Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 67-69)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا حكم آخر من أحكام الجهاد . ومعنى { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ } ما صح له وما استقام ، وقرأ أبو عمرو ، وسهيل ويعقوب ، ويزيد ، والمفضل ، أن تكون بالفوقية ، وقرأ الباقون بالتحتية ، وقرأ أيضاً يزيد والمفضل « أسارى » وقرأ الباقون { أسرى } والأسرى جمع أسير ، مثل قتلى وقتيل ، وجرحى وجريح ، ويقال في جمع أسير أيضاً أسارى بضم الهمزة وبفتحها ، وهو مأخوذ من الأسر ، وهو القيد ، لأنهم كانوا يشدّون به الأسير ، فسمي كل أخيذ وإن لم يشدّ بالقدّ أسيراً ، قال الأعشى @ وقيدني الشعر في بيته كما قيـدت الأسرات الحمارا @@ وقال أبو عمرو بن العلاء الأسرى هم غير الموثقين عندما يؤخذون ، والأسارى هم الموثقون ربطاً . والإثخان كثرة القتل والمبالغة فيه تقول العرب أثخن فلان في هذا الأمر ، أي بالغ فيه . فالمعنى ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يبالغ في قتل الكافرين ويستكثر من ذلك . وقيل معنى الإثخان التمكن ، وقيل هو القوّة . أخبر الله سبحانه أن قتل المشركين يوم بدر كان أولى من أسرهم ، وفدائهم ثم لما كثر المسلمون رخص الله في ذلك فقال { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } محمد 4 كما يأتي في سورة القتال إن شاء الله . قوله { تُرِيدُونَ عَرَضَ } الحياة { ٱلدُّنْيَا } أي نفعها ومتاعها بما قبضتم من الفداء ، وسمي عرضاً لأنه سريع الزوال كما تزول الأعراض التي هي مقابل الجواهر { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } أي يريد لكم الدار الآخرة بما يحصل لكم من الثواب في الإثخان بالقتل . وقرىء « يريد الآخرة » بالجر على تقدير مضاف وهو المذكور قبله ، أي والله يريد عرض الآخرة { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } لا يغالب { حَكِيمٌ } في كل أفعاله . قوله { لَّوْلاَ كِتَـٰبٌ مّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } اختلف المفسرون في هذا الكتاب الذي سبق ما هو ؟ على أقوال الأوّل ما سبق في علم الله من أنه سيحلّ لهذه الأمة الغنائم بعد أن كانت محرّمة على سائر الأمم . والثاني أنه مغفرة الله لأهل بدر ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر ، كما في الحديث الصحيح " إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " القول الثالث هو أنه لا يعذبهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم كما قال سبحانه { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } الأنفال 33 . القول الرابع أنه لا يعذب أحداً بذنب فعله جاهلاً لكونه ذنباً . القول الخامس أنه ما قضاه الله من محو الصغائر باجتناب الكبائر . القول السادس أنه لا يعذب أحداً إلا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهي ، ولم يتقدّم نهي عن ذلك . وذهب ابن جرير الطبري إلى أن هذه المعاني كلها داخلة تحت اللفظ ، وأنه يعمها { لَمَسَّكُمْ } أي لحلّ بكم { فِيمَا أَخَذْتُمْ } أي لأجل ما أخذتم من الفداء { عَذَابٌ عظِيمٌ } والفاء في { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ } لترتيب ما بعدها عن سبب محذوف ، أي قد أبحت لكم الغنائم ، فكلوا مما غنمتم ويجوز أن تكون عاطفة على مقدّر محذوف ، أي اتركوا الفداء فكلوا مما غنمتم من غيره . وقيل إن " مَا " عبارة عن الفداء ، أي كلوا من الفداء الذي غنمتم فإنه من جملة الغنائم التي أحلها الله لكم و { حَلَـٰلاً طَيّباً } منتصبان على الحال ، أو صفة المصدر المحذوف ، أي أكلاً حلالاً طيباً { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فيما يستقبل ، فلا تقدموا على شيء لم يأذن الله لكم به { إِن ٱللَّهَ غَفُورٌ } لما فرط منكم { رَّحِيمٌ } بكم ، فلذلك رخّص لكم في أخذ الفداء في مستقبل الزمان . وقد أخرج أحمد ، عن أنس قال استشار النبيّ صلى الله عليه وسلم الناس في الأسرى يوم بدر فقال " إن الله قد أمكنكم منهم " فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم . فأعرض عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم . ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس " ، فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم . فأعرض عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم عاد فقال مثل ذلك فقام أبو بكر الصديق فقال يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء ، فعفا عنهم وقبل منهم الفداء ، فأنزل الله { لَّوْلاَ كِتَـٰبٌ مّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } الآية . وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي وحسنه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن مسعود قال لما كان يوم بدر جيء بالأسارى وفيهم العباس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ " فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك فاستبقهم لعلّ الله أن يتوب عليهم ، وقال عمر يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك ، قدّمهم فاضرب أعناقهم ، وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب فأضرمه عليهم ناراً ، فقال العباس وهو يسمع قطعت رحمك ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ولم يردّ عليهم شيئاً ، فقال أناس يأخذ بقول أبي بكر ، وقال أناس يأخذ بقول عمر ، وقال قوم يأخذ بقول عبد الله بن رواحة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله ليشدّد قلوب رجال فيه حتى تكون أشدّ من الحجارة ، مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام قال { ومن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } إبراهيم 36 ، ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى عليه السلام إذ قال { إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } المائدة 118 ، ومثلك يا عمر مثل نوح عليه السلام إذ قال { رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً } نوح 26 ، ومثلك يا عمر مثل موسى عليه السلام إذ قال { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوٰلِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلاْلِيمَ } يونس 88 أنتم عالة فلا ينفلتنّ أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق " ، فقال عبد الله يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع عليّ الحجارة من السماء من ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلا سهيل بن بيضاء " ، فأنزل الله { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } الآية . وأخرج الحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن عليّ قال قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأسارى يوم بدر " إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتم واستمتعتم بالفداء ، واستشهد منكم بعدّتهم ، فكان آخر السبعين ثابت بن قيس اسشهد باليمامة " وأخرج عبد الرزاق في مصنفه ، وابن أبي شيبة عن عبيدة نحوه . وأخرج الحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن ابن عمر ، قال لما أسر الأسارى يوم بدر أسر العباس فيمن أسر ، أسره رجل من الأنصار وقد وعدته الأنصار أن يقتلوه . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس ، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه " ، فقال له عمر فآتيهم ؟ قال " نعم " ، فأتى عمر الأنصار فقال أرسلوا العباس ، فقالوا لا والله لا نرسله . فقال لهم عمر فإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضا ، قالوا فإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضا فخذه ، فأخذه عمر ، فلما صار في يده قال له يا عباس أسلم ، فوالله إن تسلم أحبّ إليّ من أن يسلم الخطاب ، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه إسلامك ، قال فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقال أبو بكر عشيرتك فأرسلهم ، فاستشار عمر فقال اقتلهم ، ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله ، { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } الآية . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأرْضِ } يقول حتى يظهروا على الأرض . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد ، قال الإثخان هو القتل . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، عن مجاهد ، أيضاً في الآية قال ثم نزلت الرخصة بعد ، إن شئت فمنّ ، وإن شئت ففاد . وأخرج ابن المنذر عن قتادة { تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا } قال أراد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر الفداء ، ففادوهم بأربعة آلاف أربعة آلاف . وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة { تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا } قال الخراج . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، في قوله { لَّوْلاَ كِتَـٰبٌ مّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } قال سبق لهم المغفرة . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن سعيد بن جبير ، قال ما سبق لأهل بدر من السعادة . وأخرج النسائي ، وابن مردويه ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال سبقت لهم من الله الرحمة قبل أن يعملوا بالمعصية . وأخرج أبو حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال سبق أن لا يعذب أحداً حتى يبين له ويتقدّم إليه .