Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 40-43)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوٰبُ ٱلسَّمَاء } قرأ ابن عباس ، وحمزة ، والكسائي بفتح التحتية ، لكون تأنيث الجمع غير حقيقي فجاز تذكيره . وقرأ الباقون بالفوقية على التأنيث . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، " تفتح " بالتخفيف . وقرأ الباقون بالتشديد ، والمعنى أنها لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم إذا ماتوا . وقد دلّ على هذا المعنى ، وأنه المراد من الآية ما جاء في الأحاديث الصحيحة ، أن الملائكة إذا انتهوا بروح الكافر إلى السماء الدنيا يستفتحون فلا تفتح لهم أبواب السماء . وقيل لا تفتح أبواب السماء لأدعيتهم إذا دعوا ، قاله مجاهد والنخعي . وقيل لأعمالهم ، أي لا تقبل ، بل تردّ عليهم فيضرب بها في وجوههم . وقيل المعنى أنها لا تفتح لهم أبواب الجنة يدخلونها ، لأن الجنة في السماء ، فيكون على هذا القول العطف لجملة { وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } من عطف التفسير ، ولا مانع من حمل الآية على ما يعم الأرواح والدعاء والأعمال ، ولا ينافيه ورود ما ورد من أنها لا تفتح أبواب السماء لواحد من هذه ، فإن ذلك لا يدل على فتحها لغيره ، مما يدخل تحت عموم الآية . قوله { وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمّ ٱلْخِيَاطِ } أي أن هؤلاء الكفار المكذبين المستكبرين ، لا يدخلون الجنة بحال من الأحوال ، ولهذا علقه بالمستحيل ، فقال { حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِى سَمّ ٱلْخِيَاطِ } وهو لا يلج أبداً ، وخص الجمل بالذكر ، لكونه يضرب به المثل في كبر الذات ، وخص سمّ الخياط ، وهو ثقب الإبرة بالذكر ، لكونه غاية في الضيق . والجمل الذكر من الإبل ، والجمع جمال وأجمال وجمالات . وإنما يسمى جملاً إذا أربع . وقرأ ابن عباس « الجُمَّل » بضم الجيم وفتح الميم مشدّدة . وهو حبل السفينة الذي يقال له القلس . وهو حبال مجموعة قاله ثعلب . وقيل الحبل الغليظ من القنب . وقيل الحبل الذي يصعد به في النخل . وقرأ سعيد بن جبير « الجُمَل » بضم الجيم وتخفيف الميم وهو القلس أيضاً . وقرأ أبو السماك « الجُمْل » بضم الجيم وسكون الميم . وقرىء أيضاً بضمهما . وقرأ عبد الله بن مسعود « حتى يلج الجمل الأصغر في سم الخياط » وقرىء " فِى سَمّ " بالحركات الثلاث . والسم كل ثقب لطيف ، ومنه ثقب الإبرة . والخياط ما يخاط به يقال خياط ومخيط . { وَكَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُجْرِمِينَ } أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي المجرمين ، أي جنس من أجرم وقد تقدّم تحقيقه . والمهاد الفراش ، والغواش جمع غاشية ، أي نيران تغشاهم من فوقهم كالأغطية { وَكَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزى من اتصف بصفة الظلم . قوله { لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } أي لا نكلف العباد إلا بما يدخل تحت وسعهم ويقدرون عليه . ولا نكلفهم ما لا يدخل تحت وسعهم . وهذه الجملة معترضة بين المبتدأ والخبر . ومثله { لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا ءاتَاهَا } الطلاق 7 وقرأ الأعمش " تكلف " بالفوقية ورفع " نفس " ، والإشارة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إلى الموصول ، وخبره { أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } والجملة خبر الموصول . وجملة { هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } في محل نصب على الحال . قوله { وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ } هذا من جملة ما ينعم الله به على أهل الجنة ، أن ينزع الله ما في قلوبهم من الغلّ على بعضهم بعضاً ، حتى تصفو قلوبهم ويودّ بعضهم بعضاً ، فإن الغلّ لو بقي في صدورهم كما كان في الدنيا ، لكان في ذلك تنغيص لنعيم الجنة ، لأن المتشاحنين لا يطيب لأحدهم عيش مع وجود الآخر . والغلّ الحقد الكامن في الصدور . وقيل نزع الغلّ في الجنة ، أن لا يحسد بعضهم بعضاً في تفاضل المنازل { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا } أي لهذا الجزاء العظيم ، وهو الخلود في الجنة ، ونزع الغلّ من صدورهم ، والهداية هذه { لهذا } هي الهداية لسببه من الإيمان والعمل الصالح في الدنيا { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ } قرأ ابن عامر بإسقاط الواو ، وقرأ الباقون بإثباتها ، وما كنا نطيق أن نهتدي بهذا الأمر لولا هداية الله لنا ، والجملة مستأنفة أو حالية ، وجواب { لولا } محذوف يدل عليه ما قبله ، أي لولا هداية الله لنا ما كنا لنهتدي . قوله { لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ } اللام لام القسم ، قالوا هذا لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الجزاء العظيم ، اغتباطاً بما صاروا فيه بسبب ما تقدّم منهم من تصديق الرسل وظهور صدق ما أخبروهم به في الدنيا من أن جزاء الإيمان والعمل الصالح هو هذا الذي صاروا فيه . قوله { وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي وقع النداء لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فقيل لهم تلكم الجنة أورثتموها ، أي ورثتم منازلها بعملكم . قال في الكشاف بسبب أعمالكم لا بالتفضل كما تقوله المبطلة انتهى . أقول يا مسكين هذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه " سدّدوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله " ، قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " والتصريح بسبب لا يستلزم نفي سبب آخر . ولولا التفضل من الله سبحانه وتعالى على العامل باقداره على العمل ، لم يكن عمل أصلاً ، فلو لم يكن التفضل إلا بهذا الإقدار ، لكان القائلون به محقة لا مبطلة ، وفي التنزيل { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ } النساء 70 وفيه { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ } النساء 175 . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوٰبُ ٱلسَّمَاء } يعني لا يصعد إلى الله من عملهم شيء . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه ، قال لا تفتح لهم لعمل ولا لدعاء . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه ، أيضاً في الآية قال لا تفتح لأرواحهم ، وهي تفتح لأرواح المؤمنين . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عنه أيضاً { حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ } قال ذو القوائم { فِى سَمّ ٱلْخِيَاطِ } قال في خرت الإبرة . وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني في الكبير ، وأبو الشيخ ، عن ابن مسعود ، في قوله { حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ } قال زوج الناقة . وأخرج أبو عبيد ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، من طرق عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ " الجُمّل " بضم الجيم وتشديد الميم . وقال هو الحبل الغليظ أو هو من حبال السفن . وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عمر ، أنه سئل عن سم الخياط فقال الجمل في ثقب الإبرة . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس قال المهاد الفراش ، والغواش اللحف . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن كعب مثله . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن علي بن أبي طالب ، قال فينا والله أهل بدر نزلت هذه الآية { وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ } . وأخرج النسائي ، وابن جرير ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل أهل النار يرى منزله من الجنة يقول لو هدانا الله . فيكون حسرة عليهم ، وكل أهل الجنة يرى منزله من النار ، فيقول لولا أن هدانا الله . فهذا شكرهم " وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد وعبد بن حميد ، والدارمي ، ومسلم ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد ، وأبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } قال " نودوا أن صحوا فلا تسقموا ، وانعموا فلا تبأسوا ، وشبوا فلا تهرموا ، واخلدوا فلا تموتوا " .