Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 50-54)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَلَوْ تَرَى } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح له كما تقدّم تحقيقه في غير موضع . والمعنى ولو رأيت ، لأن " لو " تقلب المضارع ماضياً ، و " إِذْ " ظرف لترى ، والمفعول محذوف ، أي ولو ترى الكافرين وقت توفي الملائكة لهم . قيل أراد بالذين كفروا من لم يقتل يوم بدر . وقيل هي فيمن قتل ببدر وجواب " لو " محذوف تقديره لرأيت أمراً عظيماً . وجملة { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ } في محل نصب على الحال ، والمراد بأدبارهم أستاههم ، كنى عنها بالأدبار . وقيل ظهورهم . قيل هذا الضرب يكون عند الموت كما يفيده ذكر التوفي . وقيل هو يوم القيامة حين يسيرون بهم إلى النار . قوله { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } قاله الفراء ، المعنى ويقولون ذوقوا عذاب الحريق ، والجملة معطوفة على يضربون . وقيل إنه يقول لهم هذه المقالة خزنة جهنم ، والذوق قد يكون محسوساً ، وقد يوضع موضع الابتلاء والاختبار ، وأصله من الذوق بالضم ، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم من الضرب والعذاب والباء في { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } سببية ، أي ذلك واقع بسبب ما كسبتم من المعاصي ، واقترفتم من الذنوب . وجملة { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي والأمر أنه لا يظلمهم ، ويجوز أن تكون معطوفة على الجملة الواقعة خبراً لقوله { ذٰلِكَ } وهي { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أي ذلك العذاب بسبب المعاصي ، وبسبب { أَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } لأنه سبحانه قد أرسل إليهم رسله ، وأنزل عليهم كتبه ، وأوضح لهم السبيل ، وهداهم النجدين كما قال سبحانه { وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } النحل 118 . قوله { كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ } لما ذكر الله سبحانه ما أنزله بأهل بدر أتبعه بما يدل على أن هذه سنته في فرق الكافرين . والدأب العادة ، والكاف في محل الرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف ، أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، والمعنى أنه جوزي هؤلاء كما جوزي أولئك ، فكانت العادة في عذاب هؤلاء كالعادة الماضية لله في تعذيب طوائف الكفر ، وجملة قوله { كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } مفسرة لدأب آل فرعون ، أي دأبهم هذا هو أنهم كفروا بآيات الله ، فتسبب عن كفرهم أخذ الله سبحانه لهم ، والمراد بذنوبهم معاصيهم المترتبة على كفرهم ، فيكون الباء في { بذنوبهم } للملابسة ، أي فأخذهم متلبسين بذنوبهم غير تائبين عنها ، وجملة { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } معترضة مقرّرة لمضمون ما قبلها . والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى العقاب الذي أنزله الله بهم ، وهو مبتدأ وخبره ما بعده ، والجملة جارية مجرى التعليل لما حلّ بهم من عذاب الله . والمعنى أن ذلك العقاب بسبب أن عادة الله في عباده عدم تغيير نعمه التي ينعم بها عليهم { حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ } من الأحوال والأخلاق بكفران نعم الله وغمط إحسانه وإهمال أوامره ونواهيه ، وذلك كما كان من آل فرعون ومن قبلهم ومن قريش ومن يماثلهم من المشركين ، فإن الله فتح لهم أبواب الخيرات في الدنيا ومنّ عليهم بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، فقابلوا هذه النعم بالكفر فاستحقوا تغيير النعم ، كما غيروا ما كان يجب عليهم سلوكه ، والعمل به من شكرها وقبولها ، وجملة { وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } معطوفة على { بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً } داخلة معها في التعليل ، أي ذلك بسبب أن الله لم يك مغيراً ، إلخ . وبسبب أن الله سميع عليم يسمع ما يقولونه ويعلم ما يفعلونه . وقرىء بكسر الهمزة على الاستئناف . ثم كرّر ما تقدّم ، فقال { كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَـٰتِ رَبّهِمْ } لقصد التأكيد مع زيادة أنه كالبيان للأخذ بالذنوب بأنه كان بالإغراق ، وقيل إن الأوّل باعتبار ما فعله آل فرعون ومن شبه بهم ، والثاني باعتبار ما فعل بهم . وقيل المراد بالأوّل كفرهم بالله ، والثاني تكذيبهم الأنبياء . وقيل غير ذلك مما لا يخلو عن تعسف ، والكلام في { أَهْلَكْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } كالكلام المتقدّم في { فأخذهم الله بذنوبهم } { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْن } معطوف على أهلكناهم ، عطف الخاص على العام ، لفظاعته وكونه من أشدّ أنواع الإهلاك ، ثم حكم على كلا الطائفتين من آل فرعون والذين من قبلهم ، ومن كفار قريش بالظلم لأنفسهم ، بما تسببوا به لعذاب الله من الكفر بالله وآياته ورسله ، وبالظلم لغيرهم ، كما كان يجري منهم في معاملاتهم للناس بأنواع الظلم . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاَئِكَةُ } قال الذين قتلهم الله ببدر من المشركين . وأخرج ابن جرير ، عن الحسن ، قال قال رجل يا رسول الله إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشوك قال " ذلك ضرب الملائكة " وهذا مرسل . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { وَأَدْبَـٰرَهُمْ } قال وأستاههم ، ولكن الله كريم يكنى . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ في قوله { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنعمَها عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } قال نعمة الله محمد صلى الله عليه وسلم أنعم الله به على قريش فكفروا فنقله الله إلى الأنصار .