Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 26-27)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عبّر سبحانه بالإنزال عن الخلق ، أي خلقنا لكم لباساً يواري سوآتكم التي أظهرها إبليس من أبويكم ، والسوأة العورة كما سلف ، والكلام في قدرها وما يجب ستره منها مبين في كتب الفروع . قوله { وَرِيشًا } قرأ الحسن وعاصم ، من رواية المفضل الضبي ، وأبو عمرو ، من رواية الحسن بن عليّ الجعفي « ورياشاً » وقرأ الباقون { وريشاً } والرياش جمع ريش وهو اللباس . قال الفراء ريش ورياش كما يقال لبس ولباس ، وريش الطائر ما ستره الله به . وقيل المراد بالريش هنا الخصب ورفاهية العيش . قال القرطبي والذي عليه أكثر أهل اللغة أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة . وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة وهبت له دابة وريشها ، أي وما عليها من اللباس . وقيل المراد بالريش هنا لباس الزينة لذكره بعد قوله { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا } وعطفه عليه . قوله { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي بنصب لباس . وقرأ الباقون بالرفع فالنصب على أنه معطوف على لباس الأوّل ، والرفع على أنه مبتدأ ، وجملة { ذٰلِكَ خَيْرٌ } خبره ، والمراد بلباس التقوى لباس الورع ، واتقاء معاصي الله ، وهو الورع نفسه والخشية من الله ، فذلك خير لباس وأجمل زينة . وقيل لباس التقوى الحياء . وقيل العمل الصالح ، وقيل هو لباس الصوف والخشن من الثياب لما فيه من التواضع لله . وقيل هو الدرع والمغفر الذي يلبسه من يجاهد في سبيل الله ، والأوّل أولى . وهو يصدق على كل ما فيه تقوى لله فيندرج تحته جميع ما ذكر من الأقوال ، ومثل هذه الاستعارة كثيرة الوقوع في كلام العرب ، ومنه @ إذ المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسيا @@ ومثله @ تغطّ بأثواب السخاء فإنني أرى كل عيب والسخاء غطاؤه @@ والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى لباس التقوى ، أي هو خير لباس ، وقرأ الأعمش " وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ خَيْرٌ " والإشارة بقوله { ذٰلِكَ مِنْ آيَـٰتِ ٱللَّهِ } إلى الإنزال المدلول عليه بأنزلنا ، أي ذلك الإنزال من آيات الله الدالة على أن له خالقاً . ثم كرّر الله سبحانه النداء لبني آدم تحذيراً لهم من الشيطان ، فقال { يَـٰبَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } أي لا يوقعنكم في الفتنة ، فالنهي وإن كان للشيطان ، فهو في الحقيقة لبني آدم بأن لا يفتتنوا بفتنته ويتأثروا لذلك ، والكاف في { كَمَا أَخْرَجَ } نعت مصدر محذوف ، أي لا يفتننكم فتنة مثل إخراج أبويكم من الجنة ، وجملة { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا } في محل نصب على الحال ، وقد تقدّم تفسيره ، واللام في { لِيُرِيَهُمَا سوآتهِما } لام كي ، أي لكي يريهما ، وقد تقدّم تفسيره أيضاً . قوله { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } هذه الجملة تعليل لما قبلها ، مع ما تتضمنه من المبالغة في تحذريهم منه ، لأن من كان بهذه المثابة يرى بني آدم من حيث لا يرونه ، كان عظيم الكيد ، وكان حقيقاً بأن يحترس منه أبلغ احتراس { وَقَبِيلُهُ } أعوانه من الشياطين وجنوده . وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على أن رؤية الشياطين غير ممكنة ، وليس في الآية ما يدل على ذلك ، وغاية ما فيها أنه يرانا من حيث لا نراه ، وليس فيها أنا لا نراه أبداً ، فإن انتفاء الرؤية منا له في وقت رؤيته لنا لا يستلزم انتفاءها مطلقاً ، ثم أخبر الله سبحانه بأنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون من عباده وهم الكفار . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم } قال كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة ، وفي قوله { وَرِيشًا } قال المال . وأخرج ابن جرير ، عن عروة بن الزبير ، في قوله { لِبَاسًا يُوٰرِى سوآتكم } قال الثياب { وَرِيشًا } قال المال { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } قال خشية الله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن زيد بن عليّ ، في قوله { لِبَاسًا يُوٰرِى سواتِكم } قال لباس العامة { وَرِيشًا } قال لباس الزينة { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } قال الإسلام . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، من طرق عن ابن عباس ، في قوله { وَرِيشًا } قال المال واللباس والعيش والنعيم ، وفي قوله { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } قال الإيمان والعمل الصالح { ذٰلِكَ خَيْرٌ } قال الإيمان والعمل خير من الريش واللباس ، وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه ، في قوله " ورياشاً يقول المال . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا } قال التقوى ، وفي قوله { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ } قال الجن والشياطين .