Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 61-63)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الجنوح الميل ، يقال جنح الرجل إلى الرجل مال إليه ومنه قيل للأضالع جوانح ، لأنها مالت إلى الحنوّة ، وجنحت الإبل إذا مالت أعناقها في السير ، ومنه قول ذي الرمة @ إذا مات فوق الرحل أحييت روحه بذكراك والعيس المراسيل جنح @@ ومثله قول عنترة @ جوانح قد أيقنّ أن قبيله إذا ما التقى الجمعان أوّل غالب @@ يعني الطير ، والسلم الصلح . وقرأ الأعمش وأبو بكر ، وابن محيصن ، والمفضل بكسر السين ، وقرأ الباقون بفتحها . وقرأ العقيلي " فَٱجْنَحْ " بضم النون ، وقرأ الباقون بفتحها . والأولى لغة قيس ، والثانية لغة تميم . قال ابن جني ولغة قيس هي القياس ، والسلم تؤنث كما تؤنث الحرب ، أو هي مؤوّلة بالخصلة ، أو الفعلة . وقد اختلف أهل العلم هل هذه الآية منسوخة أم محكمة ؟ فقيل هي منسوخة بقوله { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } التوبة 5 وقيل ليست بمنسوخة ، لأن المراد بها قبول الجزية ، وقد قبلها منهم الصحابة فمن بعدهم ، فتكون خاصة بأهل الكتاب . وقيل إن المشركين إن دعوا إلى الصلح جاز أن يجابوا إليه ، وتمسك المانعون من مصالحة المشركين بقوله تعالى { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُواْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ } محمد 35 وقيدوا عدم الجواز بما إذا كان المسلمون في عزّة وقوّة ، لا إذا لم يكونوا كذلك ، فهو جائز كما وقع منه صلى الله عليه وسلم من مهادنة قريش ، وما زالت الخلفاء والصحابة على ذلك ، وكلام أهل العلم في هذه المسألة معروف مقرّر في مواطنه { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } في جنوحك للسلم ، ولا تخف من مكرهم ، فـ { إِنَّه } سبحانه { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لما يقولون { ٱلْعَلِيمُ } بما يفعلون . { وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ } بالصلح ، وهم مضمرون الغدر والخدع { فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ } أي كافيك ما تخافه من شرورهم بالنكث والغدر ، وجملة { هُوَ ٱلَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } تعليلية ، أي لا تخف من خدعهم ومكرهم ، فإن الله الذي قوّاك عليهم بالنصر فيما مضى ، وهو يوم بدر ، هو الذي سينصرك ويقوّيك عليهم عند حدوث الخدع والنكث ، والمراد بالمؤمنين المهاجرون والأنصار ، ثم بين كيف كان تأييده بالمؤمنين فقال { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } وظاهره العموم وأن ائتلاف قلوب المؤمنين هو من أسباب النصر التي أيد الله بها رسوله . وقال جمهور المفسرين المراد الأوس والخزرج ، فقد كان بينهم عصبية شديدة وحروب عظيمة ، فألف الله بين قلوبهم بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل أراد التأليف بين المهاجرين والأنصار ، والحمل على العموم أولى ، فقد كانت العرب قبل البعثة المحمدية يأكل بعضهم بعضاً ولا يحترم ماله ولا دمه ، حتى جاء الإسلام فصاروا يداً واحدة ، وذهب ما كان بينهم من العصبية ، وجملة { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } مقرّرة لمضمون ما قبلها . والمعنى أن ما كان بينهم من العصبية والعداوة قد بلغ إلى حدّ لا يمكن دفعه بحال من الأحوال ، ولو أنفق الطالب له جميع ما في الأرض لم يتم له ما طلبه من التأليف ، لأن أمرهم في ذلك قد تفاقم جدّاً { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } بعظيم قدرته وبديع صنعه { إِنَّهُ عَزِيزٌ } لا يغالبه مغالب ، ولا يستعصي عليه أمر من الأمور { حَكِيمٌ } في تدبيره ونفوذ نهيه وأمره . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، في قوله { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ } قال قريظة . وأخرج أبو الشيخ ، عن السديّ في الآية قال نزلت في بني قريظة نسختها { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُواْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } محمد 35 إلى آخر الآية . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال السلم الطاعة . وأخرج أبو الشيخ عنه في الآية قال إن رضوا فارض . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السديّ في الآية قال إن أرادوا الصلح ، فأرده . وأخرج أبو عبيد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، في الآية قال نسختها هذه الآية { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } التوبة 29 إلى قوله { وَهُمْ صَـٰغِرُونَ } التوبة 29 . وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، والنحاس في ناسخه ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، قال ثم نسخ ذلك { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { وَإن يريدوا أَن يَخْدَعُوكَ } قال قريظة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السديّ ، في قوله { وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } قال بالأنصار . وأخرج ابن مردويه ، عن النعمان بن بشير نحوه . وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس ، نحوه أيضاً . وأخرج ابن عساكر ، عن أبي هريرة ، قال مكتوب على العرش لا إله إلا الله ، أنا الله وحدي لا شريك لي ، ومحمد عبدي ورسولي أيدته بعلمي ، وذلك قوله { هُوَ ٱلَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } . وأخرج ابن المبارك ، وابن أبي شيبة ، وابن أبي الدنيا ، والنسائي ، والبزار ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن مسعود ، أن هذه الآية نزلت في المتحابين في الله { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } الآية . وأخرج أبو عبيد ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في شعب الإيمان ، واللفظ له عن ابن عباس قال قرابة الرحم تقطع ، ومنة المنعم تكفر ، ولم نر مثل تقارب القلوب ، يقول الله { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } الآية . وأخرج ابن المبارك ، وعبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، والبهيقي عنه نحوه . وليس في هذا عن ابن عباس ما يدلّ على أنه سبب النزول ، ولكن الشأن في قول ابن مسعود رضي الله عنه إن هذه الآية نزلت في المتحابين في الله مع أن الواقع قبلها { هُوَ ٱلَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } والواقع بعدها { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الأنفال 64 ومع كون الضمير في قوله { مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } يرجع إلى المؤمنين المذكورين قبله بلا شك ولا شبهة ، وكذلك الضمير في قوله { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } فإن هذا يدلّ على أن التأليف المذكور هو بين المؤمنين الذين أيد الله بهم رسوله صلى الله عليه وسلم .