Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 104-104)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } ؛ أي لِيَكُنْ منكم جَمَاعَةٌ يدعونَ إلى الصُّلح والإحسان ، ويأمرونَ بالتوحيد واتِّباع مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وسائرِ الطَّاعات الواجبةِ ؛ { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } ؛ والشِّرْكِ وسائرِ ما لا يُعْرَفُ في شريعةٍ ولا سُنَّةٍ ، { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } ، أي النَّاجُونَ من السَّخَطِ والعذاب ، وإنَّما قال : { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ } ولم يقُلْ : وليَكُن مِنْكُمْ جَمِيْعُكُمْ ؛ لأنَّ الأمرَ بالمعروف والنهيَ عنِ المنكر فَرْضٌ على الْكِفَايَةِ ، إذا قَامَ به البعضُ سَقَطَ عن الباقين ، ويجوزُ أن يكون المرادُ بالأُمَّةِ العلماءَ في هذه الآية الذين يُحْسِنُونَ ما يَدْعُونَ إليه . وذهب بعضُ المفسِّرين الى أنَّ المعنى : ولتكونوا كُلُّكُمْ ، لكنْ ( مِنْ ) هُنا دخلت للتوكيدِ وتخصيصِ المخاطَبين من سائرِ الأجناسِ كما في قولهِ تعالى : { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } [ الحج : 30 ] أي فاجتنبوا الأوثانَ فإنَّها رجسٌ ؛ لا أنَّ المرادَ : فاجتنبوا بَعْضَ الأوثانِ دون بعضٍ ، واللامُ في { وَلْتَكُن } لامُ الأمرِ . وقولهُ : { يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ } أي إلى الإسلامِ ، ثم النهيُ عن المنكرِ على مراتبٍ ؛ أوَّلُها : الوعظُ والتَّخويفُ ، فإن زالَ بذلكَ لم يَجُزْ للناهي أن يَتَعَدَّى عنهُ إلى غيره ما فوقَه ، ثم بالإيذاءِ والنِّعال ، ثم بالسَّوْطِ ، ثم بالسِّلاح والقتالِ ؛ لأن المقصودَ زوالُ المنكرِ . فَأمَّا إذا كان النَّاهي عن المنكرِ خائفاً على نفسِه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبقَلْبهِ ؛ وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيْمَانِ " وقالَ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أمَرَ بالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَهُوَ خَلِيْفَةُ اللهِ فِي أرَضِهِ ؛ وَخَلِيْفَةُ رَسُولِهِ ؛ وَخَلِيْفَةُ كِتَابِهِ " وقَالَ صلى الله عليه وسلم : " أؤُمُروْا بالْمَعْرُوفِ وَإنْ لَمْ تَعْمَلُواْ بهِ كُلِّهِ ، وَانْهَواْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإنْ لَمْ تَنْتَهُواْ عَنْهُ كُلَّهُ " وقال عليٌّ رضي الله عنه : ( أفْضَلُ الْجِهَادِ الأَمْرُ بالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَشَنْأَنُ الْفَاسِقِيْنَ ) . وَقَالَ أبُو الدَّرْدَاءِ : ( لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ وَتَنْهُوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ؛ وإلاَّ لَيُسَلِّطَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً ظَالِماً لاَ يُجِلُّ كَبيْرَكُمْ وَلاَ يَرْحَمُ صَغِيْرَكُمْ ، وَيَدْعُو أخْيَارُكُمْ فَلاَ يُسْتجَابُ لَهَمْ ؛ يَسْتَنْصِرُونَ فَلاَ يُنْصَرُونَ ؛ وَيَسْتَغْفِرُونَ فَلاَ يُغفَرُ لَكُمْ ) . وقال حذيفة : ( يَأَتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لأَنْ يَكُونَ فِيْهِمْ جِيْفَةُ حِمَارٍ أحَبُّ إلَيْهِمْ مِنْ مُؤْمِنٍ يَأْمُرُهُمْ بالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ) ، وقال الثوريُّ : ( إذا كَانَ الرَّجُلُ مَحْبُوباً فِي جِيْرَانِهِ مَحْمُوداً عِنْدَ إخْوَانِهِ ، فَاعْلَمْ أنَّهُ مُدَاهِنٌ ) .