Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 21-22)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } ؛ قال المفسِّرون : تَعْذِيْبُهُ إيَّاهُ أن ينتفَ ريشَهُ ثُم يلقيهِ في الشَّمسِ فلا يَمنَعُ مِن نَمْلَةٍ ولا مِن شيءٍ من هَوَامِّ الأرضِ . ويقالُ : هو قصُّ جناحهِ ، ويجوزُ أن يُعَاقَبَ بأن لا يجرِي عليه القلمُ على وجهِ التأديب ، كما يؤدِّبُ الأبُ ولده الصغير . وَقِيْلَ : تعذيبهُ أن يَنْتِفَ ريشَهُ ويدعَهُ مُمَعَّطاً في بيتِ النملِ فيلدغوهُ . وَقِيْلَ : معناهُ : لأَشُدَّنَّ رجلَيْهِ وألقيَهُ في الشَّمْسِ ، وَقِيْلَ : لأَطْلِيَنَّهُ بالقَطْرِ وأجعلَهُ في الشَّمسِ . وَقِيْلَ : لأفرِّقنَّ بينَهُ وبين إلْفِهِ . وَقِيْلَ : لأمنعنَّهُ من خدمَتي . قولهُ تعالى : { أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ } ؛ أي لأقْطَعَنَّ حَلْقَهُ ، { أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } ؛ أي بحجَّةٍ ظاهرة توجبُ عُذْرَهُ في غيبتهِ ، وقصَّتهُ : أنَّ سليمانَ عليه السلام لَمَّا فرغَ من بناءِ بيت المقدسِ عَزَمَ على الخروجِ إلى أرضِ الْحَرَمِ ، فتجهَّزَ للسيرِ واستصحبَ مِن الْجِنِّ والإنسِ والشَّياطينِ والطُّيور والوحوشِ ما بلغَ معسكرهُ مِائَةَ فرسخٍ ، وأمرَ الرِّيحَ فحملَتْهم ، فلما وَافَى الحرمَ أقامَ به ما شاءَ اللهُ أن يُقيمَ ، وكان ينحرُ كلَّ يومٍ مدَّةَ إقامتهِ خمسةَ آلافِ ناقة ، ويذبحُ خمسةَ آلاف ثورٍ ، وعشرون ألفَ شاةٍ ، وأقامَ بمكَّةَ حتى قضَى نُسُكَهُ . ثُم سارَ إلى أرضِ اليمن فوافََى صنعاءَ اليمنِ وقتَ الزَّوالِ ، فأحبَّ النُّزولَ ليُصَلِّي ويتغدَّى ، فطلَبُوا الماءَ فلم يجدوهُ ، وكان الهدهدُ دليلَهُ على الماءِ ، فلما نَزَلَ سليمانُ قال الهدهدُ : إنَّ سليمانَ قد اشتغل بالنُّزولِ ، فارتفعَ الهدهدُ إلى جهةِ السَّماء ، فنظرَ يَميناً وشِمالاً فرأى خُضْرَةَ بساتين مَأْربَ في أرضِ بلقيسَ ، فمالَ إلى جهةِ الْخُضْرَةِ ، فالتقَى بهُدهُدٍ من هدهُدِ سََبَأ ، فقال لهُ : مِن أينَ أقبلْتَ وأينَ تريدُ ؟ قال : أقبلتُ من الشَّامِ مع نبيِّ الله سُليمانَ عليه السلام ، قال لهُ : ومَن سليمانُ ؟ قال : مَلِكُ الإنسِ والجنِّ والشياطين والوحوشِ والطُّيور . ثُم قال له هدهدُ سُليمانَ : وأنتَ مِن أين أقبلتَ ؟ قال : مِن هذه البلادِ ، قال : ومَن مَلِكُهَا ؟ قال : امرأةٌ يقالُ لها بَلْقِيْسُ ؛ مَلَكَتِ اليمنَ كلَّها وتحتَها اثنا عشرَ ألفَ قائدٍ ، مع كلِّ قائدٍ مائة ألفِ مقاتل ، فهل أنتَ منطلقٌ معي ننظرُ إلى مُلْكِها ؟ قال : أخافُ أن يَفْقِدَنِي سليمانُ في وقتِ الصَّلاة إذا احتاجَ إلى الماءِ ، فقال لهُ هدهدُ بلقيس : إنَّ صاحبَكم يسرُّهُ أن تأتيهِ بخبرِ هذه الملكةِ . فانطلقَ معهُ ونظرَ إلى بلقيسَ ومُلكِها ، وما رجعَ إلاّ وقتَ العصرِ . قال : فلما نزلَ سليمانُ ودخلَ عليه وقتُ الصَّلاة ، طلب الهدهدَ لأنه نزلَ غير ماءٍ ، فسألَ الإنسَ عن الماءِ فقالُوا : ما نعلمُ هنا ماءً ، فسأل الجنَّ والشياطينَ فلم يعلَمُوا ، ففقدَ الهدهد فلم يجدْهُ ، فدعا بعفريتِ الطير النِّسْر ، فسألَهُ عن الهدهدِ ، فقال : ما أدري أينَ ذهبَ ، فغَضِبَ سليمانُ عند ذلك ، وقالَ { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي بحجَّة . ثُم دعَا بالعقاب وقال لهُ : عَلَيَّ بالهدهدِ الساعةَ ، فرفعَ العقابُ نفسه حتى التزقَ بالهواءِ وارتفعَ حتى نظرَ إلى الدُّنيا كالقَصْعَةِ في يَدَي أحدِكم ، ثُم التَفَتَ يَميناً وشِمالاً ، فإذا هو بالهدهُدِ مقبلٌ من نحوِ اليَمَنِ ، فانقضَّ العقابُ نحوه يريدهُ ، فلما رأى الهدهدُ ذلك عَلِمَ أن العُقابَ يقصدهُ بسوءٍ ، فناشده اللهَ تعالى ، فقال لهُ : بحَقِّ الذي قَوَّاكَ وأقدركَ عَلَيَّ إلاّ رَحِمْتَنِي ولا تتعرض لِي بسوءٍ ، فولَّى العقابُ عنه وهو يقولُ له : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ! إنَّ نبي اللهِ قد حلفَ لَيُعَذِّبَنَّكَ أو ليَذْبَحَنَّكَ ، ثُم طارَا متوجِّهين نحوَ سُليمانَ . فلما وصلَ إليه قال له العُقابُ : قد جئتُكَ يا نبيَّ الله ، فلما قَرَّبَ إليه الهدهدَ رفع رأسَهُ وأرخَى ذَنْبَهُ وجناحيه يَجُرُّهُمَا على الأرضِ تَوَاضُعاً لسليمانَ ، فلما دَنَا منهُ ، قال لهُ : أيْنَ كُنْتَ ؟ لأُعَذِّبَنَّكَ عَذاباً شَديداً ، فقال له الهدهدُ : يا نبيَّ اللهِ ؛ اذكُرْ وقوفَكَ بين يَدَي اللهِ سُبْحَانَهُ ، فلما سَمع ذلك سليمانُ ارتعدت فَرَائِصُهُ فَعَفَا عَنْهُ . ثُم قالَ له : ما أبْطَأَكَ عنِّي ؟ فقال : أحَطْتُ بمَا لَمْ تُحِطْ بهِ ، وذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ } ؛ أي لَم يلبَثْ إلاّ يَسيراً حتى جاءَ الهدهدُ ، { فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } ؛ أي علمتُ شيئاً من جميعِ جهاته ، وَقِيْلَ : معناهُ : اطَّلَعْتُ على ما لَم تَطَّلِعْ عليهِ ، وجِئْتُكَ بأمرٍ لَم يُخبرْكَ به الجنُّ والإنسُ ، وبَلَغْتُ ما لَم تَبْلُغْهُ أنتَ ولا جميعُ جنودكَ ، { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } ؛ أي بخبرِ صدقٍ ولا شكَّ فيه . وقُرئ { مِن سَبَإٍ } بالتنوينِ قال الزجَّاجُ : ( مَنْ لَمْ يَصْرِفْهُ فَلأَنَّهُ اسْمُ مَدِيْنَةٍ تُعْرَفُ مِنَ الْيَمَنِ ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَنْعَاءَ مَسِيْرَةُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ ، وَمَنْ صَرَفَهُ ؛ فَلأَنَّهُ اسْمُ الْبَلَدِ ، وَيَكُونُ مُذكَّراً سُمِّيَ بهِ مُذكَّر ) . وفِي الحديثِ : " أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ سَبَإٍ ، فَقَالَ : " كَانَ رَجُلاً لَهُ عَشْرَةٌ مِنَ الْبَنِيْنِ ، تَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ ، وَتَشَامَّ أرْبَعَةٌ … " وسنذكرُ أسماءَهم وقصَّتَهم في سورةِ سَبَأ إنْ شاءَ اللهُ تعالى . قرأ عاصمُ ويعقوب ( فَمَكَثَ ) بفتح الكافِ ، وقراءةُ العامَّة بضمِّ الكاف ، وهما لُغتان .