Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 203-203)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } ؛ يعني اذكروا اللهَ تعالى بالتكبيرِ إدبار الصلوات وعند الجمراتِ ، يكبر مع كلِّ حصاةٍ ؛ وغيرها من الأوقاتِ . واختلفوا في الأيام المعدوداتِ ؛ فروي عن ابنِ عباس والحسنِ ومجاهد وعطاء والضحاكِ والنخعي : ( أنَّ الأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ : أيَّامُ التَّشْرِيْقِ ؛ وَالأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ : أيَّامُ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ) ؛ وهكذا رُوي عن أبي حنيفةَ وأبي يوسف ومحمدٍ . وروي أيضاً عن ابنِ عباسٍ : ( أنَّ الأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ : أيَّامُ الْعَشْرِ ، وَالأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ : أيَّامُ النَّحْرِ ) . ولا شكَّ أن في هذه الرواية غلطاً وهي خلافُ الكتاب ؛ لأنَّ الله تعالى عقَّب الأيامَ المعدودات بقوله : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } ؛ وليس في العشرِ حكمٌ بتعليقِ يومين دون الثالث . وعن أبي يوسف : ( أنَّ الْمَعْلُومَاتِ : أيَّامُ النَّحْرِ ، وَالْمَعْدُودَاتِ : أيَّامُ التَّشْرِيْقِ ) ؛ قال هذا القولَ استدلالاً من الآيتين ؛ لأنَّ الله تعالى قال في ذِكر الأيامِ المعلومات : { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } [ الحج : 28 ] . وقال في هذه الآية : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } ، فيومَ النَّحر على هذه الرواية من المعلوماتِ دون المعدوداتِ ؛ وآخرِ أيام التشريق من المعدوداتِ دون المعلوماتِ ؛ واليومُ الثاني والثالثُ من أيام النحرِ من المعلوماتِ والمعدودات جميعاً . والجوابُ عن استدلالِ أبي يوسف من الآيتين : أنَّ لفظَ المعلومات يقتضي الشُّهرة ولفظَ المعدودات يقتضي تقليلَ العدد كما في قوله : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } [ يوسف : 20 ] فاقتضى الظاهرُ أنَّ المعدوداتَ أقل من المعلوماتِ ؛ ويحتملُ أنْ يكون معنى { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } [ الحج : 28 ] لِمَا رزقهم كما قال اللهُ تعالى : { وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } [ البقرة : 185 ] أي لِما هداكم ، فكأنَّ اللهَ تعالى أرادَ بالمعلوماتِ أيامَ العشر ؛ لأنَّ فيها يومَ النحر وفيه الذبحُ ، ويكون ذلك اليومُ بتكرار سنين عليه أيَّاماً . وأما الذِّكْرُ المذكورُ في هذه الآية فهو الذِّكْرُ عندَ رَمْيِ الجِمار في أيامِ التشريق . وقال بعضُهم : هو التكبيرُ في إدبار صلاةِ العصر في هذه الأيام ؛ يكبَّر من صلاة الغداةِ مِن يوم عرفة إلى صلاةِ العصر من آخر آيامِ التشريقِ عند جماعةٍ من الفقهاء . والتأويلُ الأولُ أصحُّ وأقرب إلى ظاهرِ القرآن ؛ لأن اللهَ تعالى عقَّب الذكرَ في هذه الآية بقوله : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } أي من تعجَّل الرجوعَ إلى أهلهِ فلا إثمَ عليه في تركِ الرمي في اليوم الثالث ؛ { وَمَن تَأَخَّرَ } ؛ إلى آخرِ النَّفْرِ وأقام هنالكَ في اليوم الثالث ، { فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لِمَنِ ٱتَّقَىٰ } ؛ أي لِمن اتَّقى الإثمَ والفسوقَ والتفريطَ في حقوق الحجِّ كلها . وأما مَن لم يَتَّقِ فغيرُ موعود له الثوابُ . وقال ابنُ عمر وابنُ عباس وعطاءُ وعكرمة ومجاهدُ وقتادة والضحاك والنخعيُّ والسديُّ : ( مَعْنَى الآيَةِ : فَمَنْ تَعَجَّّلَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أيَّامِ التَّشرِيْقِ فَنَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أيَّامِ التَّشْرِيْقِ ؛ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ فِي تَعْجِيْلِهِ ، وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنِ النَّفْرِ فِي الثَّانِي مِنْ أيَّامِ التَّشْرِيْقِ إلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَتَّى يَنْفِرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ ؛ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ فِي التَّأْخِيْرِ ، فَإنْ لَمْ يَنْفِرْ فِي الْيَوْمِ الثًّانِي وَأقَامَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ؛ فَلْيُقِمْ إلَى الْغَدِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَرْمِي الْجِمَارَ ثُمَّ يَنْفِرُ مَعَ النَّاسِ ) . وقال بعضُهم : معنى الآيةِ : فمن تعجَّل في يومين فهو مغفورٌ له لا إثْمَ عليه ولا ذنبَ ، ومن تأخَّر فكذلك ، وهو قولُ عليِّ بن أبي طالب وأبي الدَّرداء وابنِ مسعودٍ والشعبي . قال معاويةُ بن قرة : ( خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) . وقال يحيى بنُ إسحاقَ : سَأَلْتُ مُجَاهِداً عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : ( مَعْنَاهُ : فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ إلَى قَابلٍ ، وَمَنْ تَأَخَرَّ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ أيْضاً إلَى قَابلٍ ) . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { لِمَنِ ٱتَّقَىٰ } ؛ قال الكلبيُّ : ( مَعْنَاهُ : لِمَنِ اتَّقَى قَتْلَ الصَّيْدِ ، فَإنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ أنْ يَقْتُلَ صَيْداً حَتَّى يُخْلِفَ أيَّامَ التَّشْرِيْقِ ) . وقال قتادةُ : ( مَعْنَاهُ : لِمَنِ اتَّقَى أنْ يُصِيْبَ فِي حَجَّتِهِ شَيْئاً مِمَّا نَهَى اللهُ عَنْهُ ) . وقال أبُو العاليةِ : ( مَعْنَاهُ : فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى اللهَ فِيْمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ ) . وكان ابنُ مسعود يقولُ : ( إنَّمَا جُعِلَ مَغْفِرَةً للذُّنُوب لِمَنِ اتَّقَى اللهَ فِي حَجِّهِ ) . قال ابنُ جُرَيْجٍ : ( وَهِيَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِاللهِ : فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى اللهَ ) . وعنِ ابن عباسٍ : ( مَعْنَاهُ : لِمَنِ اتَّقَى عِبَادَةَ الأَوْثَانِ وَمَعَاصِيَ اللهِ ) . فَإنْ قيل كيفَ قال اللهُ تعالى : { وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } ؛ ومعلومٌ أنَّ مَن تأخر إنَّما تأخَّرَ لإقامةِ واجبٍ ، فلا يليقُ بحاله أن يقالَ : فلا إثمَ عليه ، بل يليقُ أن يقال : ومن تأخرَ كان أعظمَ لأجرهِ ؟ قيل : هذا على مزاوجةِ الكلامِ . وَقِيْلَ : إنَّ رَمْيَ الجمار لا يجوزُ أن يكون تطوُّعاً ؛ إذ المتنفلُ به يكون غائباً ؛ فلمَّا قال اللهُ تعالى : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } أوْهَمَ ذلك كونَ الرميِ في ذلك اليومِ الثالث تطوُّعاً ؛ لأنَّ هذا تخييرٌ بين فعلهِ وتركه ، فقالَ تعالى : { وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } لِيُبَيِّنَ أنَّ هذا واجبٌ خُيِّرَ بين فعله . فَصْلٌ : والأيامُ الْمُسَمَّاةُ في الحجِّ ستةُ أيام : يومُ التَّرْويَةِ ؛ ويوم عرفَةَ ؛ ويوم النَّحْرِ ؛ ويوم القَرِّ ؛ ويوم النَّفْرِ ؛ ويومُ الصَّدْر . وسُمي يوم الترويةِ لأنَّ جبرائيل عليه السلام قال لإبراهيمَ عليه السلام : [ احْمِلْ رَيَّكَ مِنَ الْمَاءِ ] . وأما عرفةَ فقد ذكرنا لِمَ سُمي به ، ويومُ النَّحر معلومٌ ؛ ويوم القَرِّ لاستقرار الناس بمِنى ، ويوم النَّفْرِ لأنَّهم ينفرونَ من مِنى إلى مكةَ ، ويومُ الصَّدر لأنَّهم يصدرون إلى أهاليهم . ورميُ الجمار مشروعٌ في يوم القرِّ والنفرِ والصدر ؛ وهي أيامُ التشريق . قولهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } ؛ هذا أمرٌ لهم بالتقوى في مستقبلِ أعمارهم ؛ أي لا تَتَّكِلُواْ فيما أسلفتم من أعمال البرِّ ، ولكن زيدوا في الطاعة في باقي العُمْرِ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي في الآخرةِ يجازيكم بأعمالكم ؛ إذِ الحشرُ إنَّما يكون للمجازاةِ ، ومن تصوَّر أنه لا بُد من حَشْرٍ ومحاسبةٍ ومساءلةٍ ؛ ولا بد من أحدِ أمرين : إمَّا الجنة وإما النارُ ، يدعوهُ بذلك إلى التقوَى والتشديدِ . والْحَشْرُ في اللغة : هو الْجَمْعُ للناسِ مِن كلِّ ناحِيةٍ ؛ وَالْمَحْشَرُ هو الْمَجْمَعُ ؛ فيكونُ معنى الآية : { وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي تُجْمَعُونَ .