Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 41-47)
Tafsir: an-Nahr al-mādd min al-baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا } الآية ، الضمير في وقال عائد على نوح عليه السلام ، أي وقال نوح حين أمر بالحمل في السفينة لمن آمن معه ومن أُمر بحمله اركبوا فيها . والظاهر أنه خطاب لمن يعقل خاصة لأنه لا يليق بمن لا يعقل . وعدي اركبوا بفي لتضمنه معنى صيروا فيها أو ادخلوا فيها ، والتقدير اركبوا الماء فيها . والباء في { بِسْمِ ٱللَّهِ } في موضع الحال أي متبركين باسم الله . ومجراها ومرساها منصوبان اما على أنهما ظرفا زمان أو مكان لأنهما يجيئان لذلك ، أو ظرفا زمان على جهة الحذف كما حذف من جئتك مَقْدَم الحاج . ويجوز أن يكون مجراها ومرساها مرفوعين على الابتداء . وبسم الله الخبر . { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ } إخبار من الله تعالى بما جرى للسفينة . وبهم حال ، أي ملتبسة بهم . والمعنى تجري وهم فيها . { فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ } أي في موج الطوفان شبه كل موجة منه بجبل في تراكمها وارتفاعها . وقوله : في موج ، يدل على أن الموج كان ظرفاً لهم ، وهم مظروفون فيه وكانت السفينة تسبح بهم في الماء كالسمكة . { وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ } الآية ، الواو لا ترتب وهذا النداء كان قبل جري السفينة في قوله : وهي تجري بهم ، وفي إضافته إليه هنا . وفي قوله : ان ابني من أهلي ، وندائه دليل على أنه ابنه لصلبه ، قاله ابن عباس : والضمير في كان عائد على ابنه . وأدغم بعض القراء الباء في الميم في اركب معنا ، لاشتراكهما في أنهما من حروف الشفة ، ولذلك أبدلت في قول بعضهم باسمك ، يريدون ما اسمك ، ونداؤه بالتصغير خطاب تحنن ورأفة . والمعنى اركب معنا في السفينة فتنجو . { وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } فتهلك . وظن ابن نوح أن ذلك المطر والتفجر على العادة ولذلك : { قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ } أي من وصول الماء إليّ فلا أغرق . وهذا يدل على تماديه في الكفر وعدم وثوقه بأبيه فيما أخبر . وقيل : والجبل الذي عناه طور زيتا فلم يمنعه . والظاهر إبقاء عاصم على حقيقته وانه نفي كل عاصم من أمر الله في ذلك الوقت وان من رحم يقع فيه من على المعصوم . والضمير الفاعل يعود على الله تعالى . وضمير الموصول محذوف ويكون الاستثناء منقطعاً ، أي لكن من رحمه الله معصوم . { وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ } أي بينه وبين نوح عليه السلام . قيل : كانا يتراجعان الكلام فما استتمت المراجعة حتى جاءت موجة عظيمة وكان راكباً على فرس قد بطر وأعجب بنفسه فالتقمته وفرسه . وحيل بينه وبين نوح فغرق . { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ } الآية ، في هذه الآية أحد وعشرون نوعاً من البديع المناسبة في قوله : اقلعي وابلعي والمطابقة بذكر الأرض والسماء . والمجاز في قوله : يا سماء والمراد مطر السماء . والاستعارة في قوله : اقلعي . والإِشارة في قوله : وغيض الماء فإِنها إشارة إلى معان كثيرة ، والتمثيل في قوله : وقضي الأمر عبر بإِهلاك الهالكين ونجاة الناجين بلفظة فيها بعد عن لفظة الموضوع له ، والارداف في قوله : واستوت على الجودي ، فقوله : استوت ، كلام تام وعلى الجودي مردف قصداً للمبالغة في التمكن بهذا المكان . والتعليل في قوله : وغيض الماء ، فإِن ذلك علة الاستواء وصحة التقسيم باستيعاب اقسام الماء في حالة نقصه إذ ليس إلا احتباس ماء السماء واحتقان ماء الأرض ، وغيض الماء حاصل على ظهرها ، والاحتراس في قوله : وبعداً للقوم الظالمين وهو أيضاً ذم لهم ودعاء عليهم والإِيضاح بقوله : الظالمين بين أنهم هم القوم الذين سبق ذكرهم في قوله : { وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ } [ هود : 38 ] . فالألف واللام في القوم للعهد لو سقط لفظة القوم هنا لحصل لبس في المعنى والمساواة فلفظها مساوٍ لمعناها وحسن النسق لعطف قضايا بعضها على بعض ، والإِيجاز لذكر القصة باللفظ القصير مستوعباً للمعاني الجمة والتسهيم ، لأن أول الآية يا أرض ابلعي ، فاقتضى آخرها ويا سماء اقلعي . والتهذيب لأن مفردات الألفاظ موصوفة بكمال الحسن كل لفظة سهلة مخارج الحروف عليها رونق الفصاحة وحسن البيان والتمكين لأن الفاصلة مستقرة في قرارها . والتجنيس في قوله : اقلعي وابلعي . والمقابلة في قوله : يا أرض ابلعي ويا سماء اقلعي . والذم في قوله : بعداً للقوم الظالمين . والوصف قصة القصة ووصفها بأحسن وصف بحيث استعمل نعوت ألفاظها وصفات معانيها ، فما أعظم إعجازها من آية عدة ألفاظها تسع عشرة لفظة فيها أحد وعشرون نوعاً من البديع . والجودي اسم جبل . وهذا النداء والخطاب بالأمر هو استعارة مجازية ، وعلى هذا جمهور الحذاق ، وقيل : إن الله تعالى أحدث فيهما إدراكاً وفهماً لمعاني الخطاب . وروي ان إعرابياً سمع هذه الآية فقال هذا كلام القادرين . ومعنى : { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ } الآية ، أراد أن يناديه ولذلك أدخل الفاء إذ لو أراد حقيقة النداء والاخبار عن وقوعه منه لم تدخل الفاء في فقال وإلا لسقطت ، والواو في هذه الجملة لا ترتب أيضاً وذلك أن هذه القصة كانت أولى ما ركب نوح السفينة . ومعنى من أهلي أي الذي أمرت أن أحملهم في السفينة بقوله تعالى : { ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ } [ هود : 40 ] ولم يظن أنه داخل فيمن استثناه الله تعالى بقوله : { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } [ هود : 40 ] لظنه أنه مؤمن . وعموم قوله : ومن آمن ، يشمل المؤمن من أهله ومن غيرهم . وحسَّن الخطاب بقوله : وان وعدك الحق . ومعنى ليس من أهلك على قول من قال انه ابنه لصلبه ، أي الناجين ، أو الذين عمّهم الوعد ومن زعم أنه ربيبه فهو ليس من أهله حقيقة إذ لا نسبة بينه وبينه بولادة فعلى هذا نفى ما قدر أنه داخل في قوله : وأهلك ثم علل انتفاء كونه ليس من أهله . بـ { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } والضمير في أنه عائد على ابن نوح . وقرىء : عمل غير صالح منوناً غير رفعاً صفة له فاحتمل قوله : انه أن يكون على حذف مضاف تقديره أيْ انّ عمله عمل غير صالح أو يكون الحذف في عمل تقديره انه ذو عمل غير صالح ، أو جعله نفس العمل مبالغة في ذمه . وقرىء : وعمل فعلاً ماضياً وغير منصوب به . ومعنى قوله : { فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي إذ وعدتك فاعلم يقيناً أنه لا خلف في الوعد فإِذا رأيت ولدك لم يحمل فكان عليك أن تقف وتعلم أن ذلك لحق واجب عند الله تعالى . وعلى هذا القدر وقع عتابه ولذلك جاء بترفق وتلطف في قوله : { إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } وان أسألك في المستقبل ما لا علم لي بصحته تأديباً واتعاظاً بموعظتك .