Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 84-90)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَوَهَبْنَا لَهُ } معطوف على جملة { وتلك حجتنا } عطف جملة فعلية على جملة اسمية . وقيل معطوف على { آتيناها } والأوّل أولى . والمعنى ووهبنا له ذلك جزاء له على الاحتجاج في الدين وبذل النفس فيه ، و { كُلاًّ هَدَيْنَا } انتصاب { كلاً } على أنه مفعول لما بعده مقدّم عليه للقصر ، أي كل واحد منهما هديناه ، وكذلك نوحاً منصوب بهدينا الثاني ، أو بفعل مضمر يفسره ما بعده { وَمِن ذُرّيَّتِهِ } أي من ذرية إبراهيم ، وقال الفراء من ذرية نوح . واختاره ابن جرير الطبري ، والقشيري ، وابن عطية ، واختار الأوّل الزجاج ، واعترض عليه بأنه عدّ من هذه الذرية يونس ولوطاً ، وما كان من ذرية إبراهيم ، فإن لوطاً هو ابن أخي إبراهيم ، وانتصب { دَاوُودُ وَسُلَيْمَـٰنَ } بفعل مضمر ، أي وهدينا من ذرية داود وسليمان ، وكذلك ما بعدها ، وإنما عدّ الله سبحانه هداية هؤلاء الأنبياء من النعم التي عدّدها على إبراهيم ، لأن شرف الأبناء متصل بالآباء . ومعنى { من قبل } في قوله { وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ } أي من قبل إبراهيم ، والإشارة بقوله { وَكَذٰلِكَ } إلى مصدر الفعل المتأخر ، أي ومثل ذلك الجزاء { نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } . { وَإِلْيَاسَ } قال الضحاك هو من ولد إسماعيل ، وقال القتيبي هو من سبط يوشع ابن نون ، وقرأ الأعرج والحسن ، وقتادة " وَإِلْيَاسَ " بوصل الهمزة ، وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو وعاصم « واليسع » مخففاً . وقرأ الكوفيون إلا عاصماً بلامين ، وكذلك قرأ الكسائي ، ورد القراءة الأولى ، ولا وجه للردّ فهو اسم أعجمي ، والعجمة لا تؤخذ بالقياس ، بل تؤدي على حسب السماع ، ولا يمتنع أن يكون في الاسم لغتان للعجم ، أو تغيره العرب تغييرين . قال المهدوي من قرأ بلام واحدة فالاسم يسع والألف واللام مزيدتان ، كما في قول الشاعر @ رأيت الوليد بن اليزيد مباركا شديداً بأعباء الخلافة كاهله @@ ومن قرأ بلامين فالاسم ليسع ، وقد توهم قوم أن اليسع هو إلياس وهو وهم ، فإن الله أفرد كل واحد منهما ، وقال وهب اليسع صاحب إلياس ، وكانوا قبل يحيـى وعيسى وزكريا . وقيل إلياس هو إدريس ، وهذا غير صحيح ، لأن إدريس جدّ نوح وإلياس من ذريته . وقيل إلياس هو الخضر وقيل لا بل اليسع هو الخضر { وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي كل واحد فضلناه بالنبوّة على عالمي زمانه ، والجملة معترضة . قوله { وَمِنْ ءابَائِهِمْ وَذُرّيَّـٰتِهِمْ وَإِخْوٰنِهِمْ } أي هدينا ، و « من » للتبعيض ، أي هدينا بعض آبائهم وذرياتهم وأزواجهم { وَٱجْتَبَيْنَـٰهُمْ } معطوف على فضلنا . والاجتباء الاصطفاء أو التخليص أو الاختيار ، مشتق من جبيت الماء في الحوض جمعته ، فالاجتباء ضم الذي تجتبيه إلى خاصتك . قال الكسائي جبيت الماء في الحوض جباً مقصورة ، والجابية الحوض ، قال الشاعر @ كجابية الشيخ العراقي تفهق @@ والإشارة بقوله { ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ } إلى الهداية والتفضيل والاجتباء المفهومة من الأفعال السابقة { يَهْدِى بِهِ } الله { مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } وهم الذين وفقهم للخير واتباع الحق { وَلَوْ أَشْرَكُواْ } أي هؤلاء المذكورون بعبادة غير الله { لَحَبِطَ عَنْهُمْ } من حسناتهم { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } والحبوط البطلان . وقد تقدّم تحقيقه في البقرة . والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئكَ ٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } إلى الأنبياء المذكورين سابقاً ، أي جنس الكتاب ، ليصدق على كل ما أنزل على هؤلاء المذكورين { وَٱلْحُكْمَ } العلم { وَٱلنُّبُوَّةَ } الرسالة ، أي ما هو أعمّ من ذلك { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء } الضمير في بها للحكم والنبوّة والكتاب ، أو للنبوّة فقط ، والإشارة بهؤلاء إلى كفار قريش المعاندين لرسول الله صلى الله عليه وسلم { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً } هذا جواب الشرط ، أي ألزمنا بالإيمان بها قوماً { لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ } وهم المهاجرون والأنصار أو الأنبياء المذكورون سابقاً ، وهذا أولى لقوله فيما بعد { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } فإن الإشارة إلى الأنبياء المذكورين لا إلى المهاجرين والأنصار ، إذ لا يصح أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهداهم ، وتقديم بهداهم على الفعل يفيد تخصيص هداهم بالاقتداء . والاقتداء طلب موافقة الغير في فعله . وقيل المعنى اصبر كما صبروا . وقيل اقتد بهم في التوحيد ، وإن كانت جزئيات الشرائع مختلفة ، وفيها دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالاقتداء بمن قبله من الأنبياء فيما لم يرد عليه فيه نصّ . قوله { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أمره الله بأن يخبرهم بأنه لا يسألهم أجراً على القرآن ، وأن يقول لهم ما { هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ } يعني القرآن { لّلْعَـٰلَمِينَ } أي موعظة وتذكير للخلق كافة ، الموجودين عند نزوله ، ومن سيوجد من بعد . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن كعب قال الخال والد والعم والد ، نسب الله عيسى إلى أخواله فقال { وَمِن ذُرّيَّتِهِ } حتى بلغ إلى قوله { وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ } . وأخرج أبو الشيخ ، والحاكم ، والبيهقي عن عبد الملك بن عمير قال دخل يحيـى بن يعمر على الحجاج فذكر الحسين ، فقال الحجاج لم يكن من ذرية النبي ، فقال يحيـى كذبت ، فقال لتأتيني على ما قلت ببينة ، فتلا { وَمِن ذُرّيَّتِهِ } إلى قوله { وَعِيسَى } فأخبر الله أن عيسى من ذرية آدم بأمه ، فقال صدقت . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي حرب بن أبي الأسود قال أرسل الحجاج إلى يحيـى بن يعمر فقال بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي تجده في كتاب الله ؟ وقد قرأته من أوّله إلى آخره فلم أجده ، فذكر يحيـى بن يعمر نحو ما تقدم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله { وَٱجْتَبَيْنَـٰهُمْ } قال أخلصناهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } قال يريد هؤلاء الذين هديناهم وفعلنا بهم . وأخرج أبو الشيخ ، عن مجاهد قال الحكم اللب . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء } يعني أهل مكة . يقول إن يكفروا بالقرآن { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ } يعني أهل المدينة والأنصار . وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً } قال هم الأنبياء الثمانية عشر الذين قال الله فيهم { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي رجاء العطاردي قال في الآية هم الملائكة . وأخرج البخاري ، والنسائي وغيرهما ، عن ابن عباس ، في قوله { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهداهم وكان يسجد في صۤ ، ولفظ ابن أبي حاتم عن مجاهد سألت ابن عباس عن السجدة التي في صۤ ، فقال هذه الآية ، وقال أمر نبيكم أن يقتدي بداود عليه السلام . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } قال قل لهم يا محمد لا أسألكم على ما أدعوكم إليه عرضاً من عروض الدنيا .