Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 130-136)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المراد بآل فرعون هنا قومه ، والمراد بالسنين الجدب . وهذا معروف عند أهل اللغة . يقولون أصابتهم سنة أي جدب سنة ، وفي الحديث " اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " ، وأكثر العرب يعربون السنين إعراب جمع المذكر السالم . ومن العرب من يعربه إعراب المفرد ، ويجري الحركات على النون ، وأنشد الفراء @ أرى مرّ السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال @@ بكسر النون من السنين . قال النحاس وأنشد سيبويه هذا البيت بفتح النون . أقول قد ورد ما لا احتمال فيه وهو قول الشاعر @ وماذا تزدري الأقوام مني وقد جاوزت حدّ الأربعين @@ وبعده @ أخو الخمسين مجتمع أشدي وتجدبني مداورة السنين @@ فإن الأبيات قبله وبعده مكسورة . وأوّل هذه الأبيات @ أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني @@ وحكى الفراء عن بني عامر أنهم يقولون أقمت عنده سنيناً مصروفاً . قال وبنو تميم لا يصرفونه . ويقال أسنت القوم ، أي أجدبوا ، ومنه قول ابن الزبعري @ ورجال مكة مسنتون عجاف @@ { وَنَقْصٍ مّن ٱلثَّمَرَاتِ } بسبب عدم نزول المطر ، وكثرة العاهات { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } فيتعظون ويرجعون عن غوايتهم . قوله { فَإِذَا جَاءتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } أي الخصلة الحسنة من الخصب بكثرة المطر ، وصلاح الثمرات ، ورخاء الأسعار { قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } أي أعطيناها باستحقاق ، وهي مختصة بنا { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } أي خصلة سيئة من الجدب والقحط ، وكثرة الأمراض ونحوها من البلاء { يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } أي يتشاءموا بموسى ومن معه من المؤمنين به ، والأصل يتطيروا أدغمت التاء في الطاء ، وقرأ طلحة " تطيروا " على أنه فعل ماض . وقد كانت العرب تتطير بأشياء من الطيور والحيوانات ، ثم استعمل بعد ذلك في كل من تشاءم بشيء . ومثل هذا قوله تعالى { ٱوَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } النساء 78 قيل ووجه تعريف الحسنة أنها كثيرة الوقوع ، ووجه تنكير السيئة ندرة وقوعها . قوله { أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } أي سبب خيرهم وشرهم بجميع ما ينالهم من خصب وقحط ، هو من عند الله ، ليس بسبب موسى ومن معه . وكان هذا الجواب على نمط ما يعتقدونه وبما يفهمونه . ولهذا عبر بالطائر عن الخير والشر الذي يجري بقدر الله وحكمته ومشيئته { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } بهذا ، بل ينسبون الخير والشر إلى غير الله جهلاً منهم . وقرأ الحسن « طيرهم » . قوله { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن ءايَةٍ لّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } قال الخليل أصل { مهما } « ما » الشرطية زيدت عليه « ما » التي للتوكيد ، كما تزاد في سائر الحروف مثل حيثما وأينما وكيفما ومتى ما . ولكنهم كرهوا اجتماع المثلين فأبدلوا ألف الأولى هاء . وقال الكسائي أصله مه ، أي اكفف ما تأتينا به من آية ، وزيدت عليها « ما » الشرطية . وقيل وهي كلمة مفردة يجازى بها . ومحل { مهما } الرفع على الابتداء ، أو النصب بفعل يفسره ما بعدها . و { من آية } لبيان { مهما } ، وسموها آية استهزاء بموسى كما يفيده ما بعده . وهو { لّتَسْحَرَنَا بِهَا } أي لتصرفنا عما نحن عليه كما يفعله السحرة بسحرهم . والضمير في " به " عائد إلى { مهما } ، والضمير في { بها } عائد إلى { آية } وقيل إنهما جميعاً عائدان إلى { مهما } ، وتذكير الأوّل باعتبار اللفظ ، وتأنيث الثاني باعتبار المعنى { فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } جواب الشرط ، أي فما نحن لك بمصدّقين . أخبروا عن أنفسهم أنهم لا يؤمنون بشيء مما يجيء به من الآيات التي هي في زعمهم من السحر ، فعند ذلك نزلت بهم العقوبة من الله عزّ وجلّ المبينة بقوله { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ } وهو المطر الشديد . قال الأخفش واحده طوفانة ، وقيل هو مصدر كالرجحان والنقصان فلا واحد له . وقيل الطوفان الموت . وقال النحاس الطوفان في اللغة ما كان مهلكاً من موت أو سيل ، أي ما يطيف بهم فيهلكهم . وَٱلْجَرَادَ هو الحيوان المعروف . أرسله الله لأكل زروعهم فأكلها . وَٱلْقُمَّل قيل هي الدباء . والدباء الجراد قبل أن تطير ، وقيل هي السوس ، وقيل البراغيث ، وقيل دواب سود صغار ، وقيل ضرب من القردان ، وقيل الجعلان . قال النحاس يجوز أن تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم . وقرأ الحسن « القمل » بفتح القاف وإسكان الميم . وقرأ الباقون بضم القاف وفتح الميم مشددة . وقد فسّر عطاء الخراساني « القمل » بالقمل { وَٱلضَّفَادِعَ } جمع ضفدع ، وهو الحيوان المعروف الذي يكون في الماء . { وَٱلدَّمَ } روي أنه سال النيل عليهم دماً . وقيل هو الرعاف . قوله { آيَاتٍ مّفَصَّلاَت } أي مبينات . قال الزجاج هو منصوب على الحال . والمعنى أرسلنا عليهم هذه الأشياء حال كونها آيات بينات ظاهرات { فَٱسْتَكْبَرُواْ } أي ترفعوا عن الإيمان بالله { وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } لا يهتدون إلى حق ، ولا ينزعون عن باطل . قوله { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرّجْزُ } أي العذاب بهذه الأمور التي أرسلها الله عليهم . وقرىء بضم الراء وهما لغتان . وقيل كان هذا الرجز طاعوناً مات به من القبط في يوم واحد سبعون ألفاً . { قَالُواْ يا مُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } أي بما استودعك من العلم ، أو بما اختصك به من النبوّة ، أو بما عهد إليك أن تدعو به فيجيبك . والباء متعلقة بـ { ادع } على معنى أسعفنا إلى ما نطلب من الدعاء بحق ما عندك من عهد الله ، أو ادع لنا متوسلاً إليه بعهده عندك . وقيل إن الباء للقسم ، وجوابه لنؤمنن ، أي أقسمنا بعهد الله عندك { لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ } على أن جواب الشرط سدّ مسدّ جواب القسم ، وعلى أن الباء ليست للقسم ، تكون اللام في { لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرّجْزَ } جواب قسم محذوف . و { لَنُؤْمِنَنَّ } جواب الشرط سادّ مسدّ جواب القسم { وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إِسْرٰءيلَ } معطوف على لنؤمننّ . وقد كانوا حابسين لبني إسرائيل عندهم ، يمتهنونهم في الأعمال ، فوعدوه بإرسالهم معه . { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَـٰلِغُوهُ } أي رفعنا عنهم العذاب عند أن رجعوا إلى موسى وسألوه بما سألوه ، لكن لا رفعاً مطلقاً ، بل رفعاً مقيداً بغاية هي الأجل المضروب لإهلاكهم بالغرق . وجواب " لما " { إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } أي ينقضون ما عقدوه على أنفسهم ، و " إذا " هي الفجائية ، أي فاجؤوا النكث وبادروه . { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } أي أردنا الانتقام منهم لما نكثوا بسبب ما تقدّم لهم من الذنوب المتعددة { فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ فِي ٱلْيَمّ } أي في البحر . قيل هو الذي لا يدرك قعره . وقيل هو لجته وأوسطه . وجملة { بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } تعليل للإغراق { وَكَانُواْ عَنْهَا غَـٰفِلِينَ } معطوف على كذبوا ، أي كانوا غافلين عن النقمة المدلول عليها بانتقمنا ، أو عن الآيات التي لم يؤمنوا بها ، بل كذبوا بها ، وكانوا في تكذيبهم بمنزلة الغافلين عنها . والثاني أولى لأن الجملتين تعليل للإغراق . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن مسعود { وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بِٱلسّنِينَ } قال السنين الجوع . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال السنين الجوائح { وَنَقْصٍ مّن ٱلثَّمَرَاتِ } دون ذلك . وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال لما أخذ الله آل فرعون بالسنين يبس كل شيء لهم ، وذهبت مواشيهم حتى يبس نيل مصر ، واجتمعوا إلى فرعون ، فقالوا إن كنت كما تزعم فائتنا في نيل مصر بماء ، قال غدوة يصبحكم الماء ، فلما خرجوا من عنده قال أي شيء صنعت إن لم أقدر على أن أجري في نيل مصر ماء غدوة كذبوني . فلما كان جوف الليل قام فاغتسل ، ولبس مدرعة صوف ، ثم خرج حافياً حتى أتى نيل مصر فقال اللهم إنك تعلم ، أني أعلم أنك تقدر على أن تملأ نيل مصر ماء فاملأه ماء . فما علم إلا بجزر الماء يقبل ، فخرج وأقبل النيل يزخ بالماء لما أراد الله بهم من الهلكة . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { فَإِذَا جَاءتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ } قال العافية والرخاء { قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } نحن أحق بها { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ } قال بلاء وعقوبة { يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ } قال يتشاءموا به . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس ، في قوله { أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } قال الأمر من قبل الله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عائشة ، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الطوفان الموت " قال ابن كثير هو حديث غريب . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال الطوفان الغرق . وأخرج هؤلاء عن مجاهد قال الطوفان الموت على كل حال . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال الطوفان مطروا دائماً بالليل والنهار ثمانية أيام . والقمل الجراد الذي له أجنحة . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه ، قال الطوفان أمر من أمر ربك ، ثم قرأ { فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبّكَ } القلم 19 . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال الطوفان الماء ، والطاعون والجراد . قال يأكل مسامير رُتُجهم يعني أبوابهم وثيابهم ، والقمل الدباء . والضفادع ، تسقط على فرشهم وفي أطعمتهم ، والدم يكون في ثيابهم ومائهم وطعامهم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس قال القمل الدباء . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال كانت الضفادع بريّة ، فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت ، فجعلت تقذف نفسها في القدر وهي تغلي ، وفي التنانير وهي تفور . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، قال سال النيل دماً ، فكان الإسرائيلي يستقي ماء طيباً ، ويستقي الفرعوني دماً ، ويشتركان في إناء واحد ، فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء طيباً وما يلي الفرعوني دماً . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم ، في قوله { وَٱلدَّمَ } قال سلط الله عليهم الرعاف . وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال مكث موسى في آل فرعون بعدما غلب السحرة أربعين سنة ، يريهم الآيات ، والجراد ، والقمل والضفادع . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه في قوله { آيَاتٍ مّفَصَّلاَت } قال كانت آيات مفصلات يتبع بعضها بعضاً ليكون لله الحجة عليهم . وأخرج ابن المنذر ، عنه ، قال يتبع بعضها بعضاً تمكث فيهم سبتاً إلى سبت ، ثم ترفع عنهم شهراً . وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الرجز العذاب " وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال الرجز الطاعون . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله { إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَـٰلِغُوهُ } قال الغرق . وأخرج ابن أبي حاتم ، من طرق ، عن ابن عباس قال اليم البحر . وأخرج أيضاً عن السديّ مثله .