Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 123-129)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { آمَنتُمْ بِهِ } قرىء بحذف الهمزة على الإخبار وبإثباتها . أنكر على السحرة فرعون إيمانهم بموسى قبل أن يأذن لهم بذلك ، ثم قال بعد الإنكار عليهم ، مبيناً لما هو الحامل لهم على ذلك في زعمه { إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِى ٱلْمَدِينَةِ } أي حيلة احتلتموها أنتم وموسى عن مواطأة بينكم سابقة { لِتُخْرِجُواْ } من مدينة مصر { أَهْلِهَا } من القبط ، وتستولوا عليها وتسكنوا فيها أنتم وبنو إسرائيل . ومعنى { فِى ٱلْمَدِينَةِ } أن هذه الحيلة والمواطأة كانت بينكم ، وأنتم بالمدينة ، مدينة مصر ، قبل أن تبرزوا أنتم وموسى إلى هذه الصحراء . ثم هدّدهم بقوله { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } عاقبة صنعكم هذا ، وسوء مغبته ، ثم لم يكتف بهذا الوعيد المجمل ، بل فصّله فقال { لأقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ } أي الرجل اليمنى واليد اليسرى ، أو الرجل اليسرى واليد اليمنى ، ثم لم يكتف عدوّ الله بهذا ، بل جاوزه إلى غيره فقال { ثُمَّ لاَصَلّبَنَّكُمْ } في جذوع النخل ، أي أجعلكم عليها مصلوبين زيادة تنكيل بهم ، وإفراطاً في تعذيبهم ، وجملة { قَالُواْ إِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا مُنقَلِبُونَ } استئنافية جواب سؤال كما تقدّم ، ومعناه إنك وإن فعلت بنا هذا الفعل ، فبْعَدْه يومُ الجزاء سيجازيك الله بصنعك ، ويحسن إلينا بما أصابنا في ذاته ، فتوعدوه بعذاب الله في الآخرة ، لما توعدهم بعذاب الدنيا ، ويحتمل أن يكون المعنى { إِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا مُنقَلِبُونَ } بالموت ، أي لا بدّ لنا من الموت ، ولا يضرّنا كونه بسبب منك . قوله { وَمَا تَنقِمُ مِنَّا } قرأ الحسن بفتح القاف . قال الأخفش هي لغة ، وقرأ الباقون بكسرها . يقال نقمت الأمر أنكرته ، أي لست تعيب علينا وتنكر منا { إِلا أَنْ ءامَنَّا بِـئَايَـٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا } مع أن هذا هو الشرف العظيم والخير الكامل ، ومثله لا يكون موضعاً للعيب ومكاناً للإنكار ، بل هو حقيق بالثناء الحسن والاستحسان البالغ ، ثم تركوا خطابه وقطعوا الكلام معه والتفتوا إلى خطاب الجناب العليّ ، مفوّضين الأمر إليه ، طالبين منه عزّ وجلّ أن يثبتهم على هذه المحنة بالصبر قائلين { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } الإفراغ الصبّ ، أي اصببه علينا حتى يفيض ويغمرنا . طلبوا أبلغ أنواع الصبر ، استعداداً منهم لما سينزل بهم من العذاب من عدوّ الله ، وتوطيناً لأنفسهم على التصلب في الحق ، وثبوت القدم على الإيمان ، ثم قالوا { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } أي توفنا إليك حال ثبوتنا على الإسلام ، غير محرّفين ، ولا مبدّلين ، ولا مفتونين . ولقد كان ما هم عليه من السحر ، والمهارة في علمه ، مع كونه شرّاً محضاً ، سبباً للفوز بالسعادة ، لأنهم علموا أن هذا الذي جاء به موسى خارج عن طوق البشر ، وأنه من فعل الله سبحانه ، فوصلوا بالشرّ إلى الخير ، ولم يحصل من غيرهم ممن لا يعرف هذا العلم من أتباع فرعون ، ما حصل منهم من الإذعان والاعتراف والإيمان ، وإذا كانت المهارة في علم الشرّ قد تأتي بمثل هذه الفائدة ، فما بالك بالمهارة في علم الخير ، اللهم انفعنا بما علمتنا ، وثبت أقدامنا على الحق ، وأفرغ علينا سجال الصبر ، وتوفنا مسلمين . قوله { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ } ؟ هذا الاستفهام منهم للإنكار عليه ، أي أتتركه وقومه ليفسدوا في الأرض بإيقاع الفرقة وتشتيت الشمل ؟ والمراد بالأرض هنا أرض مصر . قوله { وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ } قرأ نعيم بن ميسرة « ويذرك » بالرفع على تقدير مبتدأ ، أي وهو يذرك ، أو على العطف على { أَتَذَرُ مُوسَىٰ } أي أتذره ويذرك . وقرأ الأشهب العقيلي " وَيَذَرَك " بالجزم ، إما على التخفيف بالسكون لثقل الضمة ، أو على ما قيل في { وَأَكُن مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } المنافقون 10 في توجيه الجزم . وقرأ أنس بن مالك « ونذرك » بالنون والرفع ، ومعناه أنهم أخبروا عن أنفسهم بأنهم سيذرونه وآلهته . وقرأ الباقون { ويذرك } بالنصب بأن مقدّرة على أنه جواب الاستفهام ، والواو نائبة عن الفاء ، أو عطفاً على { يفسدوا } أي ليفسدوا ، وليذرك ، لأنهم على الفساد في زعمهم ، وهو يؤدّي إلى ترك فرعون وآلهته . واختلف المفسرون في معنى { وَءالِهَتَكَ } لكون فرعون كان يدّعي الربوبية كما في قوله { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى } القصص 38 . وقوله { أَنَاْ رَبُّكُمُ } النازعات 24 فقيل معنى و { آلهتك } وطاعتك . وقيل معناه وعبادتك . ويؤيده قراءة علي ، وابن عباس ، والضحاك « وإلٰهتك » ، وفي حرف أبي « أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وقد تركوك أن يعبدوك » وقيل إنه كان يعبد بقرة ، وقيل كان يعبد النجوم . وقيل كان له أصنام يعبدها قومه تقرّباً إليه ، فنسبت إليه ، ولهذا قال { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } النازعات 24 قاله الزجاج . وقيل كان يعبد الشمس . فقال فرعون مجيباً لهم ، ومثبتاً لقلوبهم على الكفر { سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ } . قرأ نافع وابن كثير « سنقتل » بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتشديد ، أي سنقتل الأبناء ، ونستحيـي النساء ، أي نتركهنّ في الحياة . ولم يقل سنقتل موسى ، لأنه يعلم . أنه لا يقدر عليه { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَـٰهِرُونَ } أي مستعلون عليهم بالقهر والغلبة ، أو هم تحت قهرنا وبين أيدينا . ما شئنا أن نفعله بهم فعلناه . وجملة { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، لما بلغ موسى ما قاله فرعون أمر قومه بالاستعانة بالله والصبر على المحنة ، ثم أخبرهم { أَنَّ ٱلارْضَ } يعني أرض مصر { للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } أو جنس الأرض ، وهو وعد من موسى لقومه بالنصر على فرعون وقومه ، وأن الله سيورثهم أرضهم وديارهم . ثم بشّرهم بأن العاقبة للمتقين ، أي العاقبة المحمودة في الدنيا والآخرة للمتقين من عباده ، وهم موسى ومن معه . وعاقبة كل شيء آخره . وقرىء « والعاقبة » بالنصب عطفاً على الأرض . وجملة { قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } مستأنفة جواب سؤال مقدّر كالتي قبلها ، أي أوذينا من قبل أن تأتينا رسولاً ، وذلك بقتل فرعون أبناءنا عند مولدك لما أخبر بأنه سيولد مولود يكون زوال ملكه على يده { وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } رسولاً بقتل أبنائنا الآن . وقيل المعنى أوذينا من قبل أن تأتينا باستعمالنا في الأعمال الشاقة بغير جعل { ومن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } بما صرنا فيه الآن من الخوف على أنفسنا وأولادنا وأهلنا . وقيل إن الأذى من قبل ومن بعد واحد ، وهو قبض الجزية منهم . وجملة { قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } مستأنفة كالتي قبلها ، وعدهم بإهلاك الله لعدوّهم ، وهو فرعون وقومه . قوله { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى ٱلأرْضِ } هو تصريح بما رمز إليه سابقاً من أن الأرض لله . وقد حقّق الله رجاءه ، وملكوا مصر في زمان داود وسليمان ، وفتحوا بيت المقدس مع يوشع ابن نون ، وأهلك فرعون وقومه بالغرق وأنجاهم { فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } من الأعمال بعد أن يمنّ عليكم بإهلاك عدوّكم { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى ٱلأرْضِ } فيجازيكم بما عملتم فيه من خير وشرّ . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السدي في قوله { إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِى ٱلْمَدِينَةِ } إذا التقيتما لتظاهرا فتخرجا منها أهلها { لأقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ } الآية ، قال فقتلهم وقطعهم كما قال . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال كان أوّل من صلب فرعون ، وهو أوّل من قطع الأيدي والأرجل من خلاف . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة ، في قوله { مّنْ خِلَـٰفٍ } قال يداً من ها هنا ، ورجلاً من ها هنا . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، في قوله { أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } قال من قبل إرسال الله إياك ومن بعده . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن وهب بن منبه ، في الآية قال قالت بنو إسرائيل لموسى كان فرعون يكلفنا اللبن قبل أن تأتينا . فلما جئت كلفنا اللبن مع التبن أيضاً ، فقال موسى أي ربّ أهلك فرعون ، حتى متى تبقيه ؟ فأوحى الله إليهم إنهم لم يعملوا الذنب الذي أهلكهم به . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة في الآية قال حزا لعدوّ الله حاز أنه يولد في العام غلام يسلب ملكك ، قال فتتبع أولادهم في ذلك العام بذبح الذكر منهم ، ثم ذبحهم أيضاً بعد ما جاءهم موسى . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال إن بنا أهل البيت يفتح ويختم ، ولا بدّ أن تقع دولة لبني هاشم فانظروا فيمن تكون من بني هاشم ؟ وفيهم نزلت { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى ٱلأرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } وينبغي أن ينظر في صحة هذا عن ابن عباس ، فالآية نازلة في بني إسرائيل ، لا في بني هاشم ، واقعة في هذه القصة الحاكية لما جرى بين موسى وفرعون .