Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 14-14)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ } ؛ بيَّنَ الله بهذه الآية إنَّ ما بُسِطَ للمشركين من زَهْرَةِ الدُّنيا وزينَتِها هو الذي يَمنعهم من تصديقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يدعوهم إليه . والمعنى : حُسِّنَ للناسِ حبُّ اللَّذات والشهواتِ والمشتهياتِ من النساء والبنين ، بدأ بالنساءِ لأنَّهن حبائلُ الشيطان وأقربُ إلى الإفتتان ويحملْنَ الرجالَ على قطعِ الأرحام والآباء والأمَّهات وجمعِ المال من الحلالِ والحرامِ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْبَنِينَ } قال صلى الله عليه وسلم : " هُمْ ثَمَرَةُ الْقُلُوب وَقُرَّةُ الأَعْيُنِ ؛ وَإنَّهُمْ مَعَ ذلِكَ لَمَجْبَنَةٌ مَبْخَلَةٌ " قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ } مِنَ القناطيرِ ، جمع قِنْطَارٍ ، واختلفوا فيه ، فقال الربيعُ : ( الْقِنْطَارُ هُوَ الْمَالُ الْكَثِيْرُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ ) . وقال ابنُ كيسان : ( هُوَ الْمَالُ الْعَظِيْمُ ) . وعن أبي هُريرة : قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " الْقِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ ألْفَ أوْقِيَّةٍ " ، وعن أنسٍ : " أنَّ الْقِنْطَارَ ألْفُ مِثْقَالٍ " وعن مُعَاذ : " ألْفٌ وَمِائَتَا أوْقِيَّةٍ " وعن أنسٍ أيْضاً عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " ألْفَا مِثْقَالٍ " وعن عكرمةَ : " مِائَةُ ألْفٍ وَمِائَةُ مَنٍّ وَمِائَةُ رَطْلٍ وَمِائَةُ مِثْقَالٍ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ " وقيل القنطارُ : ما بينَ السماء والأرضِ من المال ، وَقِيْلَ : مِلْءُ مَسْكِ ثورٍ ذهباً وفضَّة ، وقال ابنُ المسيَّب وقتادةُ : ( ثَمَانُونَ ألْفاً ) . وعن مجاهدٍ : ( سَبْعُونَ ألْفاً ) . وعن الحسنِ أنه قالَ : ( الْقِنْطَارُ مِثْلُ دِيَةِ أحَدِكُمْ ) . وحاصلهُ أن القنطارَ : هو المالُ الكثير . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱلْمُقَنْطَرَةِ } ؛ قال قتادةُ : ( أيِ الْمُنَضَّدَةُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ) . وقال بعضُهم : المقنطرةُ : المدفونةُ . وقال السديُّ : ( الْمَضْرُوبَةُ الْمَنْقُوشَةُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { مِنَ الذهَب وَالْفِضَّةِ } سُمي الذهبُ ذهباً لأنه يَذْهَبُ ولا يبقى ، والفضةُ لأنَّها تَنْفَضُّ أي تتفرَّقُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } الخيلُ جمعٌ لا واحدَ له من لفظهِ ، واحده فَرَسٌ ، والْمُسَوَّمَةِ هي الرواتعِ من السَّوْمِ وهو الرعيُ ، قال اللهُ : { شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } [ النحل : 10 ] أو تكون من السِّيْمَا ؛ وهي العلامةُ من الأوضَاحِ والغُرَّةُ التي تكون في الخيل . وقال السديُّ : ( الْمُسَوَّمَةُ : هِيَ الْوَاقِفَةُ ) . وقال مجاهدٌ : ( الْحِسَانُ ) وقال الأخفشُ : ( هِيَ الْمُعَلَّمَةُ ) . وقال ابنُ كيسان : ( الْبُلْقُ ) . روي عن عليٍّ رضي الله عنه قال : قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " لَمَّا أرَادَ اللهُ أنْ يَخْلُقَ الْخَيْلَ قَالَ لِلرِّيْحِ الْجَنُوب : إنِّي خَالِقٌ مِنْكِ خَلْقاً فَأجْعَلُهُ عِزّاً لأَوْلِيَائِي ؛ وَمَذلَّةً لأَعْدَائِي ؛ وَجَمَالاً لأَهْلِ طَاعَتِي ، ثُمَّ خَلَقَ مِنْهَا فَرَساً وَقَالَ لَهُ : خَلَقْتُكَ وَجَعَلْتُ الْخَيْرَ مَعْقُوداً بنَاصِيَتِكَ ؛ وَالْغَنَائِمَ مَجْمُوعَةً عَلَى ظَهْرِكِ ؛ وَعَطَّفْتُ عَلَيْكَ صَاحِبَكِ ؛ وَجَعَلْتُكَ تَطِيْرُ بلاَ جَنَاحٍ ؛ وَأنْتَ لِلطَّلَب وَأنْتَ لِلْهَرَب ، وَسَأَجْعَلُ عَلَى ظَهْرِكَ رجَالاً يُسَبحُونَنِي وَيَحْمَدُونَنِي وَيُهَلِّلُونَنِي ويُكَبرُونَنِي " وقيل : خلَق اللهُ خيلاً تلقى أعناقُها كأعناق البُخْتِ ، فلما أرسلَها إلى الأرضِ واستوت أقدامُها صَهَلَ فرسٌ منها فقيل لهُ : بُوركْتَ من دابَّة ، أذلَّ بصهيلِكَ المشركينَ ، أذلَّ به أعناقَهم واملأْ به آذانَهم ، وأرْعِبْ به قلوبَهم ، فاختارَ الفرس ، فقيل له : اخترتَ عزَّكَ وعزَّ ولدِك ، ما خلقتُ خَلْقاً أعزُّ إلَيَّ منكَ ومنهُ . وعن أبي هريرة قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيْهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " ، وعن أنسٍ قال : " لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أحَبَّ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ النِّسَاءِ مِنَ الْخَيْلِ " وعن أبي ذرٍّ قال : قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ فَرَسٍ عَرَبيٍّ إلاَّ يُؤَذنُ لَهُ عِنْدَ كُلِّ فَجْرٍ بدَعْوَةٍ فَيَقُولُ : اللَّهُمَّ مَنْ خَوَّلْتَنِي مِنْ بَنِي آدَمَ وَجَعَلْتَنِي لَهُ ، فَاجْعَلْنِي أحَبَّ أهْلِهِ وَمَالِهِ إلَيْهِ " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ارْتَبطُواْ الْخَيْلَ وَامْسَحُواْ بنَوَاصِيْهَا ، وَعَلَيْكُمْ بكُلِّ كُمَيْتٍ أغَرٍّ مُحَجَّلٍ أوْ أدْهَمٍ أغَرٍّ مُحَجَّلٍ " وعن أبي هُريرةَ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ الشِّكَالَ مِنَ الْخَيْلِ " وهو أن يكون له ثلاثُ قوائِمَ محجَّلة وأخرى مطلقةٍ ، أو يكون الثلاثُ مطلقةً والرابعةُ محجَّلة ، ولا يكونُ الشِّكالُ إلاَّ في الرِّجل دون اليدِ . وقال صلى الله عليه وسلم : " الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثَةٍ : الْمَرْأةُ وَالْفَرَسُ وَالدَّارُ " وقال صلى الله عليه وسلم : " الْخَيْلُ ثَلاَثَةٌ : فَرَسٌ لِلرَّحْمَنِ ؛ وَفَرَسٌ لِلإنْسَانِ ؛ وَفَرَسٌ لِلشَّيْطَانِ ، فَالَّذِي لِلرَّحْمَنِ مَا اتُّخِذ فِي سَبيْلِ اللهِ وَقُوتِلَ عَلَيْهِ أعْدَاءُ اللهِ ، وَأَمَّا فَرَسُ الإنْسَانِ فَمَا اسْتَبْطَنَ وَتَحَمَّلَ عَلَيْهِ ، وَأمَّا فَرَسُ الشَّيْطَانِ فَمَا رُوهِنَ عَلَيْهِ أوْ قُومِرَ عَلَيْهِ " قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ } الأنعامُ جمع النَّعَمِ ، وأشهرُ النَّعَمِ أكثر ما يستعملُ في الإبلِ ، وقد يقعُ على سائر المواشِي من البقرِ والغنم والإبل ، وقولهُ تعالى : { وَٱلْحَرْثِ } بمعنى الزَّرعِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ؛ أي هذا الذي ذكرتُ متاعُ الحياةِ الدنيا ، أيْ شيءٌ يُسْتَمْتَعُ به في الدُّنيا ثم يزولُ ويَفنى . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } ، أيْ حُسْنُ الْمَرْجِعِ والمنقلَب للمؤمنينَ وهو الجنةُ الباقية ، ثم بيَّنَ الله إنَّما أعدَّ اللهُ للمؤمنين في الآخرةِ خيرٌ من هِبَةِ الدُّنيا .