Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 64-66)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ليس هذا تكريراً لما قبله فإن الأوّل مقيد بإرادة الخدع { وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ } الأنفال 62 فهذه كفاية خاصة ، وفي قوله { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ } كفاية عامة غير مقيّدة ، أي حسبك الله في كل حال ، والواو في قوله { وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ } يحتمل أن تكون للعطف على الاسم الشريف . والمعنى حسبك الله وحسبك المؤمنين ، أي كافيك الله وكافيك المؤمنين ، ويحتمل أن تكون بمعنى مع كما تقول حسبك وزيداً درهم ، والمعنى كافيك وكافي المؤمنين الله ، لأن عطف الظاهر على المضمر في مثل هذه الصورة ممتنع كما تقرّر في علم النحو ، وأجازه الكوفيون . قال الفراء ليس بكثير في كلامهم أن تقول حسبك وأخيك ، بل المستعمل أن يقال حسبك وحسب أخيك بإعادة الجار ، فلو كان قوله { وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ } مجروراً لقيل حسبك الله وحسب من اتبعك ، واختار النصب على المفعول معه النحاس ، وقيل يجوز أن يكون المعنى ومن اتبعك من المؤمنين حسبهم الله فحذف الخبر . وقوله { حَرّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ } أي حثهم وحضهم ، والتحريض في اللغة المبالغة في الحثّ وهو كالتحضيض ، مأخوذ من الحرض ، وهو أن ينهكه المرض ويتبالغ فيه حتى يشفى على الموت كأنه ينسبه إلى الهلاك لو تخلف عن المأمور به ، ثم بشرهم تثبيتاً لقلوبهم وتسكيناً لخواطرهم بأن الصابرين منهم في القتال يغلبون عشرة أمثالهم من الكفار ، فقال { إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صَـٰبِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ } ثم زاد هذا إيضاحاً مفيداً لعدم اختصاص هذه البشارة بهذا العدد ، بل هي جارية في كل عدد فقال { وَإِن تَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا } وفي هذا دلالة على أن الجماعة من المؤمنين قليلاً كانوا أو كثيراً لا يغلبهم عشرة أمثالهم من الكفار بحال من الأحوال ، وقد وجد في الخارج ما يخالف ذلك . فكم من طائفة من طوائف الكفار يغلبون من هو مثل عشرهم من المسلمين ، بل مثل نصفهم بل مثلهم . وأجيب عن ذلك بأن وجود هذا بالخارج لا يخالف ما في الآية لاحتمال أن لا تكون الطائفة من المؤمنين متصفة بصفة الصبر . وقيل إن هذا الخبر الواقع في الآية هو في معنى الأمر ، كقوله تعالى { وَٱلْوٰلِدٰتُ يُرْضِعْنَ } البقرة 233 { وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ } البقرة 228 فالمؤمنون كانوا مأمورين من جهة الله سبحانه بأن تثبت الجماعة منهم لعشرة أمثالهم ، ثم لما شق ذلك عليهم واستعظموه خفف عنهم ورخص لهم لما علمه سبحانه من وجود الضعف فيهم فقال { فَإن تَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ } إلى آخر الآية ، فأوجب على الواحد أن يثبت لاثنين من الكفار . وقرأ حمزة وحفص عن عاصم { ضعفاً } بفتح الضاد . وقوله { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } متعلق بقوله { يَغْلِبُواْ } أي إن هذا الغلب بسبب جهلهم وعدم فقههم ، وأنهم يقاتلون على غير بصيرة ، ومن كان هكذا فهو مغلوب في الغالب . وقد قيل في نكتة التنصيص على غلب العشرين للمائتين ، والمائة للألف أن سراياه التي كان يبعثها صلى الله عليه وسلم كان لا ينقص عددها عن العشرين ولا يجاوز المائة . وقيل في التنصيص فيما بعد ذلك على غلب المائة للمائتين ، والألف للألفين ، على أنه بشارة للمسلمين بأن عساكر الإسلام سيجاوز عددها العشرات والمئات إلى الألوف . ثم أخبرهم بأن هذا الغلب هو بإذن الله وتسهيله ، وتيسيره لا بقوّتهم وجلادتهم ، ثم بشرهم بأنه مع الصابرين ، وفيه الترغيب إلى الصبر والتأكيد عليهم بلزومه والتوصية به ، وأنه من أعظم أسباب النجاح والفلاح والنصر والظفر ، لأن من كان الله معه لم يستقم لأحد أن يغلبه . وقد اختلف أهل العلم ، هل هذا التخفيف نسخ أم لا ؟ ولا يتعلق بذلك كثير فائدة . وقد أخرج البزار عن ابن عباس قال لما أسلم عمر قال المشركون قد انتصف القوم منا اليوم ، وأنزل الله { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . وأخرج الطبراني ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال لما أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلاً وامرأة ، ثم إن عمر أسلم صاروا أربعين فنزل { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن سعيد بن جبير ، قال لما أسلم مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون وست نسوة ثم أسلم عمر نزلت { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ } . وأخرج ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم ، عن الزهري في الآية قال نزلت في الأنصار ، وأخرج البخاري في تاريخه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الشعبي في قوله { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } قال حسبك الله وحسب من اتبعك . وأخرج البخاري ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس قال لما نزلت { إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صَـٰبِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ } فكتب عليهم أن لا يفرّ واحد من العشرة ، وأن لا يفرّ عشرون من مائتين ، ثم نزلت { ٱلئَـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } الآية ، فكتب أن لا يفرّ مائة من مائتين قال سفيان وقال ابن شبرمة وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا ، إن كانا رجلين أمرهما وإن كانوا ثلاثة فهو في سعة من تركهم ، وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس قال لما نزلت { إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صَـٰبِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ } شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفرّ واحد من عشرة ، فجاء التخفيف { ٱلئَـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } الآية قال فلما خفّف الله عنهم من العدّة نقص من الصبر بقدر ما خفّف عنهم .