Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 4-5)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً } ؛ الآيةُ متَّصلةٌ بما قبلَها ، فإنَّ معناهُ : نحن نقصُّ عليكَ أحسنَ القصص ، إذ قالَ يوسفُ لأبيهِ . قرأ طلحة بن مصرف ( يُوسِفُ ) بكسرِ السين ، ثم قرأ ابنُ عبَّاس ( يَا أبَتَ ) بفتح التاء في جميعِ القرآن ، وأصلهُ على هذا يا أبَتَا ، ثم حُذفت الألف ، وأبقى فتحةً دلالةً عليها ، قال رُؤبة : @ تَقُولُ بنْتِي قَدْ أنَى أنَاكَا يَا أبَتَا عَلَّكَ أَوْ عَسَاكَا @@ وقرأ الباقون ( يَا أبَتِ ) بالكسرة على الإضافةِ يقدِّرُها بعدَها ، وَقِيْلَ : كُسرت ؛ لأنَّها أُجريت مجرَى التأنيثِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً } قال المفسِّرون : رأى يوسفُ عليه السلام هَذِهِ الرُّؤيا وهو ابنُ اثنى عشرَ سنةً ، قال ابنُ عبَّاس : ( وذلِكَ أنَّهُ قَالَ لأَبيهِ : يَا أبَتِ إنِّي رَأيْتُ فِي الْمَنَامِ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً نَزَلَتْ مِنْ أمَاكِنِهَا فَسَجَدَتْ لِي ، وَرَأيْتُ { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } ؛ نَزَلاَ مِنْ أمَاكِنِهمَا فَسَجَدَا لِي ، وأرَادَ بذلِكَ سَجْدَةَ التَّحِيَّةِ وَالْعِبَادَةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، كَمَا يَقُومُ الْمَلاَئِكَةُ بالسُّجُودِ لآدَمَ عليه السلام ) . قال : ( وَكَانَتِ الرُّؤْيَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، وَكَانَ تَأْويلُ رُؤيَاهُ عِنْدَ يَعْقوبَ : أنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ هُوَ فِي حَالَتِهِ ، وَأنَّ أُمَّ يُوسُفَ وَهِيَ رَاحِيلُ كَانَتْ قَدْ مَاتَتْ ، وَأنَّ الأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً إخْوَةُ يُوسُفَ وَكَانُواْ أحَدَ عَشَرَ أخاً ، وإنَّهُمْ كُلُّهُمْ سَيَخْضَعُونَ لِيُوسُفَ ) . وَإنَّمَا تَأَوَّلَهَا يَعْقُوبُ عَلَى ذلِكَ ؛ لأنَّهُ لاَ شَيْءَ أضْوَأُ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَيَهْتَدِي بضَوْئِهِمَا أهْلُ الأَرْضِ ، ثُمَّ لاَ شَيْءَ بَعْدَهُمَا أضْوَأُ مِنَ الْكَوَاكِب ، فَدَلَّتْ رُؤْيَاهُ عَلَى أنَّ الَّذِي يَخْضَعُونَ لَهُ أئِمَّةُ الْهُدَى الَّذِينَ يَهْتَدِي النَّاسُ بهِمْ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } ؛ ثانياً ليس بتكرارٍ ؛ لأنه أرادَ بالرُّؤية الثانية رؤيةَ سُجودِهم له ، وإنما حُملت الآية على الرؤيا لا على رؤيةِ العين ؛ لأنا نعلمُ أن الكواكبَ لا تسجدُ حقيقةً للآدميِّين ، ولهذا قال يعقوبُ : { لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ } . وعن ابنُ عبَّاس أنَّهُ قَالَ : ( لَمَا قَصَّ يُوسُفُ رُؤْيَاهُ عَلَى أبيهِ نَهَرَهُ وَزَجَرَهُ لِئَلاَّ يَفْطَنَ إخْوَتُهُ ، وَقَالَ لَهُ فِي السِّرِّ : إذا رَأيْتَ رُؤْيَا بَعْدَهَا لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إخْوَتِكَ ) . فذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } ؛ لأن رؤيا الأنبياء وحيٌ ، يعلم يعقوب أن الإخوة إذا سمعوا بها حسَدوهُ فأمرَهُ بالكتمان ، وإنما كان قَصَّهَا على يعقوبَ فقط ، وهذا القولُ أقربُ إلى ظاهرِ الآية ، أي لا تُخبرهُم بذلك لئَلاَّ يحمِلُهم الحسدُ إلى قصدِكَ بسوءٍ ، ومن الخضوعِ له على إنزال التثريب عليه والاحتيالِ لهلاكه ، والكَيْدُ : هو طلبُ الشرِّ بالإنسان على جهةِ الغَيْظِ عليه . اختُلِفَ فيما عناهُ فيه هذه اللامِ التي في قولهِ تعالى : { فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } قال بعضُهم : معناهُ : فيَكِيدُوكَ واللامُ صِلَةٌ كقولهِ تعالى : { لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } [ الأعراف : 154 ] ، وقال بعضُهم : هو مثلُ قولِهم : نصَحتُكَ ونَصحتُ لكَ وأشباههِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } ؛ أي إنَّ الشيطان عدوٌّ ظاهرُ العدوان لبني آدمَ ، فلا تذكُرْ رؤياكَ لإخوتِكَ ؛ لئلا يحملُهم الشيطان على الحسَدِ وإنزال الضُّرِّ بكَ . وهذا أصلٌ في جوازِ تركِ إظهار النِّعمة عند مَن يُخشى حسدهُ وكَيدهُ ، وإنْ كان الله تعالى : قال : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [ الضحى : 11 ] ، وعن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ : " اسْتَعِينُواْ عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بالْكِتْمَانِ ، فَإنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ " .