Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 120-121)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في قوله { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } إلخ ، زيادة تأكيد لوجوب الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحريم التخلف عنه أي ما صح وما استقام لأهل المدينة { وَمَنْ حَوْلَهُمْ مّنَ ٱلأَعْرَابِ } كمزينة وجهينة ، وأشجع وأسلم وغفار { أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } ، صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وإنما خصهم الله سبحانه لأنهم قد استنفروا ، فلم ينفروا ، بخلاف غيرهم من العرب ، فإنهم لم يستنفروا مع كون هؤلاء لقربهم وجوارهم أحق بالنصرة والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } أي وما كان لهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ، فيشحون بها ويصونونها ، ولا يشحون بنفس رسول الله ، ويصونونها كما شحوا بأنفسهم وصانوها ، يقال رغبت عن كذا أي ترفعت عنه ، بل واجب عليهم أن يكابدوا معه المشاق ، ويجاهدوا بين يديه أهل الشقاق . ويبذلوا أنفسهم دون نفسه وفي هذا الإخبار معنى الأمر لهم مع ما يفيده إيراده على هذه الصيغة من التوبيخ لهم ، والتقريع الشديد ، والتهييج لهم ، والإزراء عليهم . والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما يفيده السياق من وجوب المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي ذلك الوجوب عليهم بسبب أنهم مثابون على أنواع المتاعب ، وأصناف الشدائد . والظمأ العطش ، والنصب التعب ، والمخمصة المجاعة الشديدة التي يظهر عندها ضمور البطن . وقرأ عبيد بن عمير « ظماء » بالمد . وقرأ غيره بالقصر ، وهما لغتان مثل خطأ وخطاء ، و " لا " في هذه المواضع زائدة للتأكيد . ومعنى { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } في طاعة الله . قوله { وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ } أي لا يدوسون مكاناً من أمكنة الكفار بأقدامهم ، أو بحوافر خيولهم أو بأخفاف رواحلهم ، فيحصل بسبب ذلك الغيظ للكفار . والموطىء اسم مكان ، ويجوز أن يكون مصدراً { وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَّيْلاً } أي يصيبون من عدوّهم قتلاً أو أسراً أو هزيمة أو غنيمة ، وأصله من نلت الشيء أنال أي أصيب . قال الكسائي هو من قولهم أمر منيل منه ، وليس هو من التناول ، إنما التناول من نلته بالعطية . قال غيره نلت أنول من العطية ، ونلته أناله أدركته ، والضمير في { بِهِ } يعود إلى كل واحد من الأمور المذكورة ، والعمل الصالح الحسنة المقبولة أي إلا كتبه الله لهم حسنة مقبولة يجازيهم بها ، وجملة { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } في حكم التعليل لما سبق مع كونه يشمل كل محسن ، ويصدق على المذكورين هنا صدقاً أوّلياً . قوله { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً } معطوف على ما قبله أي ولا يقع منهم الإنفاق في الحرب ، وإن كان شيئاً صغيراً يسيراً { وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا } وهو في الأصل كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذاً للسيل ، والعرب تقول واد وأودية على غير قياس . قال النحاس ولا يعرف فيما علمت فاعل وأفعلة { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } أي كتب لهم ذلك الذي عملوه من النفقة والسفر في الجهاد { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ } به { أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي أحسن جزاء ما كانوا يعملون من الأعمال ، ويجوز أن يكون في قوله { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } ضمير يرجع إلى عمل صالح . وقد ذهب جماعة إلى أن هذه الآية منسوخة بالآية المذكورة بعدها ، وهي قوله { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } فإنها تدل على جواز التخلف من البعض ، مع القيام بالجهاد من البعض ، وسيأتي . وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق عمر بن مالك ، عن بعض الصحابة قال لما نزلت { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } الآية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي بعثني بالحق لولا ضعفاء الناس ما كانت سرية إلا كنت فيها " وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد ، في قوله { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } قال هذا حين كان الإسلام قليلاً لم يكن لأحد أن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كثر الإسلام وفشا قال الله { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الأوزاعي ، وعبد الله بن المبارك ، وإبراهيم بن محمد الفزاري ، وعيسى بن يونس السبيعي ، أنهم قالوا في قوله تعالى { وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَّيْلاً } قالوا هذه الآية للمسلمين إلى أن تقوم الساعة .