Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 133-137)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَرَبُّكَ ٱلْغَنِىُّ } أي عن خلقه لا يحتاج إليهم ولا إلى عبادتهم لا ينفعه إيمانهم ، ولا يضرّه كفرهم ، ومع كونه غنياً عنهم ، فهو ذو رحمة بهم لا يكون غناه عنهم مانعاً من رحمته لهم ، وما أحسن هذا الكلام الرباني وأبلغه ، وما أقوى الاقتران بين الغنى والرحمة في هذا المقام ، فإن الرحمة لهم مع الغنى عنهم هي غاية التفضل والتطوّل { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } أيها العباد العصاة ، فيستأصلكم بالعذاب المفضي إلى الهلاك وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِ إهلاكـكَمْ ما يشاء من خلقه ممن هو أطوع له وأسرع إلى امتثال أحكامه منكم { كَمَا أَنشَأَكُمْ مّن ذُرّيَّةِ قَوْمٍ ءاخَرِينَ } الكاف نعت مصدر محذوف ، وما مصدرية ، أي ويستخلف استخلافاً مثل إنشائكم من ذرية قوم آخرين ، قيل هم أهل سفينة نوح ، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك فلم يهلكهم ، ولا استخلف غيرهم رحمة لهم ، ولطفاً بهم { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ } من البعث والمجازاة { لآتٍ } لا محالة ، فإن الله لا يخلف الميعاد { وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } أي بفائتين عما هو نازل بكم ، وواقع عليكم يقال أعجزني فلان ، أي فاتني وغلبني . قوله { قُلْ ياقَوْم ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } المكانة الطريقة ، أي اثبتوا على ما أنتم عليه ، فإني غير مبال بكم ولا مكترث بكفركم ، إني ثابت على ما أنا عليه { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } من هو على الحق ومن هو على الباطل ، وهذا وعيد شديد ، فلا يرد ما يقال كيف يأمرهم بالثبات على الكفر و { عَـٰقِبَةُ ٱلدَّارِ } هي العاقبة المحمودة التي يحمد صاحبها عليها ، أي من له النصر في دار الدنيا ، ومن له وراثة الأرض ، ومن له الدار الآخرة . وقال الزجاج معنى مكانتكم تمكنكم في الدنيا ، أي اعملوا على تمكنكم من أمركم . وقيل على ناحيتكم . وقيل على موضعكم . قرأ حمزة والكسائي " من يكون " بالتحتية ، وقرأ الباقون بالفوقية . والضمير في { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } للشأن أي لا يفلح من اتصف بصفة الظلم ، وهو تعريض لهم بعدم فلاحهم لكونهم المتصفين بالظلم . قوله { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأنْعَامِ } هذا بيان نوع آخر من أنواع كفرهم وجهلهم وتأثيرهم لآلهتهم على الله سبحانه ، أي جعلوا لله سبحانه مما خلق من حرثهم ونتاج دوابهم نصيباً ، ولآلهتهم نصيباً من ذلك ، يصرفونه في سدنتها والقائمين بخدمتها ، فإذا ذهب ما لآلهتهم بانفاقه في ذلك عوّضوا عنه ما جعلوه لله ، وقالوا الله غنيّ عن ذلك ، والزعم الكذب قرأ يحيى بن وثاب والسلمي والأعمش والكسائي " بِزُعْمِهِمْ " بضم الزاي ، وقرأ الباقون بفتحها ، وهما لغتان { فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِ } أي إلى المصارف التي شرع الله الصرف فيها كالصدقة وصلة الرحم ، وقرى الضيف { وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ } أي يجعلونه لآلهتهم وينفقونه في مصالحها { سَاء مَا يَحْكُمُونَ } أي ساء الحكم حكمهم في إيثار آلهتهم على الله سبحانه . وقيل معنى الآية أنهم كانوا إذا ذبحوا ما جعلوه لله ذكروا عليه اسم أصنامهم ، وإذا ذبحوا ما لأصنامهم لم يذكروا عليه اسم الله ، فهذا معنى الوصول إلى الله ، والوصول إلى شركائهم ، وقد قدّمنا الكلام في ذرأ . قوله { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَـٰدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } أي ومثل ذلك التزيين الذي زينه الشيطان لهم في قسمة أموالهم بين الله وبين شركائهم ، زين لهم قتل أولادهم . قال الفراء والزجاج شركاؤهم هاهنا هم الذين كانوا يخدمون الأوثان وقيل هم الغواة من الناس . وقيل هم الشياطين ، وأشار بهذا إلى الوأد ، وهو دفن البنات مخافة السبي والحاجة . وقيل كان الرجل يحلف بالله لئن ولد له كذا من الذكور لينحرنّ أحدهم كما فعله عبد المطلب . قرأ الجمهور { زين } بالبناء للفاعل ونصب { قتل } على أنه مفعول زيَّن ، وجرّ أولاد بإضافة قتل إليه ، ورفع شركاؤهم على أنه فاعل زين ، وقرأ الحسن بضم الزاي ورفع قتل وخفض أولاد ، ورفع شركاؤهم على أن قتل هو نائب الفاعل ، ورفع شركاؤهم بتقدير يجعل يرجعه ، أي زينه شركاؤهم ، ومثله قول الشاعر @ ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط ما تطيح الطوائح @@ أي يبكيه ضارع ، وقرأ ابن عامر ، وأهل الشام بضم الزاي ، ورفع قتل ، ونصب أولاد ، وخفض شركائهم على أن قتل مضاف إلى شركائهم ، ومعموله أولادهم ، ففيه الفصل بين المصدر وما هو مضاف إليه بالمفعول ، ومثله في الفصل بين المصدر وما أضيف إليه ، قول الشاعر @ تمرّ على ما تستمرّ وقد شفت غلائل عبد القيس منها صدورها @@ بجر صدورها ، والتقدير شفت عبد القيس غلائل صدورها . قال النحاس إن هذه القراءة لا تجوز في كلام ولا في شعر ، وإنما أجاز النحويون التفريق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الشعر لاتساعهم في الظروف ، وهو أي الفصل بالمفعول به في الشعر بعيد ، فإجازته في القرآن أبعد . وقال أبو غانم أحمد بن حمدان النحوي إن قراءة ابن عامر لا تجوز في العربية وهي زلة عالم ، وإذا زلّ العالم لم يجز اتباعه ، وردّ قوله إلى الإجماع ، وإنما أجازوا في الضرورة للشاعر أن يفرّق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف ، كقول الشاعر @ كما خط الكتاب بكف يوما يهودي يقارب أو يزيل @@ وقول الآخر @ لله درّ اليوم من لامها @@ وقال قوم ممن انتصر لهذه القراءة إنها إذا ثبتت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي فصيحة لا قبيحة . قالوا وقد ورد ذلك في كلام العرب ، وفي مصحف عثمان رضي الله عنه « شركايهم » بالياء . وأقول دعوى التواتر باطلة بإجماع القراء المعتبرين ، كما بينا ذلك في رسالة مستقلة ، فمن قرأ بما يخالف الوجه النحوي فقراءته ردّ عليه ، ولا يصح الاستدلال لصحة هذه القراءة بما ورد من الفصل في النظم كما قدّمنا ، وكقول الشاعر @ فزججتها بمزجَة زج القلوص أبي مزاده @@ فإن ضرورة الشعر لا يقاس عليها ، وفي الآية قراءة رابعة وهي جرّ الأولاد والشركاء ، ووجه ذلك أن الشركاء بدل من الأولاد لكونهم شركاءهم في النسب والميراث . قوله { لِيُرْدُوهُمْ } اللام لام كي ، أي لكي يردوهم ، من الإرداء وهو الإهلاك { وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } معطوف على ما قبله ، أي فعلوا ذلك التزيين لإهلاكهم ولخلط دينهم عليهم { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ } أي لو شاء الله عدم فعلهم ما فعلوه ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . وإذا كان ذلك بمشيئة الله { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } فدعهم وافتراءهم فذلك لا يضرك . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبان بن عثمان قال الذرية الأصل ، والذرية النسل . وأخرجا أيضاً عن ابن عباس { وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } قال بسابقين . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه في قوله { عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } قال على ناحيتكم . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه ، عنه أيضاً في قوله { وَجَعَلُواْ للَّهِ } الآية . قال جعلوا لله من ثمارهم ومائهم نصيباً وللشيطان والأوثان نصيباً ، فإن سقط من ثمره ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه ، وإن سقط مما جعلوه للشياطين في نصيب الله ، ردّوه إلى نصيب الشيطان ، وإن انفجر من سقي ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه ، وإن انفجر من سقي ما جعلوه للشيطان في نصيب الله نزحوه ، فهذا ما جعلوا لله من الحرث وسقي الماء ، وأما ما جعلوه للشيطان من الأنعام فهو قول الله { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ } المائدة 103 الآية . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه نحوه من طريق أخرى . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد ابن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال جعلوا لله مما ذرأ من الحرث جزءاً أو لشركائهم جزءاً ، فما ذهب به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه وقالوا الله عن هذا غني ، وما ذهب به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه . والأنعام التي سموا لله البحيرة والسائبة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَـٰدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } قال شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خوف العيلة .