Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 28-30)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الفاحشة ما تبالغ في فحشه وقبحه من الذنوب . قال أكثر المفسرين هي طواف المشركين بالبيت عراة . وقيل هي الشرك ، والظاهر أنها تصدق على ما هو أعم من الأمرين جميعاً ، والمعنى أنهم إذا فعلوا ذنباً قبيحاً متبالغاً في القبح ، اعتذروا عن ذلك بعذرين الأوّل أنهم فعلوا ذلك اقتداء بآبائهم لما وجدوهم مستمرين على فعل تلك الفاحشة ، والثاني أنهم مأمورون بذلك من جهة الله سبحانه . وكلا العذرين في غاية البطلان والفساد ، لأن وجود آبائهم على القبح لا يسوّغ لهم فعله ، والأمر من الله سبحانه لهم لم يكن بالفحشاء ، بل أمرهم باتباع الأنبياء والعمل بالكتب المنزلة ونهاهم عن مخالفتهما ، ومما نهاهم عنه فعل الفواحش ، ولهذا ردّ الله سبحانه عليهم بأن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَاء } فكيف تدّعون ذلك عليه سبحانه ، ثم أنكر عليهم ما أضافوه إليه ، فقال { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وهو من تمام ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقوله لهم ، وفيه من التقريع والتوبيخ أمر عظيم ، فإن القول بالجهل إذا كان قبيحاً في كل شيء ، فكيف إذا كان في التقوّل على الله ؟ وإن في هذه الآية الشريفة لأعظم زاجر ، وأبلغ واعظ ، للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق ، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق ، فإنهم القائلون { إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } الزخرف 23 والقائلون { وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب ، مع اعتقاده بأنه الذي أمر الله به ، وأنه الحق لم يبق عليه ، وهذه الخصلة هي التي بقي بها اليهودي على اليهودية ، والنصراني على النصرانية ، والمبتدع على بدعته ، فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية ، والنصرانية ، أو البدعية ، وأحسنوا الظنّ بهم ، بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به ، ولم ينظروا لأنفسهم ، ولا طلبوا الحق كما يجب ، وبحثوا عن دين الله كما ينبغي ، وهذا هو التقليد البحت والقصور الخالص ، فيا من نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية أنا لك النذير المبالغ في التحذير ، من أن تقول هذه المقالة وتستمر على الضلالة ، فقد اختلط الشرّ بالخير ، والصحيح بالسقيم ، وفاسد الرأي بصحيح الرواية ، ولم يبعث الله إلى هذه الأمة إلا نبياً واحداً أمرهم باتباعه ونهى عن مخالفته فقال { وَمَا آتَـٰكُمْ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } الحشر 7 ولو كان محض رأى أئمة المذاهب وأتباعهم حجة على العباد ، لكان لهذه الأمة رسل كثيرون متعدّدون بعدد أهل الرأي المكلفين للناس بما لم يكلفهم الله به . وإن من أعجب الغفلة ، وأعظم الذهول عن الحق ، اختيار المقلدة لآراء الرجال مع وجود كتاب الله ، ووجود سنة رسوله ، ووجود من يأخذونهما عنه ، ووجود آلة الفهم لديهم ، وملكة العقل عندهم . قوله { قُلْ أَمَرَ رَبّي بِٱلْقِسْطِ } القسط العدل ، وفيه أن الله سبحانه يأمر بالعدل ، لا كما زعموه من أن الله أمرهم بالفحشاء . وقيل القسط هنا هو لا إلٰه إلا الله ، وفي الكلام حذف ، أي قل أمر ربي بالقسط فأطيعوه . قوله { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ } معطوف على المحذوف المقدّر ، أي توجهوا إليه في صلاتكم إلى القبلة في أي مسجد كنتم ، أو في كل وقت سجود ، أو في كل مكان سجود ، على أن المراد بالسجود الصلاة { وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } أي ادعوه أو اعبدوه حال كونكم مخلصين الدعاء ، أو العبادة له . وقيل وحدوه ولا تشركوا به . قوله { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } الكاف نعت مصدر محذوف . وقال الزجاج هو متعلق بما قبله . والمعنى كما أنشأكم في ابتداء الخلق يعيدكم ، فيكون المقصود الاحتجاج على منكري البعث ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته . وقيل كما أخرجكم من بطون أمهاتكم تعودون إليه كذلك ليس معكم شيء ، فيكون مثل قوله تعالى { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } الأنعام 94 . وقيل كما بدأكم من تراب تعودون إلى التراب { فَرِيقًا هَدَىٰ } منتصب بفعل يفسره ما بعده . وقيل منتصب على الحال من المضمر في تعودون ، أي تعودون فريقين سعداء وأشقياء ، ويقويه قراءة أبيّ « فريقين فريقا هدى » ، والفريق الذي هداه الله هم المؤمنون بالله المتبعون لأنبيائه ، والفريق الذي حقت عليه الضلالة هم الكفار . قوله { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱللَّهِ } تعليل لقوله { وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ } أي ذلك بسبب أنهم أطاعوا الشياطين في معصية الله ، ومع هذا فإنهم { يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُّهْتَدُونَ } ، ولم يعترفوا على أنفسهم بالضلالة ، وهذا أشدّ في تمرّدهم وعنادهم . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } قال كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فنهوا عن ذلك . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي مثله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة في الآية قال والله ما أكرم الله عبداً قط على معصيته ، ولا رضيها له ولا أمر بها ، ولكن رضي لكم بطاعته ، ونهاكم عن معصيته ، وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن مجاهد ، في قوله { أَمَرَ رَبّي بِٱلْقِسْطِ } قال بالعدل { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ } قال إلى الكعبة حيثت صليتم في كنيسة أو غيرها { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } قال شقي وسعيد . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } الآية قال إن الله بدأ خلق بني آدم مؤمناً وكافراً كما قال { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِن } التغابن 2 ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمناً وكافراً . وأخرج ابن جرير ، عن جابر في الآية قال يبعثون على ما كانوا عليه المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، عنه أنه ذكر القدرية فقال قاتلهم الله ، أليس قد قال الله تعالى { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ } . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه ، أيضاً في الآية يقول كما خلقناكم أوّل مرّة كذلك تعودون .