Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 59-64)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما بيّـن سبحانه كمال قدرته ، وبديع صنعته في الآيات السابقة ، ذكر هنا أقاصيص الأمم وما فيها من تحذير الكفار ووعيدهم ، لتنبيه هذه الأمة على الصواب ، وأن لا يقتدوا بمن خالف الحق من الأمم السالفة . واللام جواب قسم محذوف . وهو أول الرسل إلى أهل الأرض بعد آدم . وقد تقدّم ذكر نوح في آل عمران ، فأغني عن الإعادة هنا . وما قيل من أن إدريس قبل نوح ، فقال ابن العربي إنه وهم . قال المازري فإن صح ما ذكره المؤرخون كان محمولاً على أن إدريس كان نبياً غير مرسل . وجملة { فقال يا قوم اعبدوا الله } استئنافية جواب سؤال مقدر . قوله { ما لكم من إلٰه غيره } هذه الجملة في حكم العلة ، لقوله { اعبدوا } أي اعبدوه ، لأنه لم يكن لكم إلٰه غيره ، حتى يستحق منكم أن يكون معبوداً . قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، وابن كثير ، وابن عامر برفع { غيره } على أنه نعت لإلٰه على الموضع . وقرأ الكسائي بالخفض في جميع القرآن ، على أنه نعت على اللفظ . وأجاز الفراء والكسائي النصب على الاستثناء . يعني ما لكم من إلٰه إلا إياه . وقال أبو عمرو ما أعرف الجرّ ولا النصب . ويردّه أن بعض بني أسد ينصبون « غير » في جميع الأحوال ، ومنه قول الشاعر @ لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات أو قال @@ وجملة { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } جملة متضمنة لتعليل الأمر بالعبادة ، أي إن لم تعبدوه ، فإني أخاف عليكم عذاب يوم القيامة ، أو عذاب يوم الطوفان . قوله { قال الملأ من قومه } جملة استئنافية جواب سؤال مقدّر . والملأ أشراف القوم ورؤساؤهم . وقيل هم الرجال ، وقد تقدّم بيانه في البقرة . والضلال العدول عن طريق الحق والذهاب عنه ، أي إنا لنراك في دعائك إلى عبادة الله وحده في ضلال عن طريق الحق . وجملة { قال يا قوم } استئنافية أيضاً ، جواب سؤال مقدّر . { ليس بي ضلالة } كما تزعمون { ولكني رسول من رب العالمين } أرسلني إليكم لسوق الخير إليكم ، ودفع الشرّ عنكم ، نفي عن نفسه الضلالة ، وأثبت لها ما هو أعلى منصباً وأشرف رفعة ، وهو أنه رسول الله إليهم . وجملة { أبلغكم رسالات ربي } في محل رفع ، على أنها صفة لرسول ، أو هي مستأنفة مبينة لحال الرسول . والرسالات ما أرسله الله به إليهم مما أوحاه إليه { وأنصح لكم } عطف على { أبلغكم } يقال نصحته ونصحت له ، وفي زيادة اللام دلالة على المبالغة في إمحاض النصح . قال الأصمعي الناصح الخالص من الغلّ ، وكل شيء خلص فقد نصح ، فمعنى أنصح هنا أخلص النية لكم عن شوائب الفساد ، والاسم النصيحة . وجملة { وأعلم من الله ما لا تعلمون } معطوفة على الجملة التي قبلها ، مقررة لرسالته ، ومبينة لمزيد علمه ، وأنه يختص بعلم الأشياء التي لا يعلمونها بإخبار الله له بذلك . قوله { أو عجبتم } فتحت الواو لكونها العاطفة ، ودخلت عليها همزة الاستفهام للإنكار عليهم . والمعطوف عليه مقدّر ، كأنه قيل استبعدتم وعجبتم ، أو أكذبتم وعجبتم ، أو أنكرتم وعجبتم { أن جاءكم ذكر من ربكم } أي وحي وموعظة { على رجل منكم } أي على لسان رجل منكم تعرفونه . ولم يكن ذلك على لسان من لا تعرفونه ، أو لا تعرفون لغته . وقيل " على " بمعنى " مع " أي مع رجل منكم لأجل ينذركم به . { ولتتقوا } ما يخالفه { ولعلكم ترحمون } بسبب ما يفيده الإنذار لكم ، والتقوى منكم من التعرّض لرحمة الله سبحانه لكم ورضوانه عنكم . { فكذبوه } أي فبعد ذلك كذبوه ، ولم يعملوا بما جاء به من الإنذار { فأنجيناه والذين معه } من المؤمنين به المستقرّين معه { في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا } واستمرّوا على ذلك ، ولم يرجعوا إلى التوبة . وجملة { إنهم كانوا قوماً عمين } علة لقوله { وأغرقنا } أي أغرقنا المكذبين ، لكونهم عمي القلوب ، لا تنجع فيهم الموعظة ، ولا يفيدهم التذكير . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أول نبيّ أرسل نوح " وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ، عن يزيد الرقاشي قال إنما سمي نوح عليه السلام نوحاً لطول ما ناح على نفسه . وأخرج ابن المنذر عن عكرمة نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن ابن عباس قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك قال الملأ يعني الأشراف من قومه . وأخرج أبو الشيخ ، عن السديّ { أن جاءكم ذكر من ربكم } يقول بيان من ربكم . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { إنهم كانوا قوماً عمين } قال كفاراً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { إنهم كانوا قوماً عمين } قال عن الحق .