Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 44-49)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مناداة أصحاب الجنة لأصحاب النار لم تكن لقصد الإخبار لهم بما نادوهم به ، بل لقصد تبكيتهم وإيقاع الحسرة في قلوبهم ، و { أَن قَدْ وَجَدْنَا } هو نفس النداء ، أي إنا قد وصلنا إلى ما وعدنا الله به من النعيم ، فهل وصلتم إلى ما وعدكم الله به من العذاب الأليم ؟ والاستفهام هو للتقريع والتوبيخ . وحذف مفعول وعد الثاني لكون الوعد لم يكن لهم بخصوصهم ، بل لكل الناس كالبعث والحساب والعقاب . وقيل حذف لإسقاط الكفار عن رتبة التشريف بالخطاب عند الوعد { قَالُواْ نَعَمْ } أي وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً . وقرأ الأعمش والكسائي « نعم » بكسر العين . قال مكي من قال " نعم " بكسر العين فكأنه أراد أن يفرّق بين نعم التي جواب وبين نعم التي هي اسم للبقر والغنم والإبل . والمؤذن المنادي ، أي فنادي مناد بينهم أي بين الفريقين قيل هو من الملائكة { أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } قرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، والبزي ، بتشديد " أن " وهو الأصل . وقرأ الباقون بالتخفيف على أنها المخففة من الثقيلة أو المفسرة . وقرأ الأعمش بكسر همزة " إن " على إضمار القول ، وجملة { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } صفة للظالمين ، ويجوز الرفع والنصب على إضمارهم ، أو أعني . والصدّ المنع ، أي يمنعون الناس عن سلوك سبيل الحق { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي يطلبون اعوجاجها ، أي ينفرون الناس عنها ويقدحون في استقامتها ، بقولهم إنها غير حق وإن الحق ما هم فيه ، والعوج بالكسر في المعاني والأعيان ، ما لم يكن منتصباً ، وبالفتح ما كان في المنتصب كالرمح ، وجملة { وَهُم بِٱلآخِرَةِ كَـٰفِرُونَ } في محل نصب على الحال . قوله { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } أي بين الفريقين ، أو بين الجنة والنار . والحجاب هو السور المذكور في قوله تعالى { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } الحديد 13 . قوله { وَعَلَى ٱلأعْرَافِ رِجَالٌ } الأعراف جمع عرف ، وهي شرفات السور المضروب بينهم ، ومنه عرف الفرس وعرف الديك والأعراف في اللغة المكان المرتفع ، وهذا الكلام خارج مخرج المدح كما في قوله { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } النور 37 . وقد اختلف العلماء في أصحاب الأعراف من هم ؟ فقيل هم الشهداء ، ذكره القشيري وشرحبيل بن سعد . وقيل هم فضلاء المؤمنين ، فرغوا من شغل أنفسهم وتفرّغوا لمطالعة أحوال الناس ذكره مجاهد . وقيل هم قوم أنبياء ، ذكره الزجاج . وقيل هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، قاله ابن مسعود وحذيفة بن اليمان ، وابن عباس والشعبي ، والضحاك وسعيد بن جبير . وقيل هم العباس وحمزة وعلي وجعفر الطيار ، يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ، ومبغضيهم بسوادها ، حكي ذلك عن ابن عباس وقيل هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم وهم في كل أمة ، واختار هذا القول النحاس . وقيل هم أولاد الزنا ، روي ذلك عن ابن عباس . وقيل هم ملائكة موكلون بهذا السور ، يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار ، ذكره أبو مجلز . وجملة { يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَـٰهُمْ } صفة لرجال والسيما العلامة ، أي يعرفون كلاً من أهل الجنة والنار بعلاماتهم كبياض الوجوه وسوادها ، أو مواضع الوضوء من المؤمنين ، أو علامة يجعلها الله لكل فريق في ذلك الموقف ، يعرف رجال الأعراف بها السعداء من الأشقياء . { وَنَادَوْاْ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } أي نادى رجال الأعراف أصحاب الجنة حين رأوهم { أَن سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } أي نادوهم بقولهم سلام عليكم ، تحية لهم وإكراماً وتبشيراً ، أو أخبروهم بسلامتهم من العذاب . قوله { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } أي لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف ، والحال أنهم يطمعون في دخولها . وقيل معنى { يَطْمَعُونَ } يعلمون أنهم يدخلونها ، وذلك معروف عند أهل اللغة ، أي طمع بمعنى علم . ذكره النحاس . وهذا القول أعني كونهم أهل الأعراف مرويّ عن جماعة منهم ابن عباس وابن مسعود . وقال أبو مجلز هم أهل الجنة ، أي أن أهل الأعراف قالوا لهم { سلام عليكم } ، حال كون أهل الجنة لم يدخلوها والحال أنهم يطمعون في دخولها . قوله { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَـٰرُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ } أي إذا صرفت أبصار أهل الأعراف تلقاء أصحاب النار أي جهة أصحاب ، وأصل معنى { تِلْقَاء } جهة اللقاء ، وهي جهة المقابلة ، ولم يأت مصدر على تفعال بكسر أوّله غير مصدرين ، أحدهما هذا ، والآخر تبيان . وما عداهما بالفتح { قَالُواْ } أي قال أهل الأعراف { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } سألوا الله أن لا يجعلهم منهم { وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلأعْرَافِ رِجَالاً } من الكفار { يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَـٰهُمْ } أي بعلاماتهم { قَالُواْ } بدل من نادى { مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ } الذي كنتم تجمعون للصدّ عن سبيل الله ، والاستفهام للتقريع والتوبيخ . قوله { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } . « ما » مصدرية ، أي وما أغنى عنكم استكباركم { أَهَـٰؤُلاء ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ } هذا من كلام أصحاب الأعراف ، أي قالوا للكفار مشيرين إلى المسلمين الذين صاروا إلى الجنة هذه المقالة . وقد كان الكفار يقسمون في الدنيا عند رؤيتهم لضعفاء المسلمين بهذا القسم . وهذا تبكيت للكفار وتحسير لهم . قوله { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } هذا تمام كلام أصحاب الأعراف ، أي قالوا للمسلمين ادخلوا الجنة ، فقد انتفى عنكم الخوف والحزن بعد الدخول . وقرأ طلحة بن مصرف « أدخلوا » بكسر الخاء . وقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا } قال من النعيم والكرامة { فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّا } قال من الخزي والهوان والعذاب . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف على قليب بدر تلا هذه الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن السديّ ، في قوله { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } قال هو السور ، وهو الأعراف ، وإنما سمي الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، عن حذيفة قال الأعراف سور بين الجنة والنار . وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في البعث والنشور ، عن ابن عباس قال الأعراف هو الشيء المشرف . وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عنه ، قال الأعراف سور له عرف كعرف الديك . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن سعيد بن جبير ، قال الأعراف جبال بين الجنة والنار ، فهم على أعرافها ، يقول على ذراها . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس ، أنها تلّ بين الجنة والنار حبس عليه ناس من أهل الذنوب وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن جرير ، قال زعموا أنه الصراط . وأخرج ابن جرير ، عن حذيفة قال أصحاب الأعراف قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار ، وهم آخر من يدخل الجنة ، قد عرفوا أهل الجنة وأهل النار . وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود أنهم من استوت حسناتهم وسيئاتهم يقفون على الصراط . وأخرج ابن جرير عن حذيفة نحوه . وكذا أخرج نحوه عنه عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ . وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن جابر بن عبد الله نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف ؟ فقال " هم آخر من يفصل بينهم من العباد ، فإذا فرغ ربّ العالمين من الفصل بين العباد ، قال أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ، ولم تدخلوا الجنة فأنتم عتقائي ، فارعوا من الجنة حيث شئتم " قال ابن كثير وهذا مرسل حسن . وأخرج البيهقي في البعث عن حذيفة أراه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجمع الناس يوم القيامة ، فيؤمر بأهل الجنة إلى الجنة ، ويؤمر بأهل النار إلى النار ، ثم يقال لأصحاب الأعراف ما تنتظرون ؟ قالوا ننتظر أمرك ، فيقال لهم إن حسناتكم تجاوزت بكم النار أن تدخلوها ، وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم ، فادخلوا بمغفرتي ورحمتي " وأخرج سعيد بن منصور ، وابن منيع ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وأبو الشيخ وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، عن عبد الرحمن المزني قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف ؟ فقال " هم قوم قتلوا في سبيل الله في معصية آبائهم ، فمنعهم من النار قتلهم في سبيل الله ، ومنعهم من الجنة معصيتهم آباءهم " وأخرج الطبراني ، وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً نحوه . وأخرج ابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه أيضاً . وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده ، وابن جرير ، وابن مردويه ، عن عبد الله بن مالك الهلالي ، عن أبيه مرفوعاً نحوه . وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس مرفوعاً نحوه . وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن رجل من مزينة مرفوعاً نحوه . وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ، أنه سئل عن قوله { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } قال سلمت عليهم الملائكة وهم لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها حين سلمت . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن السديّ قال أصحاب الأعراف يعرفون الناس بسيماهم ، أهل النار بسواد وجوههم ، وأهل الجنة ببياض وجوههم ، فإذا مرّوا بزمرة يذهب بهم إلى الجنة ، قالوا سلام عليكم ، وإذا مرّوا بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلأعْرَافِ رِجَالاً } قال في النار { يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَـٰهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } قال الله لأهل التكبر { أَهَـٰؤُلاء ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ } ؟ يعني أصحاب الأعراف { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } .