Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 94-100)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّبِىٍّ } لما فصل الله سبحانه أحوال بعض الأنبياء مع أممهم ، وهم المذكورون سابقاً ، أجمل حال سائر الأمم المرسل إليها ، أي وما أرسلنا في قرية من القرى من نبيّ من الأنبياء . وفي الكلام محذوف ، أي فكذب أهلها { إلا أخذناهم } ، والاستثناء مفرّغ ، أي ما أرسلنا في حال من الأحوال ، إلا في حال أخذنا أهلها ، فمحل أخذنا النصب . والبأساء البؤس والفقر . والضراء الضرّ . وقد تقدم تحقيق معنى البأساء والضراء { لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } أي لكي يتضرعوا ويتذللوا ، فيدعوا ما هم عليه من الاستكبار وتكذيب الأنبياء . قوله { ثُمَّ بَدَّلْنَا } معطوف على { أخذنا } أي ثم بعد الأخذ لأهل القرى بدّلناهم { مَكَانَ ٱلسَّيّئَةِ } التي أصبناهم بها من البلاء والامتحان { ٱلْحَسَنَةَ } أي الخصلة الحسنة ، فصاروا في خير وسعة وأمن { حَتَّىٰ عَفَواْ } يقال عفا كثر ، وعفا درس ، فهو من أسماء الأضداد ، والمراد هنا أنهم كثروا في أنفسهم وفي أموالهم ، أي أعطيناهم الحسنة مكان السيئة ، حتى كثروا { وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ ءابَاءنَا ٱلضَّرَّاء وَٱلسَّرَّاء } أي قالوا هذه المقالة عند أن صاروا في الحسنة بعد السيئة ، أي أن هذا الذي مسنا من البأساء والضراء ، ثم من الرخاء والخصب من بعد ، هو أمر وقع لآبائنا قبلنا مثله . فمسهم من البأساء والضراء ما مسنا ، ومن النعمة والخير ما نلناه ، ومعناهم أن هذه العادة الجارية في السلف والخلف ، وأن ذلك ليس من الله سبحانه ابتلاء لهم ، واختبار لما عندهم ، وفي هذا من شدة عنادهم وقوة تمردهم وعتوّهم ما لا يخفى ، ولهذا عاجلهم الله بالعقوبة ولم يمهلهم فقال { فَأَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً } أي فجأة عقب أن قالوا هذه المقالة من دون تراخ ولا إمهال " و " الحال أن { هُمْ لا يَشْعُرُونَ } بذلك ولا يترقبونه . واللام في { ٱلْقُرَىٰ } للعهد ، أي { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ } التي أرسلنا إليها رسلنا { ءامَنُواْ } بالرسل المرسلين إليهم { وَٱتَّقَوْاْ } ما صمموا عليه من الكفر ، ولم يصرّوا على ما فعلوا من القبائح { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ } أي يسرنا لهم خير السماء والأرض ، كما يحصل التيسير للأبواب المغلقة بفتح أبوابها . قيل المراد بخير السماء المطر ، وخير الأرض النبات ، والأولى حمل ما في الآية على ما هو أعمّ من ذلك . ويجوز أن تكون اللام في { القرى } للجنس . والمراد لو أن أهل القرى أين كانوا ، وفي أيّ بلاد سكنوا { آمنوا واتقوا } إلى آخر الآية . { وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ } بالآيات والأنبياء ولم يؤمنوا ولا اتقوا { فَأَخَذْنَـٰهُمْ } بالعذاب بـسبب { مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الذنوب الموجبة لعذابهم . والاستفهام في { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَى } للتقريع والتوبيخ ، وأهل القرى هم أهل القرى المذكورة قبله ، والفاء للعطف ، وهو مثل { أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } المائدة 50 . وقيل المراد بالقرى مكة وما حولها ، لتكذيبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، والحمل على العموم أولى . قوله { أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَـٰتاً } أي وقت بيات ، وهو الليل ، على أنه منصوب على الظرفية ، ويجوز أن يكون مصدراً ، بمعنى تبيتاً ، أو مصدراً في موضع الحال ، أي مبيتين ، وجملة { وَهُمْ نَائِمُونَ } في محل نصب على الحال ، والاستفهام في { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } كالاستفهام الذي قبله . والضحى ضحوة النهار ، وهو في الأصل اسم لضوء الشمس إذا أشرقت وارتفعت . قرأ ابن عامر والحرميان " أوْ أمن " بإسكان الواو ، وقرأ الباقون بفتحها . وجملة { وَهُمْ يَلْعَبُونَ } في محل نصب على الحال ، أي يشتغلون بما لا يعود عليهم بفائدة . والاستفهام في { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ } للتقريع والتوبيخ ، وإنكار ما هم عليه من أمان مالا يؤمن من مكر الله بهم وعقوبته لهم ، وفي تكرير هذا الاستفهام زيادة تقرير ، لإنكار ما أنكره عليهم ، ثم بين حال من أمن مكر الله ، فقال { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } أي الذين أفرطوا في الخسران ، ووقعوا في وعيده الشديد . وقيل مكر الله هنا هو استدراجه بالنعمة والصحة . والأولى حمله على ما هو أعمّ من ذلك . قوله { أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا } قرىء « نهد » بالنون وبالتحتية . فعلى القراءة بالنون يكون فاعل الفعل هو الله سبحانه ، ومفعول الفعل { أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } أي أن الشأن هو هذا ، وعلى القراءة بالتحتية يكون فاعل يهد هو { أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } أي أخذناهم بكفرهم وتكذيبهم . والهداية هنا بمعنى التبيين ، ولهذا عديت باللام . قوله { وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي ونحن نطبع على قلوبهم على الاستئناف ، ولا يصح عطفه على { أصبنا } لأنهم ممن طبع الله على قلبه ، لعدم قبولهم للإيمان . وقيل هو معطوف على فعل مقدّر دلّ عليه الكلام . كأنه قيل يغفلون عن الهداية ونطبع . وقيل معطوف على { يرثون } قوله { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } جواب " لو " أي صاروا بسبب إصابتنا لهم بذنوبهم ، والطبع على قلوبهم ، لا يسمعون ما يتلوه عليهم من أرسله الله إليهم من الوعظ ، والإعذار ، والإنذار . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ } قال مكان الشدة الرخاء { حَتَّىٰ عَفَواْ } قال كثروا ، وكثرت أموالهم . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله { حَتَّىٰ عَفَواْ } قال جَمُّوا . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { قَدْ مَسَّ ءابَاءنَا ٱلضَّرَّاء وَٱلسَّرَّاء } قال قالوا قد أتى على آبائنا مثل هذا فلم يكن شيئاً { فَأَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عنه في قوله { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ } قال بما أنزل الله { وَٱتَّقَوْاْ } قال ما حرّمه الله { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ } يقول أعطتهم السماء بركتها والأرض نباتها . وأخرج ابن أبي حاتم من طريق معاذ بن رفاعة ، عن موسى الطائفي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكرموا الخبز ، فإن الله أنزله من بركات السماء ، وأخرجه من بركات الأرض " وأخرج البزار والطبراني ، قال السيوطي ، بسند ضعيف ، عن عبد الله ابن أمّ حرام قال صليت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أكرموا الخبز ، فإن الله أنزله من بركات السماء ، وسخر له بركات الأرض ، ومن تتبع ما يسقط من السفرة ، غفر له " وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال كان أهل قريةِ أوسع الله عليهم ، حتى كانوا يستنجون بالخبز ، فبعث الله عليهم الجوع . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { أَوَ لَمْ يَهْدِ } قال أو لم نبين . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السديّ في قوله { لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا } قال المشركون .