Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 28-29)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
النجس مصدر لا يثنى ولا يجمع ، يقال رجل نجس ، وامرأة نجس ، ورجلان نجس ، وامرأتان نجس ، ورجال نجس ، ونساء نجس . ويقال نجس ونجس بكسر الجيم وضمها . ويقال نجْس بكسر النون وسكون الجيم وهو تخفيف من المحرك . قيل لا تستعمل إلا إذا قيل معه رجس وقيل ذلك أكثريّ لا كليّ . و { المشركون } مبتدأ ، وخبره المصدر ، مبالغة في وصفهم بذلك حتى كأنهم عين النجاسة ، أؤ على تقدير مضاف أي ذوو نجس لأن معهم الشرك وهو بمنزلة النجس . وقال قتادة ومعمر وغيرهما إنهم وصفوا بذلك لأنهم لا يتطهرون ، ولا يغتسلون ، ولا يتجنبون النجاسات . وقد استدل بالآية من قال بأن المشرك نجس الذات ، كما ذهب إليه بعض الظاهرية والزيدية . وروي عن الحسن البصري ، وهو محكيّ عن ابن عباس . وذهب الجمهور من السلف والخلف ومنهم أهل المذاهب الأربعة إلى أن الكافر ليس بنجس الذات لأن الله سبحانه أحلّ طعامهم ، وثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك من فعله ، وقوله ، ما يفيد عدم نجاسة ذواتهم ، فأكل في آنيتهم ، وشرب منها ، وتوضأ فيها ، وأنزلهم في مسجده . قوله { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } الفاء للتفريع ، فعدم قربانهم للمسجد الحرام متفرّع على نجاستهم . والمراد بالمسجد الحرام جميع الحرم ، روي ذلك عن عطاء ، فيمنعون عنده من جميع الحرم ، وذهب غيره من أهل العلم إلى أن المراد المسجد الحرام نفسه ، فلا يمنع المشرك من دخول سائر الحرم . وقد اختلف أهل العلم في دخول المشرك غير المسجد الحرام من المساجد فذهب أهل المدينة إلى منع كل مشرك عن كل مسجد . وقال الشافعي الآية عامة في سائر المشركين خاصة في المسجد الحرام ، فلا يمنعون من دخول غيره من المساجد . قال ابن العربي وهذا جمود منه على الظاهر لأن قوله تعالى { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة ، ويجاب عنه بأن هذا القياس مردود بربطه صلى الله عليه وسلم لثمامة بن أثال في مسجده ، وإنزال وفد ثقيف فيه . وروي عن أبي حنيفة مثل قول الشافعي ، وزاد أنه يجوز دخول الذمي سائر المساجد من غير حاجة ، وقيده الشافعي بالحاجة . وقال قتادة إنه يجوز ذلك للذميّ دون المشرك . وروى عن أبي حنيفة أيضاً أنه يجوز لهم دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد ، ونهى المشركين عن أن يقربوا المسجد الحرام هو نهي المسلمين عن أن يمكنوهم من ذلك ، فهو من باب قولهم لا أرينك هاهنا . قوله { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } فيه قولان أحدهما أنه سنة تسع ، وهي التي حج فيها أبو بكر على الموسم . الثاني أنه سنة عشر قاله قتادة ، قال ابن العربي وهو الصحيح الذي يعطيه مقتضى اللفظ ، ومن العجب أن يقال إنه سنة تسع ، وهو العام الذي وقع فيه الأذان ، ولو دخل غلام رجل داره يوماً فقال له مولاه لا تدخل هذه الدار بعد يومك ، لم يكن المراد اليوم الذي دخل فيه . انتهى . ويجاب عنه بأن الذي يعطيه مقتضى اللفظ هو خلاف ما زعمه ، فإن الإشارة بقوله { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } إلى العام المذكور قبل اسم الإشارة وهو عام النداء ، وهكذا في المثال الذي ذكره ، المراد النهي عن دخولها بعد يوم الدخول الذي وقع فيه الخطاب ، والأمر ظاهر لا يخفى ، ولعله أراد تفسير ما بعد المضاف إلى عامهم ولا شك أنه عام عشر ، وأما تفسير العام المشار إليه بهذا ، فلا شك ولا ريب أنه عام تسع ، وعلى هذا يحمل قول قتادة . وقد استدلّ من قال بأنه يجوز للمشركين دخول المسجد الحرام وغيره من المساجد بهذا القيد ، أعني قوله { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } قائلاً إن النهي مختصّ بوقت الحج والعمرة ، فهم ممنوعون عن الحج والعمرة فقط ، لا عن مطلق الدخول . ويجاب عنه بأن ظاهر النهي عن القربان بعد هذا العام يفيد المنع من القربان في كل وقت من الأوقات الكائنة بعده ، وتخصيص بعضها بالجواز يحتاج إلى مخصص . قوله { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } العيلة الفقر ، يقال عال الرجل يعيل إذا افتقر ، قال الشاعر @ وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل @@ وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود « عايلة » وهو مصدر كالقايلة والعافية والعاقبة وقيل معناه خصلة شاقة ، يقال عالني الأمر يعولني أي شقّ عليّ واشتدّ . وحكى ابن جرير الطبري أنه يقال عال يعول إذا افتقر . وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم وهم كانوا يجلبون إليه الأطعمة والتجارات ، قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر ، وقالوا من أين نعيش ؟ فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله . قال الضحاك ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل الذمة بقوله { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } الآية . وقال عكرمة أغناهم بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض ، وأسلمت العرب فحملوا إلى مكة ما أغناهم الله به . وقيل أغناهم بالفيء ، وفائدة التقييد بالمشيئة التعليم للعباد بأن يقولوا ذلك في كل ما يتكلمون به ، مما له تعلق بالزمن المستقبل ، ولئلا يفتروا عن الدعاء والتضرّع { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ } بأحوالكم { حَكِيمٌ } في إعطائه ومنعه ، ما شاء كان ومالم يشأ لم يكن . قوله { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } الآية ، فيه الأمر بقتال من جمع بين هذه الأوصاف . قال أبو الوفاء بن عقيل إن قوله { قَاتَلُواْ } أمر بالعقوبة ، ثم قال { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } فبين الذنب الذي توجبه العقوبة ، ثم قال { وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } فأكد الذنب في جانب الاعتقاد ، ثم قال { وَلاَ يُحَرِمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } فيه زيادة للذنب في مخالفة الأعمال ، ثم قال { وَلاَ يَدِينُونَ دِيِنَ ٱلْحَقّ } فيه إشارة إلى تأكيد المعصية بالانحراف والمعاندة ، والأنفة عن الاستسلام ، ثم قال { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } تأكيد للحجة عليهم لأنهم كانوا يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ، ثم قال { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ } فبيّن الغاية التي تمتد إليها العقوبة . انتهى . قوله { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } بيان للموصول مع ما في حيزه وهم أهل التوراة والإنجيل . قوله { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ } الجزية وزنها فعلة من جزى يجزي إذا كافأ عما أسدي إليه ، فكأنهم أعطوها جزاء عما منحوا من الأمن . وقيل سميت جزية لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه أي يقضوه ، وهي في الشرع ما يعطيه المعاهد على عهده ، و { عَن يَدٍ } في محل نصب على الحال . والمعنى عن يد مواتية غير ممتنعة . وقيل معناه يعطونها بأيديهم غير مستنيبين فيها أحداً . وقيل معناه نقد غير نسيئة . وقيل عن قهر . وقيل معناه عن إنعام منكم عليهم لأن أخذها منهم نوع من أنواع الإنعام عليهم . وقيل معناه مذمومون . وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم الشافعي ، وأحمد ، أبو حنيفة ، وأصحابه والثوري ، وأبو ثور ، إلى أنها لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب . وقال الأوزاعي ومالك إن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الكفرة كائناً من كان ، ويدخل في أهل الكتاب على القول الأوّل المجوس . قال ابن المنذر لا أعلم خلافاً في أن الجزية تؤخذ منهم . واختلف أهل العلم في مقدار الجزية . فقال عطاء لا مقدار لها . وإنما تؤخذ على ما صولحوا عليه ، وبه قال يحيى بن آدم ، وأبو عبيد ، وابن جرير إلا أنه قال أقلها دينار ، وأكثرها لا حدّ له . وقال الشافعي دينار على الغنيّ والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شيء ، وبه قال أبو ثور . قال الشافعي وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز ، وإذا زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم . وقال مالك إنها أربعة دنانير على أهل الذهب . وأربعون درهماً على أهل الورق ، الغنيّ والفقير سواء ، ولو كان مجوسياً لا يزيد ولا ينقص . وقال أبو حنيفة وأصحابه ، ومحمد بن الحسن ، وأحمد بن حنبل اثنا عشر ، وأربعة وعشرون ، وثمانية وأربعون . والكلام في الجزية مقرّر في مواطنه ، والحق من هذه الأقوال قد قرّرناه في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا . قوله { وَهُمْ صَـٰغِرُونَ } في محل نصب على الحال ، والصغار الذالّ . والمعنى إن الذميّ يعطى الجزية حال كونه صاغراً ، قيل وهو أن يأتي بها بنفسه ماشياً غير راكب ، ويسلمها وهو قائم ، والمتسلم قاعد . وبالجملة ينبغي للقابض للجزية أن يجعل المسلم لها حال قبضها صاغراً ذليلاً . وقد أخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن جابر بن عبد الله ، في قوله { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } الآية قال إلا أن يكون عبداً أو أحداً من أهل الذمة . وقد روي مرفوعاً من وجه آخرج أخرجه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمكم " قال ابن كثير تفرّد به أحمد مرفوعاً . والموقوف أصح . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال كان المشركون يجيئون إلى البيت ويجيئون معهم بالطعام يتجرون به ، فلما نهوا عن أن يأتوا البيت . قال المسلمون فمن أين لنا الطعام ؟ فأنزل الله { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء } قال فأنزل الله عليهم المطر ، وكثر خيرهم حين ذهب المشركون عنهم . وأخرج ابن مردويه ، عنه ، قال فأغناهم الله من فضله ، وأمرهم بقتال أهل الكتاب . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة ، في قوله { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } قال الفاقة . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير ، في قوله { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } قال بالجزية . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، عن الضحاك مثله . وأخرج نحوه عبد الرزاق عن قتادة . وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن ، في قوله { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } قال قذر . وأخرج أبو الشيخ عنه ، أيضاً قال من صافحهم فليتوضأ . وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صافح مشركاً فليتوضأ أو ليغسل كفيه " وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبهيقي في سننه ، عن مجاهد ، في قوله { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } قال نزلت هذه الآية حين أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بغزوة تبوك . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن شهاب ، قال نزلت في كفار قريش والعرب { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } وأنزلت في أهل الكتاب { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } الآية إلى قوله { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ } ، فكان أول من أعطى الجزية أهل نجران . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن سعيد بن جبير ، في قوله { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } يعني الذين لا يصدّقون بتوحيد الله { وَلاَ يُحَرِمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } يعني الخمر والحرير { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ } يعني دين الإسلام { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَـٰغِرُونَ } يعني مذللون . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في قوله { عَن يَدٍ } قال عن قهر . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سفيان بن عيينة ، في قوله { عَن يَدٍ } قال من يده ولا يبعث بها غيره . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي سنان في قوله { عَن يَدٍ } قال عن قدرة . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس ، في قوله { وَهُمْ صَـٰغِرُونَ } قال يمشون بها متلتلين . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه ، قال يلكزون . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن سلمان ، في الآية قال غير محمودين .