Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 25-27)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المواطن جمع موطن ، ومواطن الحرب مقاماتها ، والمواطن التي نصر الله المسلمين فيها هي يوم بدر ، وما بعده من المواطن التي نصر الله المسلمين على الكفار فيها قبل يوم حنين ، { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } معطوف على { مواطن } بتقدير مضاف إما في الأوّل وتقديره في أيام مواطن ، أو في الثاني ، وتقديره وموطن يوم حنين ، لئلا يعطف الزمان على المكان . وردّ بأنه لا استبعاد في عطف الزمان على المكان ، فلا يحتاج إلى تقدير . وقيل إن { يوم حنين } منصوب بفعل مقدّر معطوف على { نَصَرَكُمُ } أي ونصركم يوم حنين ، ورجح هذا صاحب الكشاف ، قال وموجب ذلك أن قوله { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ } بدل من { يوم حنين } ، فلو جعلت ناصبة هذا الظاهر لم يصح لأن كثرتم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن ، ولم يكونوا كثيراً في جميعها . وردّ بأن العطف لا يجب فيه تشارك المتعاطفين في جميع ما ثبت للمعطوف ، كما تقول جاءني زيد ، وعمرو ، مع قومه ، أو في ثيابه أو على فرسه ، وقيل إن { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } ليس ببدل من { يوم حنين } ، بل منصوب بفعل مقدّر أي اذكروا إذا أعجبتكم كثرتكم . وحنين واد بين مكة والطائف ، وانصرف على أنه اسم للمكان ، ومن العرب من يمنعه على أنه اسم للبقعة ، ومنه قول الشاعر @ نصروا نبيهم وشدّوا أزره بحنين يوم تواكل الأبطال @@ وإنما أعجب من أعجب من المسلمين بكثرتهم لأنهم كانوا اثني عشر ألفاً . وقيل أحد عشر ألفاً ، وقيل ستة عشر ألفاً . فقال بعضهم لن نغلب اليوم من قلة ، فوكلوا إلى هذه الكلمة ، فلم تغن الكثرة شيئاً عنهم ، بل انهزموا وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثبت معه طائفة يسيرة ، منهم عمه العباس وأبو سفيان بن الحارث ، ثم تراجع المسلمون ، فكان النصر والظفر . والإغناء إعطاء ما يدفع الحاجة ، أي لم تعطكم الكثرة شيئاً يدفع حاجتكم ، ولم تفدكم . قوله { بِمَا رَحُبَتْ } الرحب بضم الراء السعة ، والرحب بفتح الراء المكان الواسع ، والباء بمعنى " مع " ، و " ما " مصدرية ، ومحل الجار والمجرور النصب على الحال . والمعنى أن الأرض مع كونها واسعة الأطراف ضاقت عليهم بسبب ما حلّ بهم من الخوف والوجل وقيل إن الباء بمعنى " على " أي على رحبها { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } أي انهزمتم حال كونكم مدبرين أي مولين أدباركم ، جاعلين لها إلى جهة عدوّكم . قوله { ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي أنزل ما يسكنهم ، فيذهب خوفهم حتى وقع منهم الاجتراء على قتال المشركين بعد أن ولوا مدبرين ، والمراد بالمؤمنين هم الذين لم ينهزموا ، وقيل الذين انهزموا . والظاهر جميع من حضر منهم لأنهم ثبتوا بعد ذلك وقاتلوا وانتصروا . قوله { وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } هم الملائكة . وقد اختلف في عددهم على أقوال قيل خمسة آلاف . وقيل ثمانية آلاف ، وقيل ستة عشر ألفاً . وقيل غير ذلك ، وهذا لا يعرف إلا من طريق النبوّة . واختلفوا أيضاً هل قاتلت الملائكة في هذا اليوم أم لا ؟ وقد تقدم أن الملائكة لم تقاتل إلا يوم بدر ، وأنهم إنما حضروا في غير يوم بدر لتقوية قلوب المؤمنين ، وإدخال الرعب في قلوب المشركين { وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بما وقع عليهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبي الذرية ، والإشارة بقوله { وَذَلِكَ } إلى التعذيب المفهوم من عذب ، وسمي ما حلّ بهم من العذاب في هذا اليوم جزاء مع أنه غير كاف بل لا بدّ من عذاب الآخرة مبالغة في وصف ما وقع عليهم وتعظيماً له { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاء } أي من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } يغفر لمن أذنب ، فتاب { رَّحِيمٌ } بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه . وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، قال حنين ما بين مكة والطائف ، قاتل نبيّ الله هوازن وثقيف ، وعلى هوازن مالك بن عوف ، وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي . وأخرج ابن المنذر ، عن الحسن قال لما اجتمع أهل مكة وأهل المدينة قالوا الآن نقاتل حين اجتمعنا ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا ، وما أعجبهم من كثرتهم ، فالتقوا فهزموا حتى ما يقوم أحد منهم على أحد حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي أحياء العرب " إليّ إليّ " ، فوالله ما يعرج عليه أحد حتى أعرى موضعه ، فالتفت إلى الأنصار وهم ناحية فنادهم " يا أنصار الله وأنصار رسوله ، إليّ عباد الله أنا رسول الله " ، فجثوا يبكون وقالوا يا رسول الله ، وربّ الكعبة إليك والله ، فنكسوا رءوسهم يبكون وقدّموا أسيافهم يضربون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى فتح الله عليهم . وأخرج البيهقي في الدلائل ، عن الربيع أن رجلاً قال يوم حنين لن نغلب من قلة ، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } قال الربيع وكانوا اثني عشر ألفاً ، منهم ألفان من أهل مكة . وأخرج الطبراني ، والحاكم وصححه ، وأبو نعيم ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن مسعود قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلاً من المهاجرين والأنصار . فكنا على أقدامنا نحواً من ثمانين قدماً ولم نولهم الدبر ، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء يمضي قدماً ، فقال " ناولني كفاً من تراب " ، فناولته فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم تراباً ، وولى المشركون أدبارهم . ووقعة حنين مذكورة في كتب السير والحديث بطولها وتفاصيلها ، فلا نطول بذلك . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السديّ ، في قوله { وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } قال هم الملائكة { وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال قتلهم بالسيف . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد ابن جبير ، قال في يوم حنين أمدّ الله رسوله بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين ، ويومئذ سمى الله الأنصار مؤمنين قال فأنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . وأخرج ابن إسحاق ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي عن جبير بن مطعم ، قال رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم ، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة ، ولم تكن إلا هزيمة القوم .