Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 127-128)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلَهُ تَعَالَى : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ } ؛ قيل : إنَّ الله تعالى خَلَقَ موضِعَ البيت قبل أن يخلُقَ الأرضَ بألفي عامٍ ، وكان ربوةً بيضاءَ على الماءِ فَدُحِيَتِ الأرضُ من تحتها ، فلَّما أهبطَ اللهُ آدمَ إلى الأرض كان رأسهُ يلمس السماءَ حتى صَلُعَ ، وأورثَ أولادَه الصلعَ . ونفرت مِن طولهِ دوابُّ الأرض . وكان يسمعُ كلامَ أهل السماء وتسبيحَهم ، ويأنَسُ إليهم . فاشتكت نفسُه فقبضهُ الله إلى ستينَ ذِراعاً بذراع آدم . فلما فقدَ آدمُ ما كان يسمع من أصواتِ الملائكة وتسبيحَهم استوحشَ وشَكَى إلى اللهِ ، فأنزلَ الله ياقوتة من ياقوتِ الجنة لها بابان من زُمُرُّدَةٍ خضراءَ ؛ بابٌ شرقي وباب غربيٌّ ، وفيه قناديلُ من الجنة ، فوضعه على موضعِ البيت الآن . ثم قال : يا آدَمُ إنِّي أهبطتُ لكَ بيتاً يُطَّوَّفُ به كما يطافُ حول عرشي ، ويصلَّى عنده كما يصلَّى عند عرشي . وأنزلَ عليه الحجرَ ليمسح به دموعَهُ وكان أبيضَ . قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الْحَجَرَ يَاقُوتَةٌ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ ، وَلَوْلاَ مَا مَسَّهُ الْمُشْرِكُونَ بأنْجَاسِهِمْ مَا مَسَّهُ ذُو عَاهَةٍ إلاَّ شَفَاهُ اللهُ تَعَالَى " فتوجَّه آدمُ من أرض الهندِ إلى مكَّة ماشياً ، وقُيِّضَ له مَلَكٌ يدلُّه على البيتِ . قيل : لِمجاهدٍ : يا أبَا الحجَّاج ؛ ألاَ كان يركبُ ؟ قال : وأيُّ شيْءٍ يحملهُ ! فوالله إن خطوتَه مسيرةُ ثلاثةِ أيام ، وكلُّ موضعٍ وضعَ عليه قدمه صارَ عمراناً ، وما تعدَّاه صارَ مَفَاوزاً وقِفَاراً . فأتَى مكةَ وحجَّ البيتَ وأقام المناسكَ ؛ فلما فرغَ تلقَّته الملائكةُ فقالوا : برَّ حَجُّكَ يا آدمُ ، فلقد حَجَجْنَا هذا البيتَ قبلَك بألفي عام . قال ابن عباس : ( حَجَّ آدَمُ أرْبَعِيْنَ سَنَةً مِنَ الْهِنْدِ إلَى مَكَّةَ عَلَى رجْلَيْهِ ؛ فَكَانَتِ الْكَعْبَةُ كَذَلِكَ إلَى أيَّامِ الطُّوفَانِ ، فَرَفَعَهَا اللهُ إلَى السَّمَاءِ الرَّابعَةِ ، فَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفُ مَلَكٍ ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ إلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَبَعَثَ اللهُ جِبْرِِيْلَ حَتَّى جَاءَ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ فِي جَبَلِ أبي قُبَيْسٍ صِيَانَةً لَهُ عَنِ الْغَرَقِ ، فَكَانَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ خَالِياً إلَى زَمَنِ إبْرَاهِيْمَ عليه السلام ، ثُمَّ أمَرَ اللهُ إبْرَاهِيْمَ بَعْدَمَا وُلِدَ إسْمَاعِيْلُ وَإسْحَاقُ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أنْ يَبْنِيَ بَيْتاً لَهُ يُعْبَدُ وَيُذْكَرُ فِيْهِ . فَلَمْ يَدْر إبْرَاهِيْمُ أيْنَ يَبْنِي ؟ فَسَأَلَ اللهَ أنْ يُبَيِّنَ لَهُ مَوْضِعَهُ ، فَبَعَثَ اللهُ إلَيْهِ السَّكِيْنَةَ لِتَدُلَّهُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ ؛ وَهِيَ ريْحٌ مَجُوجٌ لَهَا رَأْسَانِ تُشْبهُ الْحَيَّةَ ، فَتَبعَهَا إبْرَاهِيْمُ حَتَّى أتَيَا مَكَّةَ ، فَجَعَلَتِ السَّكِيْنَةُ تَطُوفُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ كَمَا تَطُوفُ الْحَيَّةُ . وَأُمِرَ إبْرَاهِيْمُ أنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ لِتَسْتَقِرَّ السَّكِيْنَةُ . فَبَنَاهُ ) وهذا قولُ عَلِيٍّ كَرَمَّ اللهُ وَجْهَهُ . قال ابن عباس رضي الله عنه : ( بَعَثَ اللهُ سَحَابَةً عَلَى قَدْر الْكَعْبَةِ فَجَعَلَتْ تَسِيْرُ وَإبْرَاهِيْمُ يَسِيْرُ فِي ظِلِّهَا إلَى أنْ وَافَتْ مَكَّةَ وَوَقَفَتْ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ ، وَنُودِيَ : يَا إبْرَاهِيْمُ إِبْنِ عَلَى ظِلِّهَا لاَ تَزِيْدُ وَلاَ تُنْقِصُ ، فَبَنَى بخَيَالِهَا ) . وقال بعضُهم : أرسلَ اللهُ جبريلَ ليدُلَّهُ على موضعِ البيتِ وذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } [ الحج : 26 ] . فَبَنَى إبراهيمُ وإسماعيل البيتَ ؛ كان إبراهيمُ يَبْنِيَهُ وإسماعيلُ يناولُهُ الحجارةَ والملائكةُ ينقلون الحجارةَ من خمسة أجْبُلٍ : طُور سَيْنَاءَ ؛ وطور زَيْنَاءَ ؛ والْجُودِيِّ ؛ وَلُبْنَانَ ؛ وَحِرَاءَ . قيل : إنَّ قواعدَه من حِرَاءَ . فلما انتهى إبراهيم إلى موضع الحجر الأسود قال لإسماعيل : ائتني بحَجَرٍ حَسَنٍ يكون للناس عَلَماً ؛ فأتاهُ بحجرٍ ؛ فقال : ائتني بحجرٍ أحسنَ من هذا ؛ فمضى إسماعيلُ ليأتِيَ بحجرٍ فصاح أبو قُبيس : يَا إبراهيمُ إن لكَ عندي وديعةً فخُذها ، فأخذَ الحجر الأسودَ ووضعهُ مكانه . وقيل : إنَّ الله تعالى أمدَّ إبراهيم وإسماعيل بتسعةِ أملاكٍ يُعِيْنُوهُمَا على بناءِ البيت ، فلما فَرَغَا من بنائه جَثَيَا على الرُّكَب وقالاَ : { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } . فقيل : قد فُعِلَ لكما ، فقالاَ : { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } ؛ فقيل : قد فُعِلَ لكما ذلك ، فقالا : { وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } ؛ أي موحِّدين مخلصين . والقواعدُ هي أساسُ الكعبةِ ؛ كذا قال الكلبيُّ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي بنِيَّاتِنَا . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } قرأ عوفُ : ( مُسْلِمِيْنَ ) على الجمعِ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } أي واجعل من ذرِّيتنا أمةً مخلصة لكَ بالتوحيدِ والطاعة . { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } ؛ أي عَرِّفنا مُتَعَبَّدَاتِنَا وشرائعَ دِيننا وأعلامَ حَجِّنا . وأصلُ النُّسُكِ الْعِبَادَةُ ، ويقال : للعابدِ : نَاسِكٌ . وقرأ ابنُ مسعود : ( وَأرهِمْ مَنَاسِكَهُمْ ) ردَّه إلى الأمَّةِ . وقرأ قتادة وابنُ كثير بسكونِ الراء في جميعِ القرآن . وقرأ أبو عمرٍو باختلاسِ كسْرَة الراء . وقرأ الباقون بكسْرِ الراء . فأجابَ اللهُ دُعاءَهما ؛ فبعثَ اللهُ جبريلَ عليه السلام فأراهُما المناسكَ في يوم عرفةَ ، فلما بلغَ عرفات قال : يَا إبْرَاهِيْمُ عَرَفْتَ ؟ . قال : نَعَمْ ؛ فسُمِّيَ الْوَقْتُ عَرَفَةَ ، والموضعُ عرفات . قَوْلَهَ تَعَالَى : { وَتُبْ عَلَيْنَآ } ؛ أي وَتَجَاوَزْ عن ذُنوبنا الصغائرِ ؛ لأن ذنوبَ الأنبياءِ لا تكون إلاَّ الصغائر . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } ؛ أي المتجاوزُ الرجَّاعُ بالرحمة على عبادهِ .