Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 73-79)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَـٰلِحًا } معطوف على ما تقدّم ، أي وأرسلنا إلى ثمود أخاهم ، وثمود قبيلة سموا باسم أبيهم ، وهو ثمود بن عاد بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح . وصالح عطف بيان ، وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود ، وامتناع ثمود من الصرف لأنه جعل اسماً للقبيلة . وقال أبو حاتم لم ينصرف لأنه أعجميّ . قال النحاس وهو غلط لأنه من الثمد ، وهو الماء القليل ، وقد قرأ القراء { أَلا إِنَ ثموداً كفروا ربهم } هود 68 على أنه اسم للحيّ ، وكانت مساكن ثمود الحجر ، بين الحجاز والشام إلى وادي القرى . قوله { قَالَ يَـاقَوْم ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } قد تقدّم تفسيره في قصة نوح . { قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ } أي معجزة ظاهرة ، وهي إخراج الناقة من الحجر الصلد . وجملة { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ ءايَةً } مشتملة على بيان البينة المذكورة ، وانتصاب { آية } على الحال . والعامل فيها معنى الإشارة ، وفي إضافة الناقة إلى الله تشريف لها وتكريم . قوله { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ ٱللَّهِ } أي دعوها تأكل في أرض الله ، فهي ناقة الله ، والأرض أرضه فلا تمنعوها مما ليس لكم ، ولا تملكونه ، { وَلاَ تَمَسُّوهَا } بشيء من السوء ، أي لا تتعرّضوا لها بوجه من الوجوه التي تسوءها . قوله { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } هو جواب النهي ، أي إذا لم تتركوا مسها بشيء من السوء أخذكم عذاب أليم أي شديد الألم . قوله { وَٱذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ } أي استخلفكم في الأرض أو جعلكم ملوكاً فيها ، كما تقدّم في قصة هود . { وَبَوَّأَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ } أي جعل لكم فيها مباءة ، وهي المنزل الذي تسكنونه { تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا } أي تتخذون من سهولة الأرض قصوراً ، أو هذه الجملة مبينة لجملة { وبوّأكم في الأرض } ، وسهول الأرض ترابها ، يتخذون منه اللبن والآجر ، ونحو ذلك ، فيبنون به القصور . { وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتًا } أي تتخذون في الجبال التي هي صخور بيوتاً تسكنون فيها ، وقد كانوا لقوّتهم وصلابة أبدانهم ينحتون الجبال فيتخذون فيها ، كهوفاً يسكنون فيها ، لأن الأبنية والسقوف كانت تفنى قبل فناء أعمارهم . وانتصاب { بيوتاً } على أنها حال مقدّرة ، أو على أنها مفعول ثان لـ { تنحتون } على تضمينه معنى { تتخذون } . قوله { فَٱذْكُرُواْ ءالآء ٱللَّهِ } تقدّم تفسيره في القصة التي قبل هذه . قوله { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأرْضِ مُفْسِدِينَ } العثي والعثو لغتان ، وقد تقدم تحقيقه في البقرة بما يغني عن الإعادة . { قَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ } أي قال الرؤساء المستكبرون من قوم صالح للمستضعفين ، الذين استضعفهم المستكبرون ، و { لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ } بدل من الذين { استضعفوا } ، بإعادة حرف الجر ، بدل البعض من الكل ، لأن في المستضعفين من ليس بمؤمن ، هذا على عود ضمير { منهم } إلى الذين استضعفوا ، فإن عاد إلى قومه كان بدل كل من المستضعفين ، ومقول القول { أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَـٰلِحاً مُّرْسَلٌ مّن رَّبّهِ } قالوا هذا على طريق الاستهزاء والسخرية . قوله { قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } أجابوهم بأنهم مؤمنون برسالته ، مع كون سؤال المستكبرين لهم إنما هو عن العلم منهم هل تعلمون برسالته أم لا ؟ مسارعة إلى إظهار ما لهم من الإيمان ، وتنبيهاً على أن كونه مرسلاً أمر واضح مكشوف ، لا يحتاج إلى السؤال عنه ، فأجابوا تمرداً وعناداً بقولهم { إِنَّا بِٱلَّذِى آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } وهذه الجمل المعنوية ، يقال مستأنفة لأنها جوابات عن سؤالات مقدّرة كما سبق بيانه . قوله { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ } العقر الجرح . وقيل قطع عضو يؤثر في تلف النفس . يقال عقرت الفرس إذا ضربت قوائمه بالسيف . وقيل أصل العقر كسر عرقوب البعير ، ثم قيل للنحر عقر ، لأن العقر سبب النحر في الغالب ، وأسند العقر إلى الجميع ، مع كون العاقر واحداً منهم ، لأنهم راضون بذلك موافقون عليه . وقد اختلف في عاقر الناقة ما كان اسمه ؟ فقيل قدار بن سالف ، وقيل غير ذلك { وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ } أي استكبروا ، يقال عتا يعتو عتوّاً استكبر ، وتعتي فلان إذا لم يطع ، والليل العاتي الشديد الظلمة { وَقَالُواْ ياصَـالِح ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } من العذاب { إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } هذا استعجال منهم للنقمة ، وطلب منهم لنزول العذاب ، وحلول البلية بهم . { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } أي الزلزلة . يقال رجف الشيء يرجف رجفاناً ، وأصله حركة مع صوت ، ومنه { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } النازعات 6 . وقيل كانت صيحة شديدة ، خلعت قلوبهم { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ } أي بلدهم { جَـٰثِمِينَ } لاصقين بالأرض على ركبهم ووجوههم ، كما يجثم الطائر . وأصل الجثوم للأرنب وشبهها . وقيل للناس والطير ، والمراد أنهم أصبحوا في دورهم ميتين لا حراك بهم { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } صالح عند اليأس من إجابتهم { وَقَالَ } لهم هذه المقالة { لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } ويحتمل أنه قال لهم هذه المقالة بعد موتهم على طريق الحكاية لحالهم الماضية . كما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم من التكليم لأهل قليب بدر بعد موتهم ، أو قالها لهم عند نزول العذاب بهم ، وكأنه كان مشاهداً لذلك ، فنحسر على ما فاتهم من الإيمان والسلامة من العذاب ، ثم أبان عن نفسه أنه لم يأل جهداً في إبلاغهم الرسالة ومحض النصح ، لكن أبوا ذلك فلم يقبلوا منه ، فحق عليهم العذاب ، ونزل بهم ما كذبوا به واستعجلوه . وقد أخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي الطفيل قال قالت ثمود لصالح { ائتنا بآية إن كنت من الصادقين } الشعراء 154 ، قال اخرجوا ، فخرجوا إلى هضبة من الأرض ، فإذا هي تمخض كما تمخض الحامل ، ثم إنها انفرجت ، فخرجت الناقة من وسطها ، فقال لهم صالح { هذه ناقة الله لكم آية } هود 64 ، فلما ملوها عقروها { فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِى دَارِكُمْ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ } هود 65 . وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة أن صالحاً قال لهم حين عقروا الناقة تمتعوا ثلاثة أيام ، ثم قال لهم آية هلاككم أن تصبح وجوهكم غداً مصفرّة ، وتصبح اليوم الثاني محمرّة ، ثم تصبح اليوم الثالث مسودّة . فأصبحت كذلك . فلما كان اليوم الثالث أيقنوا بالهلاك ، فتكفنوا وتحنطوا . ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم . وقال عاقر الناقة لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين ، فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون أترضين ؟ فتقول نعم ، والصبيّ حتى رضوا أجمعون ، فعقرها . وأخرج أحمد ، والبزار ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر قام فخطب فقال " يا أيها الناس ، لا تسألوا نبيكم عن الآيات ، فإن قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث إليهم آية ، فبعث الله لهم الناقة ، فكانت ترد من هذا الفجّ ، فتشرب ماءهم يوم وردها ، ويحتلبون من لبنها مثل الذي كانوا يأخذون من مائها يوم غبها ، وتصدر من هذا الفج ، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها . فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام ، وكان وعد من الله غير مكذوب ، ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان منهم تحت مشارق الأرض ومغاربها ، إلا رجلاً كان في حرم الله ، فمنعه حرم الله من عذاب الله " ، فقيل يا رسول الله من هو ؟ فقال " أبو رغال . فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه " قال ابن كثير هذا الحديث على شرط مسلم . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، من حديث أبي الطفيل مرفوعاً مثله . وأخرج أحمد من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم " ، وأصل الحديث في الصحيحين من غير وجه . وفي لفظ لأحمد من هذا الحديث قال لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود . وأخرج أحمد ، وابن المنذر ، نحوه مرفوعاً من حديث أبي كبشة الأنماري . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج ، في قوله { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء } قال لا تعقروها . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السديّ ، في قوله { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً } قال كانوا ينقبون في الجبال البيوت . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله { وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ } قال غلوا في الباطل { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } قال الصيحة . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن زيد { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ } قال ميتين . وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة مثله .