Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 34-39)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَلِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } أي وقت معين محدود ينزل فيه عذابهم من الله أو يميتهم فيه ، ويجوز أن تحمل الآية على ما هو أعم من الأمرين جميعاً . والضمير في { أَجَلُهُمْ } لكل أمة أي إذا جاء أجل كل أمة من الأمم كان ما قدّره عليهم واقعاً في ذلك الأجل ، لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون عنه ساعة . قال أبو السعود ما معناه إن قوله { وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } عطف على { يستأخرون } لكن " لا " لبيان انتفاء التقدّم ، مع إمكانه في نفسه كالتأخر ، بل للمبالغة في انتفاء التأخر بنظمه في سلك المستحيل عقلاً . وقيل المراد بالمجيء الدنوّ بحيث يمكن التقدّم في الجملة كمجيء اليوم الذي ضرب لهلاكهم ساعة منه وليس بذاك . وقرأ ابن سيرين " آجالهم " بالجمع ، وخصّ الساعة بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات . وقد استدل بالآية الجمهور على أن كل ميت يموت بأجله ، وإن كان موته بالقتل أو التردي أو نحو ذلك ، والبحث في ذلك طويل جدّاً ، ومثل هذه الآية قوله تعالى { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتأخِرُونَ } الحجر 5 ، المؤمنون43 . قوله { يَـٰبَنِى آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ } الآية " إن " هي الشرطية ، و " ما " زائدة للتوكيد ، ولهذا لزمت الفعل النون المؤكدة . والقصص قد تقدّم معناه ، والمعنى إن أتاكم رسل كائنون منكم يخبرونكم بأحكامي ويبينونها لكم ، { فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ } أي اتقى معاصي الله ، وأصلح حال نفسه باتباع الرسل وإجابتهم { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } وهذه الجملة الشرطية هي الجواب للشرط الأوّل . وقيل جوابه ما دلّ عليه الكلام ، أي إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي ، فأطيعوهم . والأوّل أولى ، وبه قال الزجاج . { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } التي يقصها عليهم رسلنا { وَٱسْتَكْبَرُواْ } عن إجابتها ، والعمل بما فيها { فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } لا يخرجون منها ، بسبب كفرهم بتكذيب الآيات والرسل . { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِـئَايَـٰتِهِ } أي لا أحد أظلم منه . وقد تقدّم تحقيقه . والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى المكذبين المستكبرين { يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } أي مما كتب الله لهم من خير وشرّ . وقيل ينالهم من العذاب بقدر كفرهم . وقيل الكتاب هنا القرآن لأن عذاب الكفار مذكور فيه . وقيل هو اللوح المحفوظ . قوله { حَتَّىٰ إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا } أي إلى غاية هي هذه . وجملة { يَتَوَفَّوْنَهُمْ } في محل نصب على الحال . والمراد بالرسل هنا ملك الموت وأعوانه . وقيل { حتى } هنا هي التي للابتداء . ولكن لا يخفى أن كونها لابتداء الكلام بعدها لا ينافي كونها غاية لما قبلها . والاستفهام في قوله { أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } للتقريع والتوبيخ ، أي أين الآلهة التي كنتم تدعونها من دون الله وتعبدونها ؟ وجملة { قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا } استئنافية بتقدير سؤال وقعت هي جواباً عنه ، أي ذهبوا عنا وغابوا فلا ندري أي هم ؟ { وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰفِرِينَ } أي أقرّوا بالكفر على أنفسهم . قوله { قَالَ ٱدْخُلُواْ فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم } القائل هو الله عزّ وجلّ ، « وفي » بمعنى " مع " ، أي مع أمم . وقيل هي على بابها . والمعنى ادخلوا في جملتهم . وقيل هو قول مالك خازن النار . والمراد بالأمم التي قد خلت من قبلهم من الجن والإنس هم الكفار من الطائفتين من الأمم الماضية { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ } من الأمم الماضية { لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } أي الأمة الأخرى التي سبقتها إلى النار ، وجعلت أختاً لها باعتبار الدين ، أو الضلالة ، أو الكون في النار { حَتَّى إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا } أي تداركوا . والتدارك التلاحق والتتابع ، والاجتماع في النار . وقرأ الأعمش « تداركوا » على الأصل من دون إدغام . وقرأ ابن مسعود " حَتَّىٰ إِذَا ادركوا " أي أدرك بعضهم بعضاً . وروي عن أبي عمرو أنه قرأ بقطع ألف الوصل ، فكأنه سكت على " إذا " للتذكر ، فلما طال سكوته ، قطع ألف الوصل كالمبتدىء بها . وهو مثل قول الشاعر @ يا نفس صبراً كل حيّ لاقى وكل اثنين إلى افتراق @@ { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولَـٰهُمْ } أي أخراهم دخولاً لأولاهم دخولاً . وقيل { أخراهم } أي سفلتهم وأتباعهم { لأولَـٰهُمْ } لرؤسائهم وكبارهم . وهذا أولى كما يدل عليه { رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا } فإن المضلين هم الرؤساء . ويجوز أن يراد أنهم أضلوهم لأنهم تبعوهم واقتدوا بدينهم من بعدهم ، فيصح الوجه الأوّل ، لأن أخراهم تبعت دين أولاهم . قوله { فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّار } الضعف الزائد على مثله مرة أو مرات . ومثله قوله تعالى { رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كبيرا } الأحزاب 68 وقيل الضعف هنا الأفاعي والحيات ، وجملة { قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ } استئنافية جواباً لسؤال مقدّر ، والمعنى لكل طائفة منكم ضعف من العذاب ، أي الطائفة الأولى والطائفة الأخرى { وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } بما لكل نوع من العذاب { وَقَالَتْ أُولَـٰهُمْ لأخْرَاهُمْ } أي قال السابقون للاحقين ، أو المَّتَبعُونَ للتابعين { فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } بل نحن سواء في الكفر بالله واستحقاق عذابه . { فَذُوقُواْ } عذاب النار ، كما ذقناه { بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } من معاصي الله والكفر به . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والخطيب ، وابن النجار ، عن أبي الدرداء قال تذاكرنا زيادة العمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا من وصل رحمه أنسىء في أجله فقال " إنه ليس بزائد في عمره ، قال الله تعالى { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } ولكن الرجل يكون له الذرية الصالحة ، فيدعون الله من بعده ، فيبلغه ذلك ، فذلك الذي ينسأ في أجله " وفي لفظ " فيلحقه دعاؤهم في قبره ، فذلك زيادة العمر " وهذا الحديث ينبغي أن يكشف عن إسناده ، ففيه نكارة ، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما بخلافه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن أبي عروبة ، قال كان الحسن يقول ما أحمق هؤلاء القوم يقولون اللهم أطل عمره ، والله يقول { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، من طريق الزهري ، عن ابن المسيب قال لما طعن عمر قال كعب لو دعا الله لأخر في أجله ، فقيل له أليس قد قال الله { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } فقال كعب وقد قال الله { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ } فاطر 11 . وأخرج الفريابي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } قال ما قدر لهم من خير وشرّ . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه ، في الآية قال من الأعمال ، من عمل خيراً جزى به ، ومن عمل شرّاً جزى به . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عنه ، أيضاً قال نصيبهم من الشقاوة والسعادة . وأخرج عبد ابن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، في الآية قال ما سبق من الكتاب . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في الآية قال رزقه وأجله وعمله . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي صالح ، في الآية قال من العذاب . وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ ، في قوله { قَدْ خَلَتْ } قال قد مضت { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } قال كلما دخلت أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك ، يلعن المشركون المشركين ، واليهود اليهود ، والنصارى النصارى ، والصابئون الصابئين ، والمجوس المجوس ، تلعن الآخرة الأولى { حَتَّى إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ } الذين كانوا في آخر الزمان { لأولَـٰهُمْ } الذين شرعوا لهم ذلك الدين { رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَـئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ } الأولى والآخرة { وَقَالَتْ أُولَـٰهُمْ لأخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } وقد ضللتم كما ضللنا . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { عَذَاباً ضِعْفاً } قال مضاعفاً { قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ } قال مضاعف ، وفي قوله { فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } قال تخفيف من العذاب .