Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 19-25)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { ويا ءادَمَ } هو على تقدير القول ، أي وقلنا يا آدم . قال له هذا القول ، بعد إخراج إبليس من الجنة ، أو من السماء ، أو من بين الملائكة كما تقدّم . وقد تقدّم معنى الإسكان ، ومعنى { ولا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } في البقرة . ومعنى { مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } من أيّ نوع من أنواع الجنة شئتما أكله ، ومثله ما تقدّم من قوله تعالى { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا } البقرة 35 وحذف النون من { فَتَكُونَا } لكونه معطوفاً على المجزوم ، أو منصوباً على أنه جواب النهي . قوله { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ } الوسوسة الصوت الخفي ، والوسوسة حديث النفس ، يقال وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواساً بكسر الواو ، والوسوسة بالفتح الاسم مثل الزلزلة والزلزال ، ويقال لهمس الصائد والكلاب ، وأصوات الحلي وسواس . قال الأعشى @ تسمع للحليّ وسواساً إذا انصرفت @@ والوسواس اسم الشيطان . ومعنى وسوس له وسوس إليه ، أو فعل الوسوسة لأجله . قوله { لِيُبْدِيَ لَهُمَا } أي ليظهر لهما ، واللام للعاقبة ، كما في قوله { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } القصص 8 . وقيل هي لام كي ، أي فعل ذلك ليتعقبه الإيذاء ، أو لكي يقع الإيذاء . قوله { مَا وُورِيَ } أي ما ستر وغطي { عَنْهُمَا مِنَ سَوآتِهِما } سمي الفرج سوءة ، لأن ظهوره يسوء صاحبه ، أراد الشيطان أن يسوءهما بظهور ما كان مستوراً عنهما من عوراتهما ، فإنهما كانا لا يريان عورة أنفسهما ، ولا يراها أحدهما من الآخر ، وإنما لم تقلب الواو في { مَا وُورِيَ } همزة ، لأن الثانية مدة . قيل إنما بدت عورتهما لهما لا لغيرهما ، وكان عليهما نور يمنع من رؤيتها { وَقَالَ } أي الشيطان لهما { مَا نَهَـٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ } أكل هذه الشجرة { إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } " أن " في موضع نصب ، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره ولا كراهة أن تكونا ملكين ، هكذا قال البصريون . وقال الكوفيون التقدير لئلا تكونا ملكين { أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ } في الجنة ، أو من الذين لا يموتون . قال النحاس فضل الله الملائكة على جميع الخلق في غير موضع في القرآن ، فمنها هذا ، ومنها { وَلا أَقُولُ إِنّى مَلَكٌ } هود 31 ، ومنها { وَلاَ ٱلْمَلَـئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } النساء 172 . قال ابن فورك لا حجة في هذه الآية ، لأنه يحتمل أن يريد ملكين في أن لا يكون لهما شهوة في الطعام . وقد اختلف الناس في هذه المسألة اختلافاً كثيراً ، وأطالوا الكلام في غير طائل ، وليست هذه المسألة مما كلفنا الله بعلمه ، فالكلام فيها لا يعنينا . وقرأ ابن عباس ، ويحيـى بن أبي كثير ، والضحاك « ملكين » بكسر اللام ، وأنكر أبو عمرو بن العلاء هذه القراءة وقال لم يكن قبل آدم ملك فيصيرا ملكين . وقد احتج من قرأ بالكسر بقوله تعالى { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } طه 120 . قال أبو عبيد هذه حجة بينة لقراءة الكسر ، ولكنّ الناس على تركها فلهذا تركناها . قال النحاس هي قراءة شاذة ، وأنكر على أبي عبيد ، هذا الكلام وجعله من الخطأ الفاحش . قال وهل يجوز أن يتوهم على آدم عليه السلام أن يصل إلى أكثر من ملك الجنة وهي غاية الطالبين ؟ وإنما معنى { وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } المقام في ملك الجنة والخلود فيه . قوله { وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } أي حلف لهما فقال أقسم قساماً أي حلف ، ومنه قول الشاعر @ وقاسمهما بالله جهداً لأنتما ألذّ من السلوى إذا ما نشورها @@ وصيغة المفاعلة وإن كانت في الأصل تدلّ على المشاركة ، فقد جاءت كثيراً لغير ذلك . وقد قدّمنا تحقيق هذا في المائدة ، والمراد بها هنا المبالغة في صدور الأقسام لهما من إبليس . وقيل إنهما أقسما له بالقبول ، كما أقسم لهما على المناصحة ، قوله { فَدَلَّـٰهُمَا بِغُرُورٍ } التدلية والإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل ، يقال أدلى دلوه أرسلها ، والمعنى أنه أهبطهما بذلك من الرتبة العلية إلى الأكل من الشجرة . وقيل معناه أوقعهما في الهلاك . وقيل خدعهما ، وأنشد نفطويه @ إن الكريم إذا تشاء خدعته وترى اللئيم مجرباً لا يخدع @@ وقيل معنى { دلاهما } دللهما من الدالة ، وهي الجرأة ، أي جرأهما على المعصية ، فخرجا من الجنة . قوله { فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سوآتِهِما } أي لما طعماها ظهرت لهما عوراتهما ، بسبب زوال ما كان ساتراً لهما ، وهو تقلص النور الذي كان عليها . وقد تقدّم في البقرة ، قوله { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } طفق يفعل كذا ، بمعنى شرع يفعل كذا . وحكى الأخفش طفق يطفق مثل ضرب يضرب أي شرعا أو جعلا يخصفان عليهما . قرأ الحسن « يخصفان » بكسر الخاء وتشديد الصاد ، والأصل يختصفان ، فأدغم وكسرت الخاء لالتقاء الساكنين . وقرأ ابن بريدة ويعقوب بفتح الخاء . وقرأ الزهري « يخصفان » من أخصف . وقرأ الجمهور { يخصفان } من خصف . والمعنى أنهما أخذا يقطعان الورق ويلزقانه بعورتهما ليستراها ، من خصف النعل إذا جعله طبقة فوق طبقة { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا } قائلاً لهما { أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ } التي نهيتكما عن أكلها ، وهذا عتاب من الله لهما وتوبيخ ، حيث لم يحذرا ما حذرهما منه { وَأَقُل لَّكُمَا } معطوف على { أنهكما } { إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أي مظهر للعداوة . قوله { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا } جملة استئنافية مبنية على تقدير سؤال كأنه قيل فماذا قالا ؟ وهذا منهما اعتراف بالذنب ، وأنهما ظلما أنفسهما مما وقع منهما من المخالفة ، ثم قالا { وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } . وجملة { قَالَ ٱهْبِطُواْ } استئناف كالتي قبلها ، والخطاب لآدم وحواء وذريتهما ، أو لهما ولإبليس ، وجملة { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } في محل نصب على الحال { وَلَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } أي موضع استقرار و لكم { مَتَـٰعٌ } تتمتعون به في الدنيا ، وتنتفعون به من المطعم والمشرب ونحوهما { إِلَىٰ حِينٍ } أي إلى وقت ، وهو وقت موتكم . وجملة { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } استئنافية كالتي قبلها ، أي في الأرض تحيون ، وفيها يأتيكم الموت ، ومنها تخرجون إلى دار الآخرة ، ومثله قوله تعالى { مِنْهَا خَلَقْنَـٰكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } طه 55 واعلم أنه قد سبق شرح هذه القصة مستوفى في البقرة فارجع إليه . وقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن عساكر ، عن وهب بن منبه في قوله { لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } قال كان على كل واحد منهما نور لا يبصر كل واحد منهما سوءة صاحبه ، فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال أتاهما إبليس فقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكون ملكين مثله ، يعني مثل الله عزّ وجلّ ، فلم يصدّقاه حتى دخل في جوف الحية فكلمهما . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في الآية { إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } فإن أخطأكما أن تكونا ملكين لم يخطئكما أن تكونا خالدين فلا تموتان فيها أبداً { وَقَاسَمَهُمَا } قال حلف لهما { إِنّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن كعب ، في قوله { فَدَلَّـٰهُمَا بِغُرُورٍ } قال مناهما بغرور . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي شيبة ، عن عكرمة قال لباس كل دابة منها ، ولباس الإنسان الظفر ، فأدركت آدم التوبة عند ظفره . وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ وابن مردويه ، والبيهقي ، وابن عساكر ، عن ابن عباس ، قال كان لباس آدم وحواء كالظفر ، فلما أكلا من الشجرة لم يبق عليهما إلا مثل الظفر { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } قال ينزعان ورق التين ، فيجعلانه على سوآتهما . وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال لما أسكن الله آدم الجنة كساه سربالاً من الظفر ، فلما أصاب الخطيئة سلبه السربال ، فبقي في أطراف أصابعه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه ، نحوه من طريق أخرى . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أنس بن مالك ، قال كان لباس آدم في الجنة الياقوت ، فلما عصى قلص فصار الظفر . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ } قال يرقعان كهيئة الثوب . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السديّ { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ } قال آدم ربّ إنه حلف لي بك ، ولم أكن أعلم أن أحداً من خلقك يحلف بك إلا صادقاً ، وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا } الآية قال هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه . وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك مثله .