Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 66-73)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ } الضمير راجع إلى القرآن ، أو إلى العذاب . وقومه المكذبون هم قريش . وقيل كل معاند ، وجملة { وَهُوَ ٱلْحَقُّ } في محل نصب على الحال ، أي كذبوا بالقرآن ، أو العذاب ، والحال أنه حق . وقرأ ابن أبي عبلة " وكذبت " بالتاء { قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } أي لست بحفيظ على أعمالكم حتى أجازيكم عليها . وقيل وهذه الآية منسوخة بآية القتال . وقيل ليست بمنسوخة إذ لم يكن إيمانهم في وسعه . قوله { لّكُلّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ } أي لكل شيء وقت يقع فيه . والنبأ الشيء الذي ينبأ عنه . وقيل المعنى لكل عمل جزاء . قال الزجاج يجوز أن يكون وعيداً لهم بما ينزل بهم في الدنيا . وقال الحسن هذا وعيد من الله للكفار ، لأنهم كانوا لا يقرّون بالبعث { وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ذلك بحصوله ونزوله بهم ، كما علموا يوم بدر بحصول ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوعدهم به . قوله { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءايَـٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح له . والخوض أصله في الماء ثم استعمل في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيها بغمرات الماء ، فاستعير من المحسوس للمعقول . وقيل هو مأخوذ من الخلط ، وكل شيء خضته فقد خلطته ، ومنه خاض الماء بالعسل خلطه . والمعنى إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والردّ والاستهزاء فدعهم ، ولا تقعد معهم لسماع مثل هذا المنكر العظيم حتى يخوضوا في حديث مغاير له ، أمره الله سبحانه بالإعراض عن أهل المجالس التي يستهان فيها بآيات الله إلى غاية هي الخوض في غير ذلك . وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة ، الذين يحرّفون كلام الله ، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله ، ويردّون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة ، فإن إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقلّ الأحوال أن يترك مجالستهم ، وذلك يسير عليه غير عسير . وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزّهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة ، فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر . وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر ، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه ، وبلغت إليه طاقتنا ، ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها ، علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرّمات ، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة ، فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان ، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه ، فيعمل بذلك مدّة عمره ويلقى الله به معتقداً أنه من الحق ، وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر . قوله { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ } « إما » هذه هي الشرطية وتلزمها غالباً نون التأكيد ولا تلزمها نادراً ، ومنه قول الشاعر @ إما يصبك عدوّ في منازلة يوماً فقل كيف يستعلي وينتصر @@ وقرأ ابن عباس « ينسينك » بتشديد السين ، ومثله قول الشاعر @ وقد ينسيك بعض الحاجة الكسل @@ والمعنى إن أنساك الشيطان أن تقوم عنهم فلا تقعد بعد الذكرى إذا ذكرت { مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي الذين ظلموا أنفسهم بالاستهزاء بالآيات والتكذيب بها . قيل وهذا الخطاب وإن كان ظاهره للنبي صلى الله عليه وسلم فالمراد التعريض لأمته لتنزّهه عن أن ينسيه الشيطان . وقيل لا وجه لهذا ، فالنسيان جائز عليه كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني " ونحو ذلك . قوله { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء } أي ما على الذين يتقون مجالسة الكفار عند خوضهم في آيات الله من حساب الكفار من شيء . وقيل المعنى ما على الذين يتقون ما يقع منهم من الخوض في آيات الله في مجالستهم لهم من شيء ، وعلى هذا التفسير ففي الآية الترخيص للمتقين من المؤمنين في مجالسة الكفار إذا اضطروا إلى ذلك كما سيأتي عند ذكر السبب . قيل وهذا الترخيص كان في أوّل الإسلام ، وكان الوقت وقت تقية ، ثم نزل قوله تعالى { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِه } النساء 140 فنسخ ذلك ، قوله { وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ } " ذكرى " في موضع نصب على المصدر ، أو رفع على أنها مبتدأ ، وخبرها محذوف ، أي ولكن عليهم ذكرى . وقال الكسائي المعنى ولكن هذه ذكرى ، والمعنى على الاستدراك من النفي السابق أي ولكن عليهم الذكرى للكافرين بالموعظة والبيان لهم بأن ذلك لا يجوز . أما على التفسير الأوّل فلأن مجرد اتقاء مجالس هؤلاء الذين يخوضون في آيات الله لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وأما على التفسير الثاني فالترخيص في المجالسة لا يسقط التذكير { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الخوض في آيات الله إذا وقعت منكم الذكرى لهم . وأما جعل الضمير للمتقين فبعيد جدّاً . قوله { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً } أي اترك هؤلاء الذين اتخذوا الدين الذي كان يجب عليهم العمل به والدخول فيه لعباً ولهواً ، ولا تعلق قلبك بهم فإنهم أهل تعنت ، وإن كنت مأموراً بإبلاغهم الحجة . وقيل هذه الآية منسوخة بآية القتال . وقيل المعنى أنهم اتخذوا دينهم الذي هم عليه لعباً ولهواً ، كما في فعلهم بالأنعام من تلك الجهالات والضلالات المتقدم ذكرها . وقيل المراد بالدين هنا العيد ، أي اتخذوا عيدهم لعباً ولهواً ، وجملة { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } معطوفة على { ٱتَّخَذُواْ } أي غرّتهم حتى آثروها على الآخرة وأنكروا البعث وقالوا { إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } المؤمنون 37 . قوله { وَذَكّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ } الضمير في " بِهِ " للقرآن أو للحساب . والإبسال تسليم المرء نفسه للهلاك ، ومنه أبسلت ولدي ، أي رهنته في الدم ، لأن عاقبة ذلك الهلاك . قال النابغة @ ونحن رهناً بالأُفاقة عامراً بما كان في الدرداء رهناً فأبسلا @@ أي فهلك ، والدرداء كتيبة كانت لهم معروفة بهذا الاسم ، فالمعنى وذكر به خشية أو مخافة أو كراهة أن تهلك نفس بما كسبت ، أي ترتهن وتسلم للهلكة ، وأصل الإبسال المنع ، ومنه شجاع باسل ، أي ممتنع من قرنه . قوله { وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا } العدل هنا الفدية . والمعنى وإن بذلت تلك النفس التي سلمت للهلاك كل فدية لا يؤخذ منها ذلك العدل حتى تنجو به من الهلاك ، وفاعل { يُؤْخَذْ } ضمير يرجع إلى العدل ، لأنه بمعنى المفدى به كما في قوله { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } البقرة 48 . وقيل فاعله { منها } ، لأن العدل هنا مصدر لا يسند إليه الفعل . وكل عدل منصوب على المصدر ، أي عدلاً كل عدل ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى المتخذين دينهم لعباً ولهواً ، وحبره { الذين أبسلوا بما كسبوا } أي هؤلاء الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً هم الذين سلموا للهلاك بما كسبوا ، و { لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ } جواب سؤال مقدّر كأنه قيل كيف حال هؤلاء ؟ فقيل لهم شراب من حميم ، وهو الماء الحارّ ، ومثله قوله تعالى { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } الحح 19 وهو هنا شراب يشربونه فيقطع أمعاءهم . قوله { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا } أمره الله سبحانه بأن يقول لهم هذه المقالة ، والاستفهام للتوبيخ ، أي كيف ندعوا من دون الله أصناماً لا تنفعنا بوجه من وجوه النفع إن إردنا منها نفعاً ، ولا نخشى ضرّها بوجه من الوجوه ، ومن كان هكذا فلا يستحق العبادة { وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِنَا } عطف على { ندعوا } . والأعقاب جمع عقب ، أي كيف ندعو من كان كذلك ونرجع إلى الضلالة التي أخرجنا الله منها . قال أبو عبيدة يقال لمن ردّ عن حاجته ولم يظفر بها قد ردّ على عقبيه . وقال المبرّد @ تعقب بالشر بعد الخير @@ وأصله من المعاقبة والعقبى ، وهما ما كان تالياً للشيء واجباً أن يتبعه ، ومنه { وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } الأعراف 128 ، ومنه عقب الرجل ، ومنه العقوبة ، لأنها تالية للذنب . قوله { كَٱلَّذِى ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَـٰطِينُ فِى ٱلأرْضِ } هوى يهوى إلى الشيء أسرع إليه . وقال الزجاج هو من هوى النفس ، أي زين له الشيطان هواه ، و { ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَـٰطِينُ } هوت به ، والكاف في { كَٱلَّذِى } إما نعت مصدر محذوف ، أي نردّ على أعقابنا ردّاً كالذي ، أو في محل نصب على الحال من فاعل نردّ ، أي نردّ حال كوننا مشبهين للذي استهوته الشياطين ، أي ذهبت به مردة الجنّ بعد أن كان بين الإنس . قرأ الجمهور « استهوته » وقرأ حمزة { استهواه } على تذكير الجمع . وقرأ ابن مسعود والحسن " استهواه ٱلشَّيْطَـٰنِ " وهو كذلك في قراءة أبيّ ، و { حَيْرَانَ } حال ، أي حال كونه متحيراً تائهاً لا يدري كيف يصنع ؟ والحيران هو الذي لا يهتدي لجهة ، قود حار يحار حيرة وحيرورة إذا تردّد ، وبه سمى الماء المستنقع الذي لا منفذ له حائراً . قوله { لَهُ أَصْحَـٰبٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى } صفة لحيران ، أو حالية ، أي له رفقة يدعونه إلى الهدى يقولون له ائتنا فلا يجيبهم ولا يهتدي بهديهم . قوله { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ } أمره الله سبحانه بأن يقول لهم { إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ } أي دينه الذي ارتضاه لعباده { هُوَ ٱلْهُدَىٰ } وما عداه باطل { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } آل عمران 85 . { وَأُمِرْنَا } معطوف على الجملة الإسمية ، أي من جملة ما أمره الله بأن يقوله ، واللام في { لِنُسْلِمَ } هي لام العلة ، والمعلل هو الأمر ، أي أمرنا لأجل نسلم لربّ العالمين . وقال الفراء المعنى أمرنا بأن نسلم ، لأن العرب تقول أمرتك لتذهب ، وبأن تذهب بمعنى . وقال النحاس سمعت ابن كيسان يقول هي لام الخفض . قوله { وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ وَٱتَّقُوهُ } معطوف على { لنسلم } على معنى وأمرنا أن نسلم وأن أقيموا ، ويجوز أن يكون عطفاً على { يدعونه } على المعنى ، أي يدعونه إلى الهدى ، ويدعونه أن أقيموا { وَهُوَ ٱلَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } فكيف تخالفون أمره { وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } خلقاً { بِٱلْحَقّ } أو حال كون الخلق بالحق فكيف تعبدون الأصنام المخلوقة ؟ قوله { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ } أي واذكر يوم يقول " كن فيكون " ، أو واتقوا يوم يقول كن فيكون . وقيل هو عطف على الهاء في { وَٱتَّقُوهُ } . وقيل إن { يوم } ظرف لمضمون جملة { قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ } والمعنى وأمره المتعلق بالأشياء الحق ، أي المشهود له بأنه حق . وقيل { قوله } مبتدأ ، و { الحق } صفة له و { يَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ } خبره مقدّماً عليه ، والمعنى قوله المتصف بالحق كائن يوم يقول كن فيكون . وقيل إن { قوله } مرتفع { بيكون } ، و { الحق } صفته ، أي يوم يقول كن يكون قوله الحق . وقرأ ابن عامر " فَنَكُونَ " بالنون ، وهو إشارة إلى سرعة الحساب . وقرأ الباقون بالياء التحتية وهو الصواب . قوله { وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّوَرِ } الظرف منصوب بما قبله ، أي له الملك في هذا اليوم . وقيل هو بدل من اليوم الأوّل ، والصور قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء ، والثانية للإنشاء ، وكذا قال الجوهري إن الصور القرن ، قال الراجز @ لقد نطحناهم غداة الجمعين نطحاً شديداً لا كنطح الصَّورَيْن @@ والصور بفتح الصاد وبكسرها لغة ، وحكي عن عمرو بن عبيد أنه قرأ " يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّوَرِ " بتحريك الواو ، جمع صورة ، والمراد الخلق . قال أبو عبيدة وهذا وإن كان محتملاً يردّ بما في الكتاب والسنة . وقال الفراء كن فيكون ، يقال إنه للصور خاصة ، أي ويوم يقول للصور كن فيكون . قوله { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } رفع { عالم } على أنه صفة للذي خلق السموات والأرض ، ويجوز أن يرتفع على إضمار مبتدأ ، أي هو عالم الغيب والشهادة ، وروي عن بعضهم أنه قرأ « ينفخ » بالبناء للفاعل ، فيجوز على هذه القراءة أن يكون الفاعل { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ } ويجوز أن يرتفع بفعل مقدّر كما أنشد سيبويه @ ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح @@ أي يبكيه مختبط . وقرأ الحسن والأعمش " عَـٰلِم " بالخفض على البدل من الهاء في { لَهُ ٱلْمُلْكُ } . { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } في جميع ما يصدر عنه { ٱلْخَبِيرُ } بكل شيء . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ في قوله { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ } يقول كذبت قريش بالقرآن { وَهُوَ ٱلْحَقُّ } وأما الوكيل فالحفيظ ، وأما { لّكُلّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ } فكان نبأ القوم استقرّ يوم بدر بما كان بعدهم من العذاب . وأخرج النحاس في ناسخه ، عن ابن عباس في قوله { وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } قال نسخ هذه الآية آية السيف { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { لّكُلّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ } قال حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها أرسلت عقوبتها . وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { لّكُلّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ } قال فعل وحقيقة ما كان منه في الدنيا وما كان منه في الآخرة . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءايَـٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } ونحو هذا في القرآن قال أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءايَـٰتِنَا } قال يستهزئون بها ، نهى محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقعد معهم إلا أن ينسى ، فإذا ذكر فليقم وذلك قول الله { فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن سيرين أنه كان يرى أن هذه الآية نزلت في أهل الأهواء . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو نعيم في الحلية ، عن أبي جعفر قال لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن محمد بن علي قال إن أصحاب الأهواء من الذين يخوضون في آيات الله . وأخرج أبو الشيخ ، عن مقاتل قال كان المشركون بمكة إذا سمعوا القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاضوا واستهزءوا ، فقال المسلمون لا تصلح لنا مجالستهم نخاف أن نخرج حين نسمع قولهم ونجالسهم فلا نعيب عليهم ، فأنزل الله هذه الآية . وأخرج أبو الشيخ أيضاً عن السديّ أنه قال إن هذه الآية منسوخة بآية السيف . وأخرج النحاس عن ابن عباس في قوله { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء } قال نسخت هذه الآية المكية بالآية المدنية ، وهي قوله { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا } الآية النساء 140 . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء } إن قعدوا ولكن لا يقعدوا . وأخرج ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة ، عن عمر بن عبد العزيز ، أنه أتى بقوم قعدوا على شراب معهم رجل صائم فضربه وقال لا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً } قال هو مثل قوله { ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } المدثر 11 يعني أنه للتهديد . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو داود في ناسخه ، عن قتادة ، في هذه الآية قال نسختها آية السيف . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه في قوله { لَعِباً وَلَهْواً } قال أكلاً وشرباً . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { أَن تُبْسَلَ } قال أن تفضح ، وفي قوله { أُبْسِلُواْ } قال فضحوا وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه في قوله { أَن تُبْسَلَ } قال تسلم ، وفي قوله { أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ } قال أسلموا بجرائرهم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه أيضاً في قوله { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ } قال هذا مثل ضربه الله للآلهة وللدعاة الذين يدعون إلى الله . وقوله { كَٱلَّذِى ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَـٰطِينُ فِى ٱلأرْضِ } يقول أضلته ، وهم الغيلان يدعونه باسمه ، واسم أبيه ، وجدّه ، فيتبعها ويرى أنه في شيء فيصبح وقد ألقته في هلكة ، وربما أكلته أو تلقيه في مضلة من الأرض ، يهلك فيها عطشاً . فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه أيضاً في قوله { كَٱلَّذِى ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَـٰطِينُ } قال هو الرجل لا يستجيب لهدى الله ، وهو الرجل أطاع الشيطان وعمل في الأرض بالمعصية ، وحاد عن الحق وضلّ عنه ، و { لَهُ أَصْحَـٰبٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى } ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى ، يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس يقول { إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } والضلالة ما تدعو إليه الجن . وأخرج ابن المبارك في الزهد ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، عن عبد الله بن عمرو قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال " قرن ينفخ فيه " والأحاديث الواردة في كيفية النفخ ثابتة في كتب الحديث لا حاجة لنا إلى إيرادها ها هنا . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ، في قوله { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } يعني إِن عالم الغيب والشهادة هو الذي ينفخ في الصور .