Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 56-59)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { قُلْ إِنّى نُهِيتُ } أمره الله سبحانه أن يعود إلى مخاطبة الكفار ، ويخبرهم بأنه نهى عن عبادة ما يدعونه ويعبدونه من دون الله ، أي نهاه الله عن ذلك وصرفه وزجره ، ثم أمره سبحانه بأن يقول لهم { لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ } أي لا أسلك المسلك الذي سلكتموه في دينكم ، من اتباع الأهواء والمشي على ما توجبه المقاصد الفاسدة التي يتسبب عنها الوقوع في الضلال . قوله { قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً } أي إن اتبعت أهواءكم فيما طلبتموه من عبادة معبوداتكم ، وطرد من أردتم طرده { وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } إن فعلت ذلك ، وهذه الجملة الإسمية معطوفة على الجملة التي قبلها ، والمجيء بها اسمية عقب تلك الفعلية للدلالة على الدوام والثبات ، وقرىء " ضَلَلْتُ " بفتح اللام وكسرها وهما لغتان . قال أبو عمرو ضللت بكسر اللام لغة تميم ، وهي قراءة ابن وثاب وطلحة بن مصرف ، والأولى هي الأصح والأفصح لأنها لغة أهل الحجاز ، وهي قراءة الجمهور . قال الجوهري والضلال والضلالة ضدّ الرشاد ، وقد ضللت أضلّ ، قال الله تعالى { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِى } سبأ 50 قال فهذه يعني المفتوحة لغة نجد وهي الفصيحة ، وأهل العالية يقول " ضللت " بالكسر أضلّ انتهى . قوله { قُلْ إِنّى عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى } البينة الحجة والبرهان ، أي إني على برهان من ربي ويقين ، لا على هوى وشك ، أمره الله سبحانه بأن يبين لهم أن ما هو عليه من عبادة ربه هو عن حجة برهانية يقينية ، لا كما هم عليه من اتباع الشبه الداحضة والشكوك الفاسدة التي لا مستند لها إلا مجرد الأهوية الباطلة . قوله { وَكَذَّبْتُم بِهِ } أي بالربّ أو بالعذاب أو بالقرآن أو بالبينة ، والتذكير للضمير باعتبار المعنى . وهذه الجملة إما حالية بتقدير قد ، أي والحال أن قد كذبتم به ، أو جملة مستأنفة مبينة لما هم عليه من التكذيب بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجج الواضحة والبراهين البينة . قوله { مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } أخبرهم بأنه لم يكن عنده ما يتعجلونه من العذاب ، فإنهم كانوا لفرط تكذيبهم يستعجلون نزوله استهزاء ، نحو قوله { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا } الإسراء 92 ، وقولهم { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء } الأنفال 32 ، وقولهم { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } سبأ 29 ، وقيل { مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } من الآيات التي تقترحونها عليّ . قوله { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ ٱللَّهِ } أي ما الحكم في كل شيء إلا لله سبحانه ، ومن جملة ذلك ما تستعجلون به من العذاب أو الآيات المقترحة . والمراد الحكم الفاصل بين الحق والباطل . قوله { يَقُصُّ ٱلْحَقَّ } قرأ نافع وابن كثير وعاصم { يَقُصُّ } بالقاف والصاد المهملة ، وقرأ الباقون " يَقْضِى " بالضاد المعجمة والياء ، وكذا قرأ علي وأبو عبد الرحمن السلمي ، وسعيد بن المسيب ، وهو مكتوب في المصحف بغير ياء . فعلى القراءة الأولى ، هو من القصص ، أي يقصّ القصص الحق ، أو من قصّ أثره ، أي يتبع الحق فيما يحكم به . وعلى القراءة الثانية ، هو من القضاء ، أي يقضي القضاء بين عباده ، و { الحق } منتصب على المفعولية ، أو على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي يقضي القضاء الحق ، أو يقص القصص الحق { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَـٰصِلِينَ } أي بين الحق والباطل بما يقضي به بين عباده ويفصله لهم في كتابه . ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم { لَّوْ أَنَّ عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } أي ما تطلبون تعجيله بأن يكون إنزاله بكم مقدوراً إليّ وفي وسعي { لَقُضِىَ ٱلأمْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } أي لقضى الله الأمر بيننا بأن ينزله الله سبحانه بكم بسؤالي له وطلبي ذلك ، أو المعنى لو كان العذاب الذي تطلبونه وتستعجلون به عندي ، وفي قبضتي لأنزلته بكم ، وعند ذلك يقضى الأمر بيني وبينكم { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِينَ } وبالوقت الذي ينزل فيه عذابهم وبما تقتضيه مشيئته من تأخيره استدراجاً لهم وإعذاراً إليهم . قوله { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ } المفاتح جمع مفتح بالفتح وهو المخزن ، أي عنده مخازن الغيب ، جعل للأمور الغيبية مخازن تخزن فيها على طريق الاستعارة ، أو جمع مفتح بكسر الميم ، وهو المفتاح ، جعل للأمور الغيبية مفاتح يتوصل بها إلى ما في المخازن منها على طريق الاستعارة أيضاً ، ويؤيد أنها جمع مفتح بالكسر قراءة ابن السميفع " وَعِندَهُ مَفَاتِيح ٱلْغَيْبَ " فإن المفاتيح جمع مفتاح والمعنى إن عنده سبحانه خاصة مخازن الغيب ، أو المفاتيح التي يتوصل بها . وقوله { لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ } جملة مؤكّدة لمضمون الجملة الأولى ، وأنه لا علم لأحد من خلقه بشيء من الأمور الغيبية التي استأثر الله بعلمها ، ويندرج تحت هذه الآية علم ما يستعجله الكفار من العذاب كما يرشد إليه السياق اندراجاً أوّلياً . وفي هذه الآية الشريفة ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين والرمليين وغيرهم من المدّعين ما ليس من شأنهم ، ولا يدخل تحت قدرتهم ، ولا يحيط به علمهم ، ولقد ابتلى الإسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة ، والأنواع المخذولة ، ولم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم بغير خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم " من أتى كاهناً أو منجماً فقد كفر بما أنزل على محمد " قوله { وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } خصهما بالذكر لأنهما من أعظم مخلوقات الله ، أي يعلم ما فيهما من حيوان وجماد علماً مفصلاً لا يخفى عليه منه شيء ، أو خصهما لكونهما أكثر ما يشاهده الناس ويتطلعون لعلم ما فيهما { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } أي من ورق الشجر وهو تخصيص بعد التعميم ، أي يعلمها ويعلم زمان سقوطها ومكانه . وقيل المراد بالورقة ما يكتب فيه الآجال والأرزاق . وحكى النقاش عن جعفر بن محمد أن الورقة يراد بها هنا السقط من أولاد بني آدم ، قال ابن عطية وهذا قول جار على طريقة الرموز ، ولا يصح عن جعفر بن محمد ولا ينبغي أن يلتفت إليه { وَلاَ حَبَّةٍ } كائنة { فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلأرْضِ } أي في الأمكنة المظلمة . وقيل في بطن الأرض { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ } بالخفض عطفاً على حبة ، وهي معطوفة على ورقة . وقرأ ابن السميفع ، والحسن ، وغيرهما بالرفع عطفاً على موضع { من ورقة } ، وقد شمل وصف الرطوبة واليبوسة جميع الموجودات . قوله { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } هو اللوح المحفوظ ، فتكون هذه الجملة بدل اشتمال من { إِلاَّ يَعْلَمُهَا } . وقيل هو عبارة عن علمه فتكون هذه الجملة بدل كل من تلك الجملة . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي عمران الجوني ، في قوله { قُلْ إِنّى عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى } قال على ثقة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة في قوله { لَقُضِىَ ٱلأمْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } قال لقامت الساعة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السديّ في قوله { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } قال يقول خزائن الغيب . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } قال هنّ خمس { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } إلى قوله { عَلَيمٌ خَبِيرٌ } لقمان 34 . وأخرج أحمد ، والبخاري ، وغيرهما ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله ، ولا تدري نفس بأيّ أرض تموت إلا الله ، ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله " وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } قال ما من شجرة في برّ ولا بحر إلا وبها ملك يكتب ما يسقط من ورقها . وأخرج أبو الشيخ ، عن مجاهد نحوه . وأخرج أبو الشيخ ، عن محمد بن جحادة في قوله { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ } قال لله تبارك وتعالى شجرة تحت العرش ليس مخلوق إلا له فيها ورقة فإذا سقطت ورقته خرجت روحه من جسده ، فذلك قوله { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } . وأخرج الخطيب في تاريخه بسند ضعيف ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من زرع على الأرض ولا ثمار على أشجار ، إلا عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا رزق فلان بن فلان " فذلك قوله تعالى { وَمَا تَسْقُطُ مِن } الآية . وقد رواه يزيد بن هارون ، عن محمد ابن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ } فقال الرطب واليابس من كل شيء .