Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 255-255)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } ؛ ذكر وحدانيةِ الله تعالى وصفتهِ ؛ لِيُعْلِمَ أنَّ مَن كان بهذه الصفةِ لا يخفى عليه كُفْرُ مَن كَفَرَ ومعصيةُ من عصَى ؛ فيجازي كُلَّ عابدٍ على مَا عَمِلَ . فأولُ هذه الآية نفيُ معبودِ الكفَّار وإثباتُ معبودِ المؤمنين ؛ وإثباتُ الشيءِ مع نفي غيرهِ أبلغُ في الإثبات ، كأنه قالَ : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } دون غيرهِ ، وهو المعبودُ لا معبودَ للخلقِ سواهُ . ومعنى { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } الدائمُ الذي لا يَموت موصوفٌ بالبقاءِ على الأبدِ ، وبه حَيَّى كلَّ حيٍّ . وأما القيومُ فهو القائمُ بتدبيرِ الخَلْقِ في شأنِهم وأرزاقِهم وأعمالهم وآجالِهم ومجازاتِهم على عملهم ، وقيل : معنى القيومُ العالِمُ بالأمور من قولهم : فلانٌ يقومُ بهذا الكتاب ؛ أي يُحسنه ويعلمُ ما فيه . وقيل : معنى { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } الدائمُ الذي لا يزولُ . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } ؛ أي لا يأخذه نُعَاسٌ ولا نوم . والنُّعَاسُ : اسمٌ لأوَّلِ ما يدخلُ في الرأسِ من النومِ قبل وصولِه إلى القلب . والنومُ هو الذي يصلُ إلى القلب فيُستثقَلُ . ومعنى الآية : لاَ يغفلُ عن تدبيرِ الخلق ، فإن قيل : ما معنى نفي النومِ بعد نفي النعاسِ ؟ قلنا : مثلُ هذا اللفظِ إنَّما يكونُ لنفي قليلِ النوم وكثيرهِ ، ونظيرهُ قول العرب : فلانٌ لا يَملكُ قليلاً ولا كثيراً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ؛ أي هو مالك السموات والأرض وما فيهما ، كلهم عبيده وإماؤه وتحت قبضته وقدرته . قَوْلُهُ تَعَالَى : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } ؛ هذا جواب عن قول المشركين في أصنامهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] و { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ؛ أي لا يشفع أحدٌ لأحد عند اللهِ إلا بأمره ورضائه ، كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض بالدعاء ، وكما يشفع الأنبياء للمؤمنين . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } ؛ أي { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من أمرِ الآخرةِ ، { وَمَا خَلْفَهُمْ } مِن أمر الدنيا . قال مجاهدُ : على العكسِ من هذا . وقيل : يعلمُ الغيبَ الذي تَقَدَّمَهُمْ والذي يكونُ بعدَهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } ؛ أي لا يعلمونَ الغيبَ لا مِمَّا تقدَّمَهم ولا مِمَّا يكون بعدَهم إلا بما شاءَ اللهُ أن يعلموه ، وهو ما أنْبَأَ به الأنبياءَ صلواتُ اللهِ عليهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } ؛ قال ابن عباس : ( كُرْسِيُّهُ : عِلْمُهُ ) ، فَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ . وقيل : وَسِعَتْ قدرتهُ التي يُمسك بها السماوات والأرضَ . وقال الحسنُ : ( الْكُرْسِيُّ : هُوَ الْعَرْشُ ) ، ويقال : هو سريرٌ دونَ العرشِ ، ويقال : هو مكانٌ خَلَقَ اللهُ فيه السمواتِ والأرضَ . وقال عطاءُ والكلبي ومقاتلُ : ( السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُونَ السَّبْعُ تَحْتَ الْكُرْسِيِّ فِي الصِّغَرِ كَحَلَقَةٍ فِي فَلاَةٍ ) وقال الكلبيُّ : ( يَحْمِلُ الْعَرْشَ أرْبَعَةُ أمْلاَكٍ ، لِكُلِّ مَلَكٍ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ ؛ وَجْهُ إنْسَانٍ ، وَوَجْهُ ثَوْرٍ ، وَوَجْهُ أسَدٍ ، وَوَجْهُ نَسْرٍ . أقدامُهم في الصخرةِ التي تحتَ الأرضين بمسيرة خمسمائةِ عامٍ ، وبين السماءِ السابعةِ وبين الكرسيِّ مسيرةُ خمسمائةِ عام ، والعرشُ فوقَ الماءِ ) . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } ؛ أي لا يُثْقِلُهُ ولا يَشُقُّ عليه حِفْظُ السماوات والأرض ، وقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ } ؛ أيِ الْعَلِيُّ عن الأشباهِ والأمثالِ وصفات الْمُحْدَثِيْنَ ، عظيمُ الشأن والسلطانِ والبُرهان . روى محمدُ بن الحنفية قال : ( لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ خَرَّ كُلُّ صَنَمٍ فِي دَار الدُّنْيَا ؛ وَخَرَّ كُلُّ مَلِِكٍ فِي الدُّنْيَا عَلَى وَجْهِهِ ؛ وَسَقَطَتِ التِّيْجَانُ عَنْ رُؤُوسِهِمْ ، وَهَرَبَتِ الشَّيَاطِيْنُ وَضَرَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى اجْتَمَعُواْ إلَى إبْلِيْسَ فَأَخْبَرُوهُ بذَلِكَ ، فَأَمَرَهُمْ أنْ يَبْحَثُواْ ؛ فَجَاءُواْ إلَى الْمَدِيْنَةِ فَبَلَغَهُمْ أنَّ آيَةَ الْكُرْسِيِّ نَزَلَتْ ) . وعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ ؛ أعْطَاهُ اللهُ قُلُوبَ الشَّاكِرِيْنَ وَأعْمَالَ الصِّدِّيْقِيْنَ وَثَوَابَ النَّبيِّيْنَ ، وَبَسَطَ عَلَى يَمِيْنِهِ بالرَّحْمَةِ ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلاَّ أنْ يَمُوتَ فَيَدْخُلُهَا ، وَمَنْ قَرَأهَا حِيْنَ يَأْخُذُ مَضْجِعَهُ أمَّنَهُ اللهُ وَجَارَهُ وَجَارَ جَارهِ وَالدُوَيْرَاتِ حَوْلَهُ " .