Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 18-18)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ } ؛ روى أنسٌ رضي الله عنه قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَن قرأ شَهِدَ الله أنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ عِنْدَ مَنَامِهِ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى مِنْهَا سَبْعِيْنَ ألْفَ خَلْقٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وعن سعيدِ بن جُبير قالَ : ( كَانَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلاَثُمِائَةٌ وَسُتُّونَ صَنَماً ؛ لِكُلِّ حَيٍّ مِنْ أحْيَاءِ الْعَرَب صَنَمٌ أوْ صَنَمَانِ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ أصْبَحَتْ تِلْكَ الأصْنَامُ كُلُّهَا وَقَدْ خَرَّتْ سُجَّداً ) . وعنِ ابن مسعودٍ أنهُ قالَ : [ مَنْ قَرَأ { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إلَى قَوْلِهِ : { إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الاِسْلاَمُ } وَقَالَ : أنَا أشْهَدُ بمَا شَهِدَ اللهُ بهِ وَأسْتَوْدِعُ اللهَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَهِيَ لِي وَدِيْعَةٌ عِنْدَهُ ؛ يُجَاءُ صَاحِبُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى : عَبْدِي عَهِدَ لِي وَأنَا أحَقُّ مَنْ وَفَّى بالْعَهْدِ ، أدْخِلُواْ عَبْدِي الْجَنَّةَ ] . ومعنى الآيةِ : قال محمدُ بن السائب الكلبيُّ : " لَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالْمَدِيْنَةِ قَدِمَ عَلَيْهِ حَبْرَانِ مِنْ أحْبَار الْيَهُودِ مِنَ الشَّامِ ، فَقَالَ أحَدُهُمَا لِصَاحِبهِ حِيْنَ أبْصَرَ الْمَدِيْنَةَ : مَا أشْبَهَ هَذِهِ الْمَدِيْنَةِ بمَدِيْنَةِ النَّبيِّ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، فَلَمَّا دَخَلاَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَرَفاهُ بالصِّفَةِ وَالنَّعْتِ ، فَقَالاَ لَهُ : أنْتَ مُحَمَّدٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالاَ : أنْتَ أحْمَدُ ؟ قَالَ : " أنَا مُحَمَّدٌ وَأحْمَدُ " . قَالاَ : فَإنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَإنْ أخْبَرْتَنَا بهِ آمَنَّا بكَ وَصَدَّقْنَاكَ ، قَالَ : " اسْأَلُواْ " . قَالاَ : أخْبرْنَا عَنْ أعْظََمِ شَهَادَةٍ فِي كِتَابِ الله تَعَالَى ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى علَى نَبيِّهِ هَذِهِ الآيَةَ { شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ } إلَى آخِرِهَا ، فَأَسْلَمَ الرَّجُلاَنِ وَصَدَّقَا برَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " قرأ أبو نُهيك وأبو الشَّعث ( شُهُدُ اللهِ ) بالمدِّ والرفعِ على معنى : هُمْ شهُدُ اللهِ الذين تقدَّم ذِكرهم . وقرأ المهلَّب : ( شَهَدَ اللهُ ) بالمدِّ والنصب على المدِّ . والآخرونَ ( شَهِدَ اللهُ ) على الفعلِ أي قَضَاءُ اللهِ ، ويقال : أخْبَرَ اللهُ . وقال مجاهدُ : ( حَكَمَ اللهُ ) . قرأ ابنُ السمؤل : ( شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ ) . وقرأ ابنُ عباسٍ : ( إنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ) بكسرِ الألف جعلهُ خَبَراً مستأنفاً ، وقال بعضُهم بكسرِه لأنَّ الشهادة قولٌ وما بعدَ القولِ مكسورٌ على الحكايةِ ، تقديرهُ : قَالَ اللهُ إنهُ لا إلَهَ إلاّ الله . قال المفضَّل : ( مَعْنَى الشَّهَادَةِ { شَهِدَ ٱللَّهُ } : الإخْبَارُ وَالإعْلاَمُ ، وَمَعْنَى الْمَلاَئِكَةِ وَالْمُؤْمِنِيْنَ بالإقْرَارِ ؛ كَقَوْلِهِ { شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا } [ الأنعام : 130 ] أيْ أقْرَرْنَا ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } ؛ معناه الأنبياءُ ، وقيلَ : المهاجرونَ والأنصَارُ ، وقيل : علماءُ المؤمنين أهلُ الكتاب : عبدُالله بن سلام وأصحابَه ، وقال الكلبيُّ والسديُّ : ( عُلَمَاءُ الْمُؤْمِنِيْنَ كُلُّهُمْ ، فَقَرَنَ اللهُ شَهَادَةَ الْعُلَمَاءِ بِشَهَادَتِهِ ، لأنَّ الْعِلْمَ صِفَةُ اللهِ تَعَالَى الْعُلْيَا وَنِعْمَتُهُ الْعُظْمَى ، وَالْعُلَمَاءُ أعْلاَمُ الإسْلاَمِ وَالسَّابقُونَ إلَى دَار السَّلاَمِ وَشَرْحُ الأَمْكِنَةِ وَحُجَجُ الأَزْمِنَةِ ] . وعن جابرِ بن عبدِالله قالَ : قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " سَاعَةٌ مِنْ عَالِمٍ يَتَّكِئُ عَلَى فِرَاشِهِ ، وَيَنْظُرُ فِي عِلْمِهِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ الْعَابِدِيْنَ سَبْعِيْنَ عَاماً " وعن أنسٍ رضي الله عنه قالَ : قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " تَعَلَّمُواْ الْعِلْمَ ، فَإنَّ تَعْلِيْمَهُ للهِ خِشْيَةٌ ، وَمُدَارَسَتَهُ تَسْبيْحٌ ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ ، وَتَعْلِيْمَهُ مَنْ لاَ يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ ، وَبَذَلَهُ لأَهْلِهِ قُرْبَةٌ ؛ لأنَّهُ مَعَالِمُ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ ، وَمَنَارُ سَبيلِ الْجَنَّةِ وَالنَّار ، وَهُوَ الأَُنْسُ فِي الْوَحْشَةِ ، وَالصَّاحِبُ فِي الْغُرْبَةِ ، وَالْمُحَدِّثُ فِي الْخَلْوَةِ ، وَالدَّلِيْلُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَاءِ ، وَالسِّلاَحُ عَلَى الأعْدَاءِ . يَرْفَعُ اللهُ بهِ أقْوَاماً فَيَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ قَادَةً ، يُقْتَدَى بهمْ وَتُقَصُّ آثارُهُمْ وَيُقْتَدَى بَأفْعَالِهِمْ ، وَيُنْتَهَى إلَى رَأْيهِمْ ، وَتَرْغَبُ الْمَلاَئِكَةُ فِي خِلَّتِهِمْ ، وَبأَجْنِحَتِهَا تَمْسَحُهُمْ ، وَفِي صَلاَتِهِمْ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ ، وَكُلُّ رَطْبٍ وَيَابسٍ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ ، حَتَّى حِيتَانَ الْبَحْرِ وَهَوَامَّهُ ، وَسِبَاعَ الأَرْضِ وَأنْعَامَهَا ، وَالسَّمَاءَ وَنُجُومَهَا ، ألاَ وَإنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوب عَنِ الْعَمَاءِ ، وَنُورُ الأبْصَار مِنَ الظُّلُمَاتِ ، يَبْلُغُ بالْعَبْدِ مَنَازِلَ الأَحْرَار وَمَجَالِسَ الْمُلُوكِ ، وَالْفِكْرُ فِيهِ يَعْدُلُ بالصِّيَامِ ، وَمُدَارَسَتُهُ بالْقِيَامِ ، وَبهِ يُعْرَفُ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ ، وَبهِ يُوصَلُ الأرْحَامُ ، يُلْهِمُهُ اللهُ السُّعْدَى ، وَيَحْرِمُهُ الأَشْقِيَاءَ " قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } ؛ أي بالْعَدْلِ ، ونصبَ { قَآئِمَاً } على الحال من شَهِدَ ، وقيل : من قولهِ { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ، ويجوزُ وقوع الحالِ المؤكَّد على الاسمِ في غير الإشارَة ، يقولُ : إنهُ زيدٌ معروفاً ؛ وهو الحقُّ مصدِّقاً . فإن قيل : الحالُ وصفُ هيئة الفاعلِ وذلك مما يقبلُ تغيير ؛ فهل يجوزُ من الله أن يزولَ عنه قيامهُ بالقسطِ ؟ قيل : هذا على مذهب الكوفيِّين لا يلزمُ ؛ لأنَّهم يسمُّونه على لفظِ القطع ، يعنونَ بالقطع : قطعَ المعرفةِ إلى لفظِ النَّكرة ، مثلَ قولهِ : { ٱلدِّينُ وَاصِباً } [ النحل : 52 ] كان أصلهُ الواصِبُ ، وهذا كان أصلهُ القائمُ ، فلما قطعت الألف واللام نُصِبَ . وأمَّا عند البصريِّين فالحالُ حَلالٌ من باب حل في الشيء وصار فيه حالٌّ يأتِي بعدَ الفعلِ يجوز عليه التغيير ، وحالٌ يأتِي بعدَ الاسمِ لا يجوزُ عليه التغيير ، وهذا مِن ذلكَ ، وكذلكَ قَوْلُهُ : { وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } [ هود : 72 ] . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ، قال جعفرُ الصَّادق : ( إنَّمَا كَرَّرَ الشَّهَادَةَ لأنَّ الأُوْلَى وَصْفٌ وَتَوْحِيْدٌ ، وَالثَّانِيَةُ رَسْمٌ وَتَعْلِيْمٌ ) أيْ قُولُوا { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } العزيزُ : الغالِبُ المنيعُ ، والحكيم : ذو الحكمَة في أمرهِ وسلطانه ، وقَوْلُهُ : { قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } أي قائمٌ بالتدبيرِ ؛ أي يُجري أفعالَه على الاستقامةِ .