Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 63-65)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قيل المراد بظلمات البرّ والبحر شدائدهما . قال النحاس والعرب تقول يوم مظلم إذا كان شديداً ، فإذا عظمت ذلك قالت يوم ذو كوكب ، أي يحتاجون فيه لشدّة ظلمته إلى كوكب ، وأنشد سيبويه @ بني أسد هل تعلمون بلاءنا إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا @@ والاستفهام للتقريع والتوبيخ ، أي من ينجيكم من شدائدهما العظيمة ؟ قرأ أبو بكر عن عاصم " خفية " بكسر الخاء . وقرأ الباقون بضمها ، وهما لغتان . وقرأ الأعمش " وَخِيفَةً " من الخوف . وجملة { تَدْعُونَهُ } في محل نصب على الحال ، أي من ينجيكم من ذلك حال دعائكم له دعاء تضرّع وخفية ، أو متضرّعين ومخفين . والمراد بالتضرّع هنا دعاء الجهر . قوله { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا } كذا قرأ أهل المدينة وأهل الشام . وقرأ الكوفيون " لَّئِنْ أَنجَـٰنَا " والجملة في محل نصب على تقدير القول ، أي قائلين لئن أنجيتنا من هذه الشدّة التي نزلت بنا ، وهي الظلمات المذكورة { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } لك على ما أنعمت به علينا من تخليصنا من هذه الشدائد . قوله { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ } قرأ الكوفيون وهشام " يُنَجّيكُمْ " بالتشديد ، وقرأ الباقون بالتخفيف ، وقراءة التشديد تفيد التكثير . وقيل معناهما واحد ، والضمير في { مِنْهَا } راجع إلى الظلمات . والكرب الغم يأخذ بالنفس ، ومنه رجل مكروب . قال عنترة @ ومكروب كشفت الكرب عنه بطعنة فيصل لما دعاني @@ { ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } بالله سبحانه بعد أن أحسَن إليكم بالخلوص من الشدائد ، وذهاب الكروب ، شركاء لا ينفعونكم ولا يضرّونكم ، ولا يقدرون على تخليصكم من كل ما ينزل بكم ، فكيف وضعتم هذا الشرك موضع ما وعدتم به من أنفسكم من الشكر ؟ ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم { هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً } أي الذي قدر على إنجائكم من تلك الشدائد ، ودفع عنكم تلك الكروب ، قادر على أن يعيدكم في شدّة ومحنة وكرب ، يبعث عذابه عليكم من كل جانب . فالعذاب المبعوث من جهة الفوق ما ينزل من السماء من المطر والصواعق . والمبعوث من تحت الأرجل الخسف والزلازل والغرق . وقيل { مّن فَوْقِكُمْ } يعني الأمراء الظلمة { وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } يعني السفلة ، وعبيد السوء . قوله { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } قرأ الجمهور بفتح التحتية ، من لبس الأمر إذا خلطه . وقرأ أبو عبد الله المديني بضمها ، أي يجعل ذلك لباساً لكم . قيل والأصل أو يلبس عليكم أمركم ، فحذف أحد المفعولين مع حرف الجرّ كما في قوله تعالى { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } المطففين 3 . والمعنى يجعلكم مختلطي الأهواء مختلفي النحل متفرقي الآراء . وقيل يجعلكم فرقاً يقاتل بعضكم بعضاً . والشيع الفرق ، أي يخلطكم فرقاً . قوله { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } أي يصيب بعضكم بشدّة بعض من قتل وأسر ونهب { وَيُذِيقَ } معطوف على { يَبْعَثَ } ، وقرىء " نذيق " بالنون { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ ٱلأيَـٰتِ } نبين لهم الحجج والدلالات من وجوه مختلفة { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } الحقيقة فيعودون إلى الحق الذي بيناه لهم بيانات متنوّعة . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله { قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } يقول من كرب البرّ والبحر . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، في تفسير الآية عن ابن عباس قال يقول إذا أضلّ الرجل الطريق دعا الله لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشاكرين . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه في قوله { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ } قال يعني من أمرائكم { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } يعني سفلتكم { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } يعني بالشيع الأهواء المختلفة { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه من وجه آخر في تفسير الآية قال { عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ } أئمة السوء { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال خدم السوء . وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً من وجه آخر قال { مّن فَوْقِكُمْ } من قبل أمرائكم وأشرافكم { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال من قبل سفلتكم وعبيدكم . وأخرج عبد ابن حميد ، وأبو الشيخ ، عن أبي مالك { عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ } قال القذف { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال الخسف . وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد مثله . وأخرج أبو الشيخ ، عن مجاهد أيضاً { مّن فَوْقِكُمْ } قال الصيحة والحجارة والريح { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال الرجفة والخسف ، وهما عذاب أهل التكذيب { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال عذاب أهل الإقرار . وأخرج البخاري وغيره ، عن جابر بن عبد الله قال لما نزلت هذه الآية { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعوذ بوجهك " { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال " أعوذ بوجهك " { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } قال " هذا أهون و أيسر " . وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه وغيرهم ، من حديث طويل عن ثوبان ، وفيه " وسألته أن لا يسلط عليهم عدوّاً من غيرهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها " وأخرج مسلم وغيره من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية ، حتى إذا مرّ بمسجد بني معاوية ، دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلاً ، ثم انصرف إلينا فقال " سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق ، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيهما ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " وأخرج أحمد ، والحاكم وصححه ، من حديث جابر بن عتيك نحوه . وأخرج نحوه أيضاً ابن مردويه ، من حديث أبي هريرة . وأخرج أيضاً ابن أبي شيبة وابن مردويه ، من حديث حذيفة بن اليمان نحوه . وأخرج أحمد والنسائي ، وابن مردويه ، عن أنس نحوه أيضاً . وأخرج أحمد ، والترمذي وحسنه ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن سعد بن أبي وقاص عن النبي في هذه الآية { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } فقال النبي " أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد " وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية ، والضياء في المختارة ، عن أبيّ بن كعب في هذه الآية قال هنّ أربع وكلهنّ عذاب وكلهنّ واقع لا محالة . فمضت اثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة ، فألبسوا شيعاً ، وذاق بعضهم بأس بعض وبقيت اثنتان واقعتان لا محالة الخسف ، والرجم . والأحاديث في هذا الباب كثيرة وفيما ذكرناه كفاية .