Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 11-14)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { إِذْ يُغَشِّيكُم } الظرف منصوب بفعل مقدّر كالذي قبله ، أو بدل ثان من { إذ يعدكم } ، أو منصوب بالنصر المذكور قبله . وقيل غير ذلك مما لا وجه له . و { إِذْ يُغَشّيكُمُ } هي قراءة نافع وأهل المدينة على أن الفاعل هو الله سبحانه . وهذه القراءة هي المطابقة لما قبلها . أعني قوله { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } ولما بعدها أعني { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم } فيتشاكل الكلام ويتناسب . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " يغشاكم " على أن الفاعل للنعاس . وقرأ الباقون { يُغَشّيكُمُ } بفتح الغين وتشديد الشين ، وهي كقراءة نافع وأهل المدينة في إسناد الفعل إلى الله ، ونصب النعاس . قال مكي والاختيار ضم الياء والتشديد ، ونصب النعاس لأن بعده { أَمَنَةً مّنْهُ } . والهاء في { منه } لله ، فهو الذي يغشيهم النعاس ، ولأن الأكثر عليه ، وعلى القراءة الأولى والثالثة يكون انتصاب { أمنة } على أنها مفعول له . ولا يحتاج في ذلك إلى تأويل وتكلف ، لأن فاعل الفعل المعلل والعلة واحد بخلاف انتصابها على العلة ، باعتبار القراءة الثانية ، فإنه يحتاج إلى تكلف . وأما على جعل الأمنة مصدراً فلا إشكال ، يقال أمن أمنة ، وأمناً وأماناً . وهذه الآية تتضمن ذكر نعمة أنعم الله بها عليهم ، وهي أنهم مع خوفهم من لقاء العدوّ والمهابة لجانبه ، سكن الله قلوبهم وأمَّنها حتى ناموا آمنين غير خائفين ، وكان هذا النوم في الليلة التي كان القتال في غدها ، قيل وفي امتنان الله عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان أحدهما أنه قَّواهم بالاستراحة على القتال من الغد . الثاني أنه أمنهم بزوال الرعب من قلوبهم . وقيل إن النوم غشيهم في حال التقاء الصفين ، وقد مضى في يوم أحد نحو من هذا في سورة آل عمران . قوله { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن ٱلسَّمَاء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } هذا المطر كان بعد النعاس . وقيل قبل النعاس . وحكى الزجاج أن الكفار يوم بدر سبقوا المؤمنين إلى ماء بدر ، فنزلوا عليه وبقي المؤمنون لا ماء لهم ، فأنزل الله المطر ليلة بدر . والذي في سيرة ابن إسحاق وغيره أن المؤمنين هم الذين سبقوا إلى ماء بدر ، وأنه منع قريشاً من السبق إلى الماء مطر عظيم ، ولم يصب المسلمين منه إلا ما شدّ لهم دهس الوادي ، وأعانهم على المسير . ومعنى { لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } ليرفع عنكم الأحداث { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } أي وسوسته لكم ، بما كان قد سبق إلى قلوبهم من الخواطر التي هي منه من الخوف والفشل حتى كانت حالهم حال من يساق إلى الموت { وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ } فيجعلها صابرة قوية ثابتة في مواطن الحرب . والضمير في { بِهِ } من قوله { وَيُثَبّتَ بِهِ ٱلأقْدَامَ } راجع إلى الماء الذي أنزله الله ، أي يثبت بهذا الماء الذي أنزله عليكم عند الحاجة إليه أقدامكم في مواطن القتال . وقيل الضمير راجع إلى الربط المدلول عليه بالفعل . قوله { إِذ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ } الظرف منصوب بفعل محذوف خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يقف على ذلك سواه ، أي واذكر يا محمد وقت إيحاء ربك إلى الملائكة . وقيل هو بدل من { إِذْ يَعِدُكُمُ } كما تقدّم . ولكنه يأبى ذلك أن هذا لا يقف عليه المسلمون ، فلا يكون من جملة النعم التي عدّدها الله عليهم . وقيل العامل فيه يثبت فيكون المعنى يثبت الأقدام وقت الوحي ، وليس لهذا التقييد معنى . وقيل العامل فيه { ليربط } ولا وجه لتقييد الربط على القلوب بوقت الإيحاء . ومعنى الآية أني معكم بالنصر والمعونة ، فعلى قراءة الفتح للهمزة هو مفعول { يُوحِى } وعلى قراءة الكسر يكون بتقدير القول . ومعنى { فَثَبّتُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } بشروهم بالنصر ، أو ثبتوهم على القتال بالحضور معهم ، وتكثير سوادهم . وهذا أمر منه سبحانه للملائكة الذين أوحى إليهم بأنه معهم . والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها . قوله { سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } قد تقدّم بيان معنى إلقاء الرعب في آل عمران . قيل هذه الجملة تفسير لقوله { إِنّى مَعَكُمْ } ، قوله { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَـٰقِ } قيل المراد الأعناق أنفسها . و { فَوْقَ } زائدة قاله الأخفش وغيره . وقال محمد بن يزيد هذا خطأ ، لأن { فوق } يفيد معنى ، فلا يجوز زيادتها ، ولكن المعنى أنه أبيح لهم ضرب الوجوه وما قرب منها . وقيل المراد بما فوق الأعناق الرؤوس . وقيل المراد بفوق الأعناق أعاليها ، لأنها المفاصل الذي يكون الضرب فيها أسرع إلى القطع . قيل وهذا أمر للملائكة . وقيل للمؤمنين ، وعلى الأوّل قيل هو تفسير لقوله { فَثَبّتُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } . قوله { وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } قال الزجاج واحد البنان بنانة ، وهي هنا الأصابع وغيرها من الأعضاء ، والبنان مشتق من قولهم أبنّ الرجل بالمكان إذا أقام به ، لأنه يعمل بها ما يكون للإقامة والحياة . وقيل المراد بالبنان هنا أطراف الأصابع من اليدين والرجلين وهو عبارة عن الثبات في الحرب . فإذا ضربت البنان تعطل من المضروب القتال ، بخلاف سائر الأعضاء . قال عنترة @ وقد كان في الهيجاء يحمي ذمارها ويضرب عند الكرب كل بنان @@ وقال عنترة أيضاً @ وإن الموت طوع يدي إذا ما وصلت بنانهـا بالهندواني @@ قال ابن فارس البنان الأصابع ، ويقال الأطراف ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما وقع عليهم من القتل ، ودخل في قلوبهم من الرعب ، وهو مبتدأ ، و { بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } خبره ، أي ذلك بسبب مشاقتهم . والشقاق أصله أن يصير كل واحد من الخصمين في شق ، وقد تقدّم تحقيق ذلك { وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } له ، يعاقبه بسبب ما وقع منه من الشقاق . قوله { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ } الإشارة إلى ما تقدّم من العقاب ، أو الخطاب هنا للكافرين ، كما أن الخطاب في قوله { ذٰلِكُمْ } للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح للخطاب . قال الزجاج ذلكم رفع بإضمار الأمر أو القصة ، أي الأمر أو القصة ذلكم فذوقوه . قال ويجوز أن يضمر واعلموا . قال في الكشاف ويجوز أن يكون نصباً على عليكم ذلكم فذوقوه ، كقولك زيداً فاضربه . قال أبو حيان لا يجوز تقدير عليكم لأنه اسم فعل ، وأسماء الأفعال لا تضمر ، وتشبيهه بزيداً فاضربه غير صحيح لأنه لم يقدّر فيه عليك ، بل هو من باب الاشتغال . وجملة { وَأَنَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ } معطوفة على ما قبلها فتكون الإشارة على هذا إلى العقاب العاجل الذي أصيبوا به ، ويكون { وَأَنَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ } إشارة إلى العقاب الآجل . وقد أخرج أبو يعلى ، والبيهقي في الدلائل ، عن عليّ قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة حتى أصبح . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن شهاب في الآية ، قال بلغنا أن هذه الآية أنزلت في المؤمنين يوم بدر ، فيما أغشاهم الله من النعاس أمنة منه . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، في قوله { أَمَنَةً مّنْهُ } قال أمناً من الله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة ، في قوله { أَمَنَةً مّنْهُ } قال رحمة منه ، أمنة من العدو . وأخرج ابن أبي أبي حاتم ، عنه قال النعاس في الرأس ، والنوم في القلب . وأخرج عبد بن حميد ، عنه ، أيضاً قال كان النعاس أمنة من الله ، وكان النعاس نعاسين نعاس يوم بدر ، ونعاس يوم أحد . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن سعيد بن المسيب ، في قوله { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن ٱلسَّمَاء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } قال طش كان يوم بدر . وأخرج هؤلاء عن مجاهد في الآية قال المطر أنزله الله عليهم قبل النعاس فأطفأ بالمطر الغبار ، والتبدت به الأرض ، وطابت به أنفسهم ، وثبتت به أقدامهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن إسحاق ، عن عروة بن الزبير ، قال بعث الله السماء وكان الوادي دهساً ، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما لبد الأرض ، ولم يمنعهم المسير ، وأصاب قريشاً ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه . وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس قال إن المشركين غلبوا المسلمين في أوّل أمرهم على الماء ، فضحى المسلمون وصلوا مجنبين محدثين ، فألقى الشيطان في قلوبهم الحزن ، وقال أتزعمون أن فيكم نبياً وأنكم أولياء الله ، وتصلون مجنبين محدثين ؟ فأنزل الله من السماء ماء فسال عليهم الوادي ماء ، فشرب المسلمون وتطهروا ، وثبتت أقدامهم ، وذهبت وسوسته . وقد قدّمنا أن المشهور في كتب السير المعتمدة أن المشركين لم يغلبوا المؤمنين على الماء بل المؤمنون هم الذين غلبوا عليه من الابتداء . وهذا المرويّ عن ابن عباس في إسناده العوفي ، وهو ضعيف جداً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { رِجْزَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } قال وسوسته . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة ، في قوله { وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ } قال بالصبر { وَيُثَبّتَ بِهِ ٱلأقْدَامَ } قال كان بطن الوادي دهاساً ، فلما مطروا اشتدت الرملة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ في قوله { وَيُثَبّتَ بِهِ ٱلأقْدَامَ } قال حتى تشتدّ على الرمل ، وهو كهيئة الأرض . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عليّ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تلك الليلة ويقول " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد " وأصابهم تلك الليلة مطر شديد ، فذلك قوله { وَيُثَبّتَ بِهِ ٱلأقْدَامَ } . وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مجاهد ، قال لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر . وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، قال قال لي أبي يا بنيّ لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك ، فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس قال كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب على الأعناق ، وعلى البنان مثل سمة النار قد احترق به . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة ، في قوله { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأعْنَـٰقِ } يقول الرؤوس . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن عطية { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأعْنَـٰقِ } قال اضربوا الأعناق . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الضحاك { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأعْنَـٰقِ } يقول اضربوا الرقاب . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله { وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } قال يعني بالبنان الأطراف . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عطية { وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } قال كل مفصل .