Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 31-33)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا خطاب لجميع بني آدم ، وإن كان وارداً على سبب خاص ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والزينة ما يتزين به الناس من الملبوس ، أمروا بالتزين عند الحضور إلى المساجد للصلاة والطواف . وقد استدلّ بالآية على وجوب ستر العورة في الصلاة ، وإليه ذهب جمهور أهل العلم ، بل سترها واجب في كل حال من الأحوال ، وإن كان الرجل خالياً كما دلّت عليه الأحاديث الصحيحة ، والكلام على العورة وما يجب ستره منها مفصل في كتب الفروع . قوله { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ * وَلاَ تُسْرِفُواْ } أمر الله سبحانه عباده بالأكل والشرب ، ونهاهم عن الإسراف ، فلا زهد في ترك مطعم ولا مشرب ، وتاركه بالمرّة قاتل لنفسه ، وهو من أهل النار ، كما صح في الأحاديث الصحيحة ، والمقلل منه على وجه يضعف به بدنه ويعجز عن القيام بما يجب عليه القيام به من طاعة أو سعي على نفسه ، وعلى من يعول مخالفاً لما أمر الله به وأرشد إليه ، والمسرف في إنفاقه على وجه لا يفعله إلا أهل السفه ، والتبذير مخالف لما شرعه الله لعباده واقع في النهي القرآني وهكذا من حرّم حلالاً أو حلل حراماً ، فإنه يدخل في المسرفين ويخرج عن المقتصدين . ومن الإسراف الأكل لا لحاجة ، وفي وقت شبع . قوله { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } الزينة ما يتزين به الإنسان ، من ملبوس أو غيره من الأشياء المباحة ، كالمعادن التي لم يرد نهي عن التزين بها ، والجواهر ونحوها وقيل الملبوس خاصة ، ولا وجه له ، بل هو من جملة ما تشمله الآية ، فلا حرج على من لبس الثياب الجيدة الغالية القيمة إذا لم يكن مما حرّمه الله ، ولا حرج على من تزين بشيء من الأشياء التي لها مدخل في الزينة ، ولم يمنع منها مانع شرعي ، ومن زعم أن ذلك يخالف الزهد فقد غلط غلطاً بيناً . وقد قدّمنا في هذا ما يكفي ، وهكذا الطيبات من المطاعم والمشارب ونحوهما ، مما يأكله الناس ، فإنه لا زهد في ترك الطيب منها ، ولهذا جاءت الآية هذه معنونة بالاستفهام المتضمن للإنكار على من حرّم ذلك على نفسه ، أو حرّمه على غيره . وما أحسن ما قال ابن جرير الطبري ولقد أخطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان ، مع وجود السبيل إليه من حله ، ومن أكل البقول والعدس ، واختاره على خبز البرّ ، ومن ترك أكل اللحم خوفاً من عارض الشهوة . وقد قدّمنا نقل مثل هذا عنه مطوّلاً . والطيبات المستلذات من الطعام وقيل هو اسم عام لما طاب كسباً ومطعماً . قوله { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى أَخْرَجَ } أي أنها لهم بالأصالة ، وإن شاركهم الكفار فيها ما داموا في الحياة { خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي مختصة بهم يوم القيامة ، لا يشاركهم فيها الكفار . وقرأ نافع « خالصة » بالرفع ، وهي قراءة ابن عباس ، على أنها خبر بعد خبر . وقرأ الباقون بالنصب على الحال . قال أبو علي الفارسي ولا يجوز الوقف على الدنيا لأن ما بعدها متعلق بقوله { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } حال منه بتقدير قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها لهم يوم القيامة ، قوله { كَذَلِكَ نُفَصِلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي مثل هذا التفصيل نفصل الآيات المشتملة على التحليل والتحريم . قوله { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ } جمع فاحشة . وقد تقدّم تفسيرها { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } أي ما أعلن منها وما أسرّ ، وقيل هي خاصة بفواحش الزنا ، ولا وجه لذلك والإثم يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم وقيل هو الخمر خاصة ومنه قول الشاعر @ @ شربت الإثم @@ حتى ضلّ عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقول @@ ومثله قول الآخر @ يشرب الإثم بالصواع جهارا @@ وقد أنكر جماعة من أهل العلم على من جعل الإثم خاصاً بالخمر . قال النحاس فأما أن يكون الإثم الخمر فلا يعرف ذلك ، وحقيقته أنه جميع المعاصي ، كما قال الشاعر @ إني وجدت الأمر أرشده تقوى الإلٰه وشرّه الإثم @@ قال الفراء الإثم ما دون الحق والاستطالة على الناس انتهى . وليس في إطلاق الإثم على الخمر ما يدل على اختصاصه به ، فهو أحد المعاصي التي يصدق عليها . قال في الصحاح وقد يسمى الخمر إثماً ، وأنشد شربت الإثم البيت ، وكذا أنشده الهروي قبله في غريبته . قوله { وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } أي الظلم المجاوز للحد ، وأفرده بالذكر بعد دخوله فيما قبله لكونه ذنباً عظيماً كقوله { وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى } النحل 90 { وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً } أي وأن تجعلوا لله شريكاً لم ينزل عليكم به حجة . والمراد التهكم بالمشركين ، لأن الله لا ينزل برهاناً بأن يكون غيره شريكاً له { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } بحقيقته وأن الله قاله ، وهذا مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، ومسلم ، والنسائي ، وغيرهم ، عن ابن عباس ، أن النساء كنّ يطفن عراة إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة وتقول @ اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله @@ فنزلت { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ } . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عنه ، في الآية قال كان الرجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة . والزينة اللباس وما يواري السوءة ، وما سوى ذلك من جيد البرّ والمتاع . وأخرج ابن عدي ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذوا زينة الصلاة ، قالوا وما زينة الصلاة ؟ قال البسوا نعالكم فصلوا فيها " وأخرج العقيلي ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قول الله { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ } قال صلوا في نعالكم . والأحاديث في مشروعية الصلاة في النعل كثيرة جداً ، وأما كون ذلك هو تفسير الآية كما روي في هذين الحديثين فلا أدري كيف إسنادهما . وقد ورد النهي عن أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء ، وهو في الصحيحين وغيرهما ، من حديث أبي هريرة . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس ، قال أحلّ الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفاً أو مخيلة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه ، في قوله { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } قال في الطعام والشراب . وأخرج عبد بن حميد ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، من طريق عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا سرف ، فإن الله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده " وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، قال كانت قريش تطوف بالبيت ، وهم عراة يصفرون ويصفقون ، فأنزل الله { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ } فأمروا بالثياب أن يلبسوها . { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَـٰتِ مِنَ } قال ينتفعون بها في الدنيا لا يتبعهم فيها مأثم يوم القيامة . وأخرج عبد بن حميد ، وأبو الشيخ ، عن الضحاك { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى أَخْرَجَ } قال المشركون يشاركون المؤمنين في زهرة الدنيا ، وهي خالصة يوم القيامة للمؤمنين دون المشركين . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس { وَالْطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرّزْقِ } قال الودك ، واللحم ، والسمن . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه ، قال كان أهل الجاهلية يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها ، وهو قول الله { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مّن رّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً } يونس 59 وهذا هذا ، فأنزل الله { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرّزْقِ قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } يعني شارك المسلمون الكفار في الطيبات في الحياة الدنيا ، فأكلوا من طيبات طعامها ، ولبسوا من جياد ثيابها ونكحوا من صالحي نسائها ، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا ، وليس للمشركين فيها شيء . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال ما ظهر منها العرية ، وما بطن الزنا ، وكانوا يطوفون بالبيت عراة . وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد ، في الآية قال ما ظهر منها طواف الجاهلية عراة ، وما بطن الزنا . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ ، في قوله { وَٱلإِثْمَ } قال المعصية { وَٱلْبَغْىَ } قال أن يبغي على الناس بغير حق .