Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 50-54)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَاء } الإفاضة التوسعة ، يقال أفاض عليه نعمه ، طلبوا منهم أن يواسوهم بشيء من الماء ، أو بشيء مما رزقهم الله من غيره من الأشربة أو الأطعمة ، فأجابوا بقولهم { إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا } أي الماء وما رزقهم الله من غيره { عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } فلا نواسيكم بشيء مما حرّمه الله عليكم . وقيل إن هذا النداء من أهل النار كان بعد دخول أهل الأعراف الجنة ، وجملة { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا } في محل جر صفة الكافرين ، وقد تقدّم تفسير اللهو واللعب والغرر . قوله { فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ } أي نتركهم في النار { كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـٰذَا } " الكاف " نعت مصدر محذوف ، و " ما " مصدرية ، أي نسياناً كنسيانهم لقاء يومهم هذا . قوله { وَمَا كَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَجْحَدُونَ } معطوف على ما نسوا ، أي كما نسوا ، وكما كانوا بآياتنا يجحدون ، أي ينكرونها . واللام في { وَلَقَدْ جِئْنَـٰهُمْ } جواب القسم . والمراد بالكتاب الجنس ، إن كان الضمير للكفار جميعاً ، وإن كان للمعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم ، فالمراد بالكتاب القرآن ، والتفصيل التبيين ، و { عَلَىٰ عِلْمٍ } في محل نصب على الحال ، أي عالمين حال كونه { هُدًى } للمؤمنين { وَرَحْمَةً } لهم . قال الكسائي والفراء ويجوز « هدى ورحمة » بالخفض على النعت لكتاب . قوله { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } بالهمز من آل ، وأهل المدينة يخفون الهمزة . والنظر الانتظار ، أي هل ينتظرون إلا ما وعدوا به في الكتاب من العقاب الذي يؤول الأمر إليه . وقيل تأويله جزاؤه . وقيل عاقبته . والمعنى متقارب . و { يوم } ظرف لـ { يقول } أي يوم يأتي تأويله ، وهو يوم القيامة { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ } أي تركوه من قبل أن يأتي تأويله { قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ } الذي أرسلهم الله به إلينا ، { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء } استفهام منهم ، ومعناه التمني { فَيَشْفَعُواْ لَنَا } منصوب لكونه جواباً للاستفهام . قوله { أَوْ نُرَدُّ } قال الفراء المعنى أو هل نردّ { فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ } وقال الزجاج { نردّ } عطف على المعنى ، أي هل يشفع لنا أحد ، أو نردّ . وقرأ ابن أبي إسحاق « أو نردّ فنعمل » بنصبهما ، كقول امرىء القيس @ فقلت له لا تبك عيناً إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا @@ وقرأ الحسن برفعهما . ومعنى الآية هل لنا شفعاء يخلصونا مما نحن فيه من العذاب ، أو هل نُردُّ إلى الدنيا فنعمل صالحاً غير ما كنا نعمل من المعاصي { قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ } أي لم ينتفعوا بها ، فكانت أنفسهم بلاء عليهم ومحنة لهم ، فكأنهم خسروها كما يخسر التاجر رأس ماله . وقيل خسروا النعيم وحظ الأنفس { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي افتراؤهم أو الذي كانوا يفترونه . والمعنى أنه بطل كذبهم الذي كانوا يقولونه في الدنيا ، أو غاب عنهم ما كانوا يجعلونه شريكاً لله ، فلم ينفعهم ولا حضر معهم . قوله { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } هذا نوع من بديع صنع الله وجليل قدرته ، وتفرّده بالإيجاد ، الذي يوجب على العباد توحيده وعبادته . وأصل ستة سدسة ، أبدلت التاء من أحد السينين ، وأدغم فيها الدال ، والدليل على هذا أنك تقول في التصغير سديسة ، وفي الجمع أسداس ، وتقول جاء فلان سادساً . واليوم من طلوع الشمس إلى غروبها ، قيل هذه الأيام من أيام الدنيا . وقيل من أيام الآخرة ، وهذه الأيام الست أولها الأحد وآخرها الجمعة ، وهو سبحانه قادر على خلقها في لحظة واحدة ، يقول لها كوني فتكون ، ولكنه أراد أن يعلم عباده الرفق والتأني في الأمور ، أو خلقها في ستة أيام لكون لكل شيء عنده أجلاً ، وفي آية أخرى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } قۤ 38 . قوله { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } قد اختلف العلماء في معنى هذا على أربعة عشر قولاً ، وأحقها وأولاها بالصواب مذهب السلف الصالح أنه استوى سبحانه عليه بلا كيف ، بل على الوجه الذي يليق به مع تنزهه عما لا يجوز عليه ، والاستواء في لغة العرب هو العلوّ والاستقرار . قال الجوهري استوى على ظهر دابته ، أي استقرّ . واستوى إلى السماء أي صعد . واستوى أي استولى وظهر ، ومنه قول الشاعر @ قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق @@ واستوى الرجل أي انتهى شبابه . واستوى أي انتسق واعتدل . وحكي عن أبي عبيدة أن معنى { ٱسْتَوَىٰ } هنا علا ، ومثله قول الشاعر @ فأورد بهم ماء ثقيفاً بقفرة وقد حلق النجم اليماني فاستوى @@ أي علا وارتفع . { والعرش } . قال الجوهري هو سرير الملك . ويطلق العرش على معان أخر ، منها عرش البيت سقفه ، وعرش البئر طيها بالخشب ، وعرش السماك أربعة كواكب صغار . ويطلق على الملك والسلطان والعزّ ، ومنه قول زهير @ تداركتما عبساً وقد ثلّ عرشها وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل @@ وقول الآخر @ إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم بعتيبة بن الحارث بن شهاب @@ وقول الآخر @ رأوا عرشي تثلم جانباه فلما أن تثلم أفردوني @@ وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة صفة عرش الرحمن ، وإحاطته بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما ، وهو المراد هنا . قوله { يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَار } أي يجعل الليل كالغشاء للنهار ، فيغطى بظلمته ضياءه . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي « يغشي » بالتشديد ، وقرأ الباقون بالتخفيف وهما لغتان ، يقال أغشى يغشي ، وغشي يغشي ، والتغشية في الأصل إلباس الشيء الشيء . ولم يذكر في هذه الآية يغشي الليل بالنهار اكتفاء بأحد الأمرين عن الآخركقوله تعالى { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } النحل 8 . وقرأ حميد بن قيس « يغشي الليل النهار » على إسناد الفعل إلى الليل ، ومحل هذه الجملة النصب على الحال ، والتقدير استوى على العرش مغشياً الليل والنهار ، وهكذا قوله { يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } حال من الليل ، أي حال كون الليل طالباً للنهار طلباً حثيثاً لا يفتر عنه بحال ، وحثيثاً صفة مصدر محذوف ، أي يطلبه طلباً حثيثاً ، أو حال من فاعل يطلب . والحث الاستعجال والسرعة ، يقال ولى حثيثاً أي مسرعاً . قوله { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرٰتٍ بِأَمْرِهِ } قال الأخفش معطوف على السموات ، وقرأ ابن عامر برفعها كلها على الابتداء والخبر . والمعنى على الأوّل وخلق الشمس والقمر والنجوم حال كونها مسخرات ، وعلى الثاني الإخبار عن هذه بالتسخير . قوله { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } إخبار منه سبحانه لعباده بأنهما له ، والخلق المخلوق ، والأمر كلامه ، وهو " كن " في قوله { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } النحل 40 ، أو المراد بالأمر ما يأمر به على التفصيل ، أو التصرّف في مخلوقاته . ولما ذكر سبحانه في هذه الآية خلق السموات والأرض في ذلك الأمد اليسير ، ثم ذكر استواءه على عرشه وتسخير الشمس والقمر والنجوم ، وأن له الخلق والأمر . قال { تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي كثرت بركته واتسعت ، ومنه بورك الشيء وبورك فيه ، كذا قال ابن عرفة . وقال الأزهري في { تَبَـٰرَكَ } معناه تعالى وتعاظم . وقد تقدم تفسير { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } في الفاتحة مستكملاً . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } الآية قال ينادي الرجل أخاه فيقول يا أخي أغثني ، فإني قد احترقت ، فأفض عليّ من الماء ، فيقال أجبه ، فيقول { إن الله حرّمهما على الكافرين } . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ في قوله { أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } قال من الطعام . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد ، في الآية قال يستسقونهم ويستطعمونهم . وفي قوله { إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } قال طعام الجنة وشرابها . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس ، في قوله { فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـٰذَا } يقول نتركهم في النار كما تركوا لقاء يومهم هذا . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، في قوله { فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ } قال نؤخرهم . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في قوله { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } قال عاقبته . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، قال { يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ } جزاؤه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ } قال يوم القيامة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } قال ما كانوا يكذبون في الدنيا . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، في قوله { خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتَ وَٱلأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } قال كل يوم مقداره ألف سنة . وأخرج ابن مردويه ، عن أم سلمة ، قالت في قوله { ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإقرار به إيمان ، والجحود كفر . وأخرج اللالكائي عن مالك أن رجلاً سأله كيف استوى على العرش ؟ فقال الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء والخطيب في تاريخه ، عن الحسن بن عليّ ، قال أنا ضامن لمن قرأ هذه العشرين آية في كل ليلة أن يعصمه الله من كل سلطان ظالم ، ومن كل شيطان مريد ، ومن كل سبع ضاري ، ومن كل لص عادي آية الكرسي ، وثلاث آيات من الأعراف { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } الأعراف 54 وعشراً من أوّل سورة الصافات ، وثلاث آيات من الرحمن . أوّلها { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنس } الرحمٰن 33 ، وخاتمة الحشر . وأخرج أبو الشيخ عن عبيد بن أبي مرزوق قال من قرأ عند نومه { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } الآية ، بسط عليه ملك جناحه حتى يصبح ، وعوفي من السرق . وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن قيس صاحب عمر بن عبد العزيز قال مرض رجل من أهل المدينة فجاءه زمرة من أصحابه يعودونه ، فقرأ رجل منهم { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } الآية كلها ، وقد أصمت الرجل فتحرّك ثم استوى جالساً ، ثم سجد يومه وليلته حتى كان من الغد من الساعة التي سجد فيها ، قال له أهله ، الحمد لله الذي عافاك ، قال بعث إلى نفسي ملك يتوفاها ، فلما قرأ صاحبكم الآية التي قرأ ، سجد الملك وسجدت بسجوده ، فهذا حين رفع رأسه ، ثم مال فقضى . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن السديّ ، في قوله { يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَار } قال يغشى الليل النهار فيذهب بضوئه ، ويطلبه سريعاً حتى يدركه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة ، قال يلبس الليل النهار . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { حَثِيثًا } قال سريعاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سفيان بن عيينة ، في قوله { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأمْرُ } قال الخلق ما دون العرش ، والأمر ما فوق ذلك . وأخرج ابن أبي حاتم ، والبيهقي ، عنه ، قال الخلق هو الخلق ، والأمر هو الكلام .