو جعل الصدر ضيقاً حرجاً يجعل الله الرجس . والرجس في اللغة النتن ، وقيل هو العذاب ، وقيل هو الشيطان يسلطه الله عليهم . وقيل هو ما لا خير فيه والمعنى الأوّل هو المشهور في لغة العرب ، وهو مستعار لما يحلّ بهم من العقوبة وهو يصدق على جميع المعاني المذكورة . والإشارة بقوله { وَهَـٰذَا صِرٰطُ رَبّكَ } إلى ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن معه من المؤمنين ، أي هذا طريق دين ربك لا اعوجاج فيه . وقيل الإشارة إلى ما تقدّم مما يدل على التوفيق والخذلان ، أي هذا هو عادة الله في عباده يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، وانتصاب { مُّسْتَقِيماً } على الحال كقوله تعالى { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدّقًا } البقرة 91 ، { وَهَـٰذَا بَعْلِى شَيْخًا } هود 72 { وَقَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ } أي بيناها وأوضحناها { لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } ما فيها ، ويتفهمون معانيها . { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ عِندَ رَبّهِمْ } أي لهؤلاء المتذكرين الجنة ، لأنها دار السلامة من كل مكروه ، أو دار الرب السلام مدخرة لهم عند ربهم ، ويوصلهم إليها { وَهُوَ وَلِيُّهُم } أي ناصرهم ، والباء في { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } للسببية أي بسبب أعمالهم . قوله { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } الظرف منصوب بمضمر يقدر متقدماً ، أي واذكر يوم نحشرهم أو { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } نقول { يَامَعْشَر ٱلْجِنَّ } والمراد حشر جميع الخلق في القيامة ، والمعشر الجماعة أي يوم الحشر نقول ، يا جماعة الجن { قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُم مّنَ ٱلإنْسِ } أي من الاستمتاع بهم ، كقوله { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } وقيل استكثرتم من إغوائهم وإضلالهم حتى صاروا في حكم الأتباع لكم فحشرناهم معكم ، ومثله قوله استكثر الأمير من الجنود ، والمراد التقريع والتوبيخ ، وعلى الأوّل ، فالمراد بالاستمتاع التلذذ من الجن بطاعة الإنس لهم ودخولهم فيما يريدون منهم { وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } أما استمتاع الجن بالإنس فهو ما تقدم من تلذذهم باتباعهم لهم ، وأما استمتاع الإنس بالجن فحيث قبلوا منهم تحسين المعاصي ، فوقعوا فيها وتلذذوا بها . فذلك هو استمتاعهم بالجن وقيل استمتاع الإنس بالجن أنه كان إذا مرّ الرجل بواد في سفره وخاف على نفسه قال أعوذ بربّ هذا الوادي من جميع ما أحذر ، يعني ربه من الجن ، ومنه قوله تعالى { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ ٱلْجِنّ فَزَادوهُمْ رَهَقاً } الجن 6 وقيل استمتاع الجن بالإنس أنهم كانوا يصدقونهم فيما يقولون من الأخبار الغيبية الباطلة ، واستمتاع الإنس بالجن أنهم كانوا يتلذذون بما يلقونه إليهم من الأكاذيب ، وينالون بذلك شيئاً من حظوظ الدنيا كالكهان { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا ٱلَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا } أي يوم القيامة اعترافاً منهم بالوصول إلى ما وعدهم الله به مما كانوا يكذبون به . ولما قالوا هذه المقالة أجاب الله عليهم فـ { قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ } أي موضع مقامكم . والمثوى المقام ، والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر . قوله { خَـٰلِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ } المعنى الذي تقتضيه لغة العرب في هذا التركيب أنهم يخلدون في النار في كل الأوقات ، إلا في الوقت الذي يشاء الله عدم بقائهم فيها . وقال الزجاج إن الاستثناء يرجع إلى يوم القيامة ، أي خالدين في النار إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم من قبورهم ومقدار مدّتهم في الحساب ، وهو تعسف ، لأن الاستثناء هو من الخلود الدائم ، ولا يصدق على من لم يدخل النار ، وقيل الاستثناء راجع إلى النار ، أي إلا ما شاء الله من تعذيبهم بغيرها في بعض الأوقات كالزمهرير . وقيل الاستثناء لأهل الإيمان ، و " ما " بمعنى من ، أي إلا من شاء الله إيمانه فإنه لا يدخل النار . وقيل المعنى إلا ما شاء الله من كونهم في الدنيا بغير عذاب . وكل هذه التأويلات متكلفة ، والذي ألجأ إليها ما ورد في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من خلود الكفار في النار أبداً ، ولكن لا تعارض بين عام وخاص ، لا سيما بعد وروده في القرآن مكرراً كما سيأتي في سورة هود { خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ } هود 107 ولعله يأتي هنالك إن شاء الله زيادة تحقيق . وقد أخرج ابن المبارك في الزهد ، وعبد الرزاق والفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أبي جعفر المدائني رجل من بني هاشم ، وليس هو محمد ابن علي قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ } قالوا كيف يشرح صدره يا رسول الله ؟ قال " نور يقذف فيه فينشرح صدره له وينفسح له " ، قالوا فهل لذلك من أمارة يعرف بها ؟ قال " الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت " وأخرج عبد بن حميد ، عن فضيل نحوه . وأخرج ابن أبي الدنيا ، عن الحسن نحوه أيضاً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن أبي الدنيا ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، من طرق عن ابن مسعود قال قال رسول الله حين نزلت هذه الآية فذكر نحوه . وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعاً من طريق أخرى . وأخرجه سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، وابن النجار في تاريخه عن عبد الله بن المستورد ، وكان من ولد جعفر بن أبي طالب قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فذكر نحوه . وهذه الطرق يقوّي بعضها بعضاً ، والمتصل يقوّي المرسل ، فالمصير إلى هذا التفسير النبويّ متعين . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في الآية قال كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء ، كذلك لا يقدر على أن يدخل الإيمان والتوحيد قلبه حتى يدخله الله في قلبه . وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عنه في الآية يقول من أراد أن يضله يضيق عليه حتى يجعل الإسلام عليه ضيقاً ، والإسلام واسع وذلك حين يقول { وَمَّا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ } الحج 78 يقول ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق . وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ } قال الجنة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن جابر بن زيد قال السلام هو الله . وأخرج أبو الشيخ ، عن السديّ قال الله هو السلام ، وداره الجنة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُم مّنَ ٱلإنْسِ } يقول من ضلالتكم إياهم ، يعني أضللتم منهم كثيراً ، وفي قوله { خَـٰلِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ } قال إن هذه الآية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ، لا ينزلهم جنة ولا ناراً .