Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 55-58)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أمرهم الله سبحانه بالدعاء ، وقيد ذلك بكون الداعي متضرّعاً بدعائه مخفياً له . وانتصاب { تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } على الحال ، أي متضرّعين بالدعاء مخفين له ، أو صفة مصدر محذوف ، أي ادعوه دعاء تضرّع ودعاء خفية . والتضرّع من الضراعة ، وهي الذلة والخشوع والاستكانة . والخفية الإسرار به ، فإن ذلك أقطع لعرق الرياء ، وأحسم لباب ما يخالف الإخلاص . ثم علل ذلك بقوله { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } أي المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وفي كل شيء . فمن جاوز ما أمره الله به في شيء من الأشياء فقد اعتدى ، والله لا يحب المعتدين . وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولاً أولياً . ومن الاعتداء في الدعاء أن يسأل الداعي ما ليس له ، كالخلود في الدنيا ، أو إدراك ما هو محال في نفسه ، أو يطلب الوصول إلى منازل الأنبياء في الآخرة ، أو يرفع صوته بالدعاء صارخاً به . قوله { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا } نهاهم الله سبحانه عن الفساد في الأرض بوجه من الوجوه ، قليلاً كان أو كثيراً ، ومنه قتل الناس ، وتخريب منازلهم ، وقطع أشجارهم ، وتغوير أنهارهم . ومن الفساد في الأرض الكفر بالله ، والوقوع في معاصيه ، ومعنى { بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا } بعد أن أصلحها الله بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وتقرير الشرائع . قوله { وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } إعرابهما يحتمل الوجهين المتقدمين في { تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } . وفيه أنه يشرع للداعي أن يكون عند دعائه خائفاً وجلاً طامعاً في إجابة الله لدعائه . فإنه إذا كان عند الدعاء جامعاً بين الخوف والرجاء ، ظفر بمطلوبه . والخوف الانزعاج من المضارّ التي لا يؤمن من وقوعها . والطمع توقع حصول الأمور المحبوبة . قوله { إِنَّ رَحْمَةَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } هذا إخبار من الله سبحانه بأن رحمته قريبة من عباده المحسنين ، بأيّ نوع من الأنواع كان إحسانهم . وفي هذا ترغيب للعباد إلى الخير وتنشيط لهم ، فإن قرب هذه الرحمة التي يكون بها الفوز بكل مطلب مقصود لكل عبد من عباد الله . وقد اختلف أئمة اللغة والإعراب في وجه تذكير خبر رحمة الله ، حيث قال { قريب } ولم يقل قريبة ، فقال الزجاج إن الرحمة مؤولة بالرحم ، لكونها بمعنى العفو والغفران . ورجح هذا التأويل النحاس . وقال النضر بن شميل الرحمة مصدر بمعنى الترحم ، وحق المصدر التذكير . وقال الأخفش سعيد أراد بالرحمة هنا المطر ، وتذكير بعض المؤنث جائز ، وأنشد @ فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل أبقالها @@ وقال أبو عبيدة تذكير قريب على تذكير المكان أي مكان قريب . قال علي بن سليمان الأخفش وهذا خطأ ، ولو كان كما قال لكان قريب منصوباً كما تقول إن زيداً قريباً منك . وقال الفراء إن القريب إذا كان بمعنى المسافة ، فيذكر ويؤنث ، وإن كان بمعنى النسب فيؤنث بلا اختلاف بينهم . وروي عن الفراء أنه قال يقال في النسب قريبة فلان ، وفي غير النسب يجوز التذكير والتأنيث فيقال دارك عنا قريب ، وفلانة منا قريب قال الله تعالى { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } الأحزاب 63 ومنه قول امرىء القيس @ لك الويل أن أمسني ولا أمّ هاشم قريـب ولا البسباسة ابنة يشكر @@ وروي عن الزجاج أنه خطأ الفراء فيما قاله وقال إن سبيل المذكر والمؤنث ، أن يجريا على أفعالهما . وقيل إنه لما كان تأنيث الرحمة غير حقيقي ، جاز في خبرها التذكير ، ذكر معناه الجوهري . قوله { وَهُوَ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرّيَاحَ بشرا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ } عطف على قوله { يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَار } يتضمن ذكر نعمة من النعم التي أنعم بها على عباده ، مع ما في ذلك من الدلالة على وحدانيته وثبوت إلهيته . ورياح جمع ريح ، وأصل ريح روح ، وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو « نشراً » بضم النون والشين ، جمع ناشر على معنى النسب . أي ذات نشر . وقرأ الحسن وقتادة ، وابن عامر « نُشْراً » بضم النون وإسكان الشين من نُشْر . وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي « نشراً » بفتح النون ، وإسكان الشين على المصدر ، ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال . ومعنى هذه القراءات يرجع إلى النشر ، الذي هو خلاف الطيّ ، فكأن الريح مع سكونها كانت مطوية ، ثم ترسل من طيها فتصير كالمنفتحة . وقال أبو عبيدة معناه متفرقة في وجوهها ، على معنى ننشرها هاهنا وهاهنا . وقرأ عاصم { بَشَرًا } بالباء الموحدة ، وإسكان الشين جمع بشير ، أي الرياح تبشر بالمطر ، ومثله قوله تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلُ ٱلرّيَاحَ مُبَشّرٰتٍ } الروم 46 . قوله { بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ } أراد بالرحمة هنا المطر ، أي قدّام رحمته ، والمعنى أنه سبحانه يرسل الرياح ناشرات أو مبشرات بين يدي المطر . قوله { حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً } أقلّ فلان الشيء حمله ورفعه . والسحاب يذكر ويؤنث ، والمعنى حتى إذا حملت الرياح سحاباً ثقالاً بالماء الذي صارت تحمله { سُقْنَـٰهُ } أي السحاب { لِبَلَدٍ مَّيّتٍ } أي مجدب ليس فيه نبات . يقال سقته لبلد كذا ، وإلى بلد كذا . وقيل اللام هنا لام العلة ، أي لأجل بلد ميت . والبلد هو الموضع العامر من الأرض { فَأَنزَلْنَا بِهِ ٱلْمَاء } أي بالبلد الذي سقناه لأجله ، أو بالسحاب أي أنزلنا بالسحاب الماء الذي تحمله ، أو بالريح أي فأنزلنا بالريح المرسلة بين يدي المطر الماء . وقيل إن " الباء " هنا بمعنى " من " أي فأنزلنا معه الماء { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } أي بالماء { مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } أي من جميع أنواعها . قوله { كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ } أي مثل ذلك الإخراج ، وهو إخراج الثمرات نخرج الموتى من القبور يوم حشرهم { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي تتذكرون ، فتعلمون بعظيم قدرة الله وبديع صنعته ، وأنه قادر على بعثكم كما قدر على إخراج الثمرات التي تشاهدونها . قوله { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ } أي التربة الطيبة يخرج نباتها بإذن الله وتيسيره إخراجاً حسناً تاماً وافياً { وَٱلَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا } أي والتربة الخبيثة لا يخرج نباتها إلا نكداً أي لا خير فيه . وقرأ طلحة بن مصرف « نكداً » بسكون الكاف . وقرأ ابن القعقاع « نكداً » بفتح الكاف أي ذا نكد . وقرأ الباقون « نكداً » بفتح النون وكسر الكاف . وقرىء " يَخْرُج " أي يخرجه البلد قيل ومعنى الآية التشبيه ، شبه تعالى السريع الفهم بالبلد الطيب ، والبليد بالبلد الخبيث ، ذكره النحاس وقيل هذا مثل للقلوب ، فشبه القلب القابل للوعظ بالبلد الطيب ، والنائي عنه بالبلد الخبيث ، قاله الحسن . وقيل هو مثل لقلب المؤمن والمنافق قاله قتادة . وقيل هو مثل للطيب والخبيث من بني آدم ، قاله مجاهد ، { كَذٰلِكَ نُصَرّفُ ٱلآيَـٰتِ } أي مثل ذلك التصريف { لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } الله ، ويعترفون بنعمته . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس { ادعوا ربكم تضرّعاً وخفية } قال السرّ { إنه لا يحبّ المعتدين } في الدعاء ولا في غيره . وأخرج أبو الشيخ عن قتادة ، قال التضرّع علانية . والخفية سرّ . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير ، في قوله { ادعوا ربكم تضرّعاً وخفية } يعني مستكيناً . وخفية يعني في خفض وسكون في حاجاتكم من أمر الدنيا والآخرة ، { إنه لا يحب المعتدين } يقول لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشرّ اللهم اخزه والعنه ونحو ذلك ، فإن ذلك عدوان . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي مجلز ، في قوله { إنه لا يحب المعتدين } قال لا تسألوا منازل الأنبياء . وأخرج ابن المبارك ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن الحسن قال لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ، وما يسمع لهم صوت ، إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم ، وذلك أن الله يقول { ادعوا ربكم تضرّعاً وخفية } وذلك أن الله ذكر عبداً صالحاً فرضي قوله فقال { إذ نادى ربه نداء خفياً } مريم 3 . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي صالح ، في قوله { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } قال بعدما أصلحها الأنبياء وأصحابهم . وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي سنان ، في الآية قال أحللت حلالي ، وحرّمت حرامي ، وحدّدت حدودي ، فلا تفسدوها . وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { ادعوه خوفاً وطمعاً } قال خوفاً منه ، وطمعاً لما عنده { إن رحمة الله قريب من المحسنين } يعني المؤمنين ، ومن لم يؤمن بالله فهو من المفسدين . وأخرج ابن جريج ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السدي في قوله { وهو الذي يرسل الرياح } قال إن الله يرسل الريح ، فيأتي بالسحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض ، من حيث يلتقيان ، فيخرجه من ثم ، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء ، ثم يفتح أبواب السماء ، فيسيل الماء على السحاب ، ثم يمطر السحاب بعد ذلك . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { بشرا بين يدي رحمته } قال يستبشر بها الناس . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السديّ في قوله { بين دي رحمته } قال هو المطر ، وفي قوله { كذلك نخرج الموتى } قال كذلك تخرجون ، وكذلك النشور ، كما يخرج الزرع بالماء . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد ابن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { كذلك نخرج الموتى } قال إذا أراد الله أن يخرج الموتى أمطر السماء حتى يشقق عنهم الأرض ، ثم يرسل الأرواح فيهوي كل روح إلى جسده ، فكذلك يحيـي الله الموتى بالمطر ، كإحيائه الأرض . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { والبلد الطيب } الآية قال هو مثل ضربه الله للمؤمن ، يقول هو طيب وعمله طيب ، كما أن البلد الطيب ثمرها طيب { والذي خبث } ضرب مثلاً للكافر ، كالبلد السبخة المالحة التي لا تخرج منها البركة ، فالكافر هو الخبيث وعمله خبيث ، وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين .