Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 122-123)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف المفسرون في معنى { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } فذهب جماعة إلى أنه من بقية أحكام الجهاد لأن سبحانه لما بالغ في الأمر بالجهاد والانتداب إلى الغزو ، كان المسلمون إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من الكفار ينفرون جميعاً ويتركون المدينة خالية ، فأخبرهم الله سبحانه بأنه ما كان لهم ذلك ، أي ما صحّ لهم ، ولا استقام أن ينفروا جميعاً ، بل ينفر من كل فرقة منهم طائفة من تلك الفرقة ، ويبقى من عدا هذه الطائفة النافرة . قالوا ويكون الضمير في قوله { لّيَتَفَقَّهُواْ } عائداً إلى الفرقة الباقية . والمعنى أن الطائفة من هذه الفرقة تخرج إلى الغزو ، ومن بقي من الفرقة يقفون لطلب العلم ، ويعلمون الغزاة إذا رجعوا إليهم من الغزو ، أو يذهبون في طلبه إلى المكان الذي يجدون فيه من يتعلمون منه ، ليأخذوا عنه الفقه في الدين ، وينذروا قومهم وقت رجوعهم إليهم . وذهب آخرون إلى أن هذه الآية ليست من بقية أحكام الجهاد ، وهي حكم مستقلّ بنفسه في مشروعية الخروج لطلب العلم ، والتفقه في الدين ، جعله الله سبحانه متصلاً بما دلّ على إيجاب الخروج إلى الجهاد ، فيكون السفر نوعين الأوّل سفر الجهاد ، والثاني السفر لطلب العلم . ولا شك أن وجوب الخروج لطلب العلم إنما يكون إذا لم يجد الطالب من يتعلم منه في الحضر من غير سفر . والفقه هو العلم بالأحكام الشرعية ، وبما يتوصل به إلى العلم بها من لغة ونحو ، وصرف وبيان وأصول . ومعنى { فَلَوْلاَ نَفَرَ } فهلا نفر ، والطائفة في اللغة الجماعة . وقد جعل الله سبحانه الغرض من هذا هو التفقه في الدين ، وإنذار من لم يتفقه . فجمع بين المقصدين الصالحين والمطلبين الصحيحين ، وهما تعلم العلم وتعليمه ، فمن كان غرضه بطلب العلم غير هذين ، فهو طالب لغرض دنيوي لا لغرض دينيّ ، فهو كماقلت @ وطالب الدنيا بعلم الدين أي بائس كمن غدا لنعله يمسح بالقلانس @@ ومعنى { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } الترجي لوقوع الحذر منهم عن التعريض فيما يجب فعله فيترك ، أو فيما يجب تركه فيفعل ، ثم أمر سبحانه المؤمنين بأن يجتهدوا في مقاتلة من يليهم من الكفار ، وأن يأخذوا في حربهم بالغلظة والشدّة ، والجهاد واجب لكل الكفار ، وإن كان الابتداء بمن يلى المجاهدين منهم أهمّ وأقدم ، ثم الأقرب فالأقرب ثم أخبرهم الله بما يقوّي عزائمهم ، ويثبت أقدامهم فقال { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } أي بالنصرة لهم ، وتأييدهم على عدوّهم ، ومن كان الله معه لم يقم له شيء . وقد أخرج أبو داود في ناسخه ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، قال نسخ هؤلاء الآيات { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } التوبة 41 و { إِلاّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ } التوبة 39 قوله { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } يقول لتنفر طائفة ، وتمكث طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالماكثون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين يتفقهون في الدين ، وينذرون إخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو ، ولعلهم يحذرون ما نزل من بعدهم من قضاء الله في كتابه وحدوده . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عنه ، نحوه من طريق أخرى بسياق أتمّ . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه ، أيضاً في هذه الآية قال ليست هذه الآية في الجهاد ، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين ، أجدبت بلادهم ، فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يخلوا بالمدينة من الجهد ، ويقبلوا بالإسلام وهم كاذبون ، فضيقوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم ، فأنزل الله يخبر رسوله أنهم ليسوا بمؤمنين ، فردّهم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم ، فذلك قوله { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } وفي الباب روايات عن جماعة من التابعين . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة ، في قوله { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم } قال الأدنى ، فالأدنى . وأخرج أبو الشيخ ، عن الضحاك ، مثله . وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عمر ، أنه سئل عن غزو الديلم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مّنَ ٱلْكُفَّارِ } قال " الروم " . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله { وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً } قال شدّة .