Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 129-132)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَكَذٰلِكَ نُوَلّى بَعْضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضاً } أي مثل ما جعلنا بين الجن والإنس ما سلف { كَذٰلِكَ نُوَلّى بَعْضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضاً } والمعنى نجعل بعضهم يتولى البعض ، فيكونون أولياء لبعضهم بعضاً ، ثم يتبرأ بعضهم من البعض ، فمعنى نولي على هذا نجعله ولياً له . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم معناه نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس . وروي عنه أيضاً أنه فسر هذه الآية بأن بالمعنى نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله ، فيكون في الآية على هذا تهديد للظلمة بأن من لم يمتنع من ظلمه منهم سلط الله عليه ظالماً آخر . وقال فضيل بن عياض إذا رأيت ظالماً ينتقم من ظالم ، فقف وانظر متعجباً . وقيل معنى نولي نكل بعضهم إلى بعض فيما يختارونه من الكفر ، والباء في { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } للسببية ، أي بسبب كسبهم للذنوب ولينا بعضهم بعضاً . قوله { يَـٰمَعْشَرَ ٱلْجِنّ وَٱلإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ } أي يوم نحشرهم نقول لهم { أَلَمْ يَأْتِكُمْ } أوهو شروع في حكاية ما سيكون في الحشر ، وظاهره أن الله يبعث في الدنيا إلى الجنّ رسلاً منهم ، كما يبعث إلى الإنس رسلاً منهم . وقيل معنى منكم أي ممن هو مجانس لكم في الخلق والتكليف ، والقصد بالمخاطبة ، فإن الجنّ والإنس متحدون في ذلك ، وإن كان الرسل من الإنس خاصة فهم من جنس الجنّ من تلك الحيثية . وقيل إنه من باب تغليب الإنس على الجنّ كما يغلب الذكر على الأنثى . وقيل المراد بالرسل إلى الجنّ هاهنا هم النذر منهم ، كما في قوله { وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } الأحقاف 29 . قوله { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتِى } صفة أخرى لرسل ، وقد تقدّم بيان معنى القصّ . قوله { قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا } هذا إقرار منهم بأن حجة الله لازمة لهم بإرسال رسله إليهم ، والجملة جواب سؤال مقدّر فهي مستأنفة ، وجملة { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } في محل نصب على الحال ، أو هي جملة معترضة { وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰفِرِينَ } هذه شهادة أخرى منهم على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين في الدنيا بالرسل المرسلين إليهم ، والآيات التي جاءوا بها ، وقد تقدّم ما يفيد أن مثل هذه الآية المصرّحة بإقرارهم بالكفر على أنفسهم ، ومثل قولهم { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } الأنعام 23 محمول على أنهم يقرّون في بعض مواطن يوم القيامة ، وينكرون في بعض آخر لطول ذلك اليوم ، واضطراب القلوب فيه وطيشان العقول ، وانغلاق الأفهام وتبلد الأذهان . والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى شهادتهم على أنفسهم أو إلى إرسال الرسل إليهم . وأن في { أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ } هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف . والمعنى ذلك أن الشأن لم يكن ربك مهلك القرى ، أو هي المصدرية ، والباء في { بِظُلْمٍ } سببية ، أي لم أكن أهلك القرى بسبب ظلم من يظلم منهم ، والحال أن أهلها غافلون ، لم يرسل الله إليهم رسولاً . والمعنى أن الله أرسل الرسل إلى عباده لأنه لا يهلك من عصاه بالكفر من القرى ، والحال أنهم غافلون عن الأعذار والإنذار بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، بل إنما يهلكهم بعد إرسال الرسل إليهم ، وارتفاع الغفلة عنهم بإنذار الأنبياء لهم { وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } الإسراء 15 وقيل المعنى ما كان الله مهلك أهل القرى بظلم منه ، فهو سبحانه يتعالى عن الظلم ، بل إنما يهلكهم بعد أن يستحقوا ذلك وترتفع الغفلة عنهم بإرسال الأنبياء وقيل المعنى أن الله لا يهلك أهل القرى بسبب ظلم من يظلم منهم مع كون الآخرين غافلين عن ذلك ، فهو مثل قوله { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } الأنعام 164 . { وَلِكُلّ دَرَجَـٰتٌ مّمَّا عَمِلُواْ } أي لكلّ من الجنّ والإنس درجات متفاوتة مما عملوا ، فنجازيهم بأعمالهم . كما قال في آية أخرى { وَلِكُلّ دَرَجَـٰتٌ مّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفّيَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } الأحقاف 19 ، وفيه دليل على أن المطيع من الجنّ في الجنة ، والعاصي في النار { وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } من أعمال الخير والشر ، والغفلة ذهاب الشيء عنك لاشتغالك بغيره ، قرأ ابن عامر { تَعْمَلُونَ } بالفوقية ، وقرأ الباقون بالتحتية . وقد أخرج عبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله { وَكَذٰلِكَ نُوَلّى بَعْضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضاً } قال يوليّ الله بعض الظالمين بعضاً في الدنيا يتبع بعضهم بعضاً في النار . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عبد الرحمن بن زيد ، في الآية مثل ما حكينا عنه قريباً . وأخرج أبو الشيخ ، عن الأعمش في تفسير الآية قال سمعتهم يقولون إذا فسد الزمان أمر عليهم شرارهم . وأخرج الحاكم في التاريخ ، والبيهقي في الشعب ، من طريق يحيى بن هاشم حدّثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كما تكونون كذلك يؤمر عليكم " قال البيهقي هذا منقطع ويحيى ضعيف . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { رُسُلٌ مّنكُمْ } قال ليس في الجنّ رسل ، وإنما الرسل في الإنس ، والنذارة في الجنّ ، وقرأ { فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } الأحقاف 29 . وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ في العظمة ، أيضاً عن الضحاك قال الجنّ يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون . وأخرج أبو الشيخ في العظمة أيضاً ، عن ليث بن أبي سليم قال مسلمو الجنّ لا يدخلون الجنة ولا النار ، وذلك أن الله أخرج أباهم من الجنة فلا يعيده ولا يعيد ولده . وأخرج أبو الشيخ في العظمة أيضاً ، عن ابن عباس قال الخلق أربعة فخلق في الجنة كلهم ، وخلق في النار كلهم ، وخلقان في الجنة والنار ، فأما الذين في الجنة كلهم فالملائكة ، وأما الذين في النار كلهم فالشياطين ، وأما الذين في الجنة والنار فالإنس والجنّ ، لهم الثواب وعليهم العقاب .