Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 80-84)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَلُوطاً } معطوف على ما سبق ، أي وأرسلنا لوطاً ، أو منصوب بفعل مقدّر ، أي واذكر لوطاً وقت قال لقومه . قال الفراء لوط مشتق من قولهم هذا أليط بقلبي ، أي ألصق . قال الزجاج زعم بعض النحويين أن لوطاً يجوز أن يكون مشتقاً من لطت الحوض إذا ملسته بالطين ، وهذا غلط . لأن الأسماء الأعجمية لا تشتق . وقال سيبويه نوح ولوط أسماء أعجمية إلا أنها خفيفة ، فلذلك صرفت . ولوط هو ابن هاران بن تارخ ، فهو ابن أخي إبراهيم ، بعثه الله إلى أمة تسمى سدوم . { أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ } أي الخصلة الفاحشة المتمادية في الفحش والقبح . قال ذلك إنكاراً عليهم وتوبيخاً لهم { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي لم يفعلها أحد قبلكم . فإن اللواط لم يكن في أمة من الأمم قبل هذه الأمة ، و « من » مزيدة للتوكيد للعموم في النفي ، وإنه مستغرق لما دخل عليه ، والجملة مسوقة لتأكيد النكير عليهم والتوبيخ لهم . قوله { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ شَهْوَةً } قرأ نافع وحفص على الخبر بهمزة واحدة مكسورة . وقرأ الباقون بهمزتين على الاستفهام المقتضي للتوبيخ والتقريع ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد والكسائي وغيرهما ، واختار الخليل وسيبويه القراءة الثانية ، فعلى القراءة الأولى تكون هذه الجملة مبينة لقوله { أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ } وكذلك على القراءة الثانية ، مع مزيد الاستفهام وتكريره المفيد للمبالغة في التقريع والتوبيخ ، وانتصاب { شهوة } على المصدرية ، أي تشتهونهم شهوة ، ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال ، أي مشتهين . ويجوز أن يكون مفعولاً له ، أي لأجل الشهوة ، وفيه أنه لا غرض لهم بإتيان هذه الفاحشة إلا مجرد قضاء الشهوة من غير أن يكون لهم في ذلك غرض يوافق العقل ، فهم في هذا كالبهائم التي ينزو بعضها على بعض ، لما يتقاضاها من الشهوة { مّن دُونِ ٱلنّسَاء } أي متجاوزين في فعلكم هذا للنساء ، اللاتي هنّ محل لقضاء الشهوة ، وموضع لطلب اللذة ، ثم أضرب عن الإنكار المتقدّم إلى الإخبار بما هم عليه من الإسراف الذي تسبب عنه إتيان هذه الفاحشة الفظيعة . قوله { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } الواقعين في هذه الفاحشة على ما أنكره عليهم منها { إِلا أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم } أي لوطاً وأتباعه { مّن قَرْيَتِكُمْ } أي ما كان لهم جواب إلا هذا القول المباين للإنصاف ، المخالف لما طلبه منهم وأنكره عليهم ، وجملة { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } تعليل لما أمروا به من الإخراج ، ووصفهم بالتطهر ، يمكن أن يكون على حقيقته ، وأنهم أرادوا أن هؤلاء يتنزهون عن الوقوع في هذه الفاحشة ، فلا يساكنونا في قريتنا ، ويحتمل أنهم قالوا ذلك على طريق السخرية والاستهزاء ، ثم أخبر الله سبحانه أنه أنجى لوطاً وأهله المؤمنين به ، واستثنى امرأته من الأهل ، لكونها لم تؤمن به ، ومعنى { كَانَتْ مِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } أنها كانت من الباقين في عذاب الله ، يقال غبر الشيء إذا مضى ، وغبر إذا بقي فهو من الأضداد . وحكى ابن فارس في المجمل عن قوم أنهم قالوا الماضي عابر بالعين المهملة ، والباقي غابر بالمعجمة . وقال الزجاج { مِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } أي من الغائبين عن النجاة . وقال أبو عبيد المعنى { مِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } أي من المعمرين ، وكانت قد هرمت ، وأكثر أهل اللغة على أن الغابر الباقي . قوله { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا } قيل أمطر بمعنى إرسال المطر . وقال أبو عبيدة مطر في الرحمة وأمطر في العذاب ، والمعنى هنا أن الله أمطر عليهم مطراً غير ما يعتادونه ، وهو رميهم بالحجارة كما في قوله { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } الحجر 74 { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } هذا خطاب لكل من يصلح له ، أو لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وسيأتي في هود قصة لوط بأبين مما هنا . وقد أخرج ابن أبي الدنيا ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وابن عساكر ، عن ابن عباس في قوله { أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ } قال أدبار الرجال . وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عباس ، قال إنما كان بدء عمل قوم لوط أن إبليس جاءهم في هيئة صبيّ ، أجمل صبيّ رآه الناس ، فدعاهم إلى نفسه ، فنكحوه ثم جسروا على ذلك . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عنه ، في قوله { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } قال من أدبار الرجال ، ومن أدبار النساء . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة ، في قوله { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } قال من الباقين في عذاب الله . وأخرج أبو الشيخ ، عن سعيد بن أبي عروبة ، قال كان قوم لوط أربعة آلاف ألف .