Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 12-12)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ } " وذلك أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذا غَزَا أوْ سَافَرَ ، ضَمَّ الرَّجُلَ الْمُحْتَاجَ إلَى رَجُلَيْنِ مُوسِرَيْنِ يَخْدِمُهُمَا وَيُهَيِّءُ لَهُمَا طَعَامَهُمَا وَشَرَابَهُمَا ، وَيُصِيبُ مِنْ طَعَامِهِمَا ، فَضَمَّ سَلْمَانَ إلَى رَجُلَيْنِ مِنْ أصْحَابهِ فِي بَعْضِ أسْفَارهِ ، فَتَقَوَّمَ سَلْمَانُ مَعَهُمَا . فَاتَّفَقَ ذاتَ يَوْمٍ أنَّهُ لَمْ يُعِدَّ لَهُمَا شَيْئاً فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ ، فَلَمَّا قَدِمَا قَالاَ لَهُ : مَا صَنَعْتَ شَيْئاً ؟ قَالَ : لاَ ، قَالاَ : وَلِمَ ؟ قَالَ : غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ ، فَقَالاَ : انْطَلِقْ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاطْلُبْ لَنَا مِنْهُ طَعَاماً وَإدَاماً - وَقِيْلَ : إنَّهُمَا قَالاَ لَهُ : انْطَلِقْ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْأَلْهُ لَنَا فَضْلَ إدَامٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ - فَذهَبَ فَسَأَلَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " إنْطَلِقْ إلَى الْخَازنِ فَلْيُطْعِمُكَ إنْ كَانَ عِنْدَهُ " وَكَانَ الْخَازنُ يَوْمَئِذٍ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، فَانْطَلَقَ إلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ شَيْئاً . فَرَجَعَ إلَيْهِمَا فَأَخْبَرَهُمَا بذلِكَ ، فَقَالاَ : إنَّهُ بَخيلٌ يَأْمُرُهُ رَسُولُ اللهِ وَيَبْخَلُ هُوَ عَلَيْنَا ، فَقَالاَ فِي سَلْمَانَ : لَوْ بَعَثْنَاهُ إلَى بئْرٍ سَمِيحَةٍ لَقَالَ : لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ ! ثُمَّ جَعَلاَ يَتَجَسَّسَانِ هَلْ كَانَ عِنْدَ أُسَامَةَ مَا أمَرَ لَهُمَا بهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإدَامِ . فَلَمَّا جَاءَا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُمَا : " مَا لِي أرَى حُمْرَةَ اللَّحْمِ عَلَى أفْوَاهِكُمَا ؟ " قَالاَ يَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَنَاوَلْنَا يَوْمَنَا هَذا لَحْماً ؟ فَقَالَ : " ظَلْتُمَا تَأْكُلاَنِ لَحْمَ سَلْمَانَ وَأُسَامَةَ " فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِه الآيَةَ : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ } ؛ والظنُّ الذي هو الإثْمُ : أن يُعرَضَ بقلب الإنسان في أخيه ما يوجبُ الريبةَ فيحقِّقهُ من غيرِ سببٍ يوجبهُ ، كما رُوي في الخبرِ : " إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإنَّ الظَّنَّ أكْذبُ الْحَدِيثِ " " . وقولهُ تعالى : { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } التَّجَسُّسُ : البحثُ عن عيب أخيهِ الذي سترَهُ اللهُ عليه . ومعنى الآيةِ : خُذوا ما ظهرَ ودَعُوا ما سترَ اللهُ ولا تتَّبعوا عوراتِ الناس ، قال صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَجَسَّسُواْ ؛ وَلاَ تَحَاسَدُواْ ؛ وَلاَ تَبَاغَضُواْ ؛ وَلاَ تَدَابَرُواْ ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَاناً " . ورُوي : أنَّ رَجُلاً جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب رضي الله عنه قَالَ لَهُ : ( إنَّ فُلاَناً يُوَاظِبُ عَلَى شُرْب الْخَمْرِ ، فَقَالَ لَهُ : إذا عَلِمْتَهُ يَشْرَبُهَا فَأَعْلِمْنِي . فَأَعْلَمَهُ فَذهَبَ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى دَارهِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَقَالَ : أنْتَ الَّذِي تَشْرَبُ الْخَمْرَ ؟ فَقَالَ : وَأنْتَ تَتَجَسَّسُ عُيُوبَ الْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : تُبْتُ أنْ لاَ أعُودَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : وَأنَا تُبْتُ لاَ أعُودُ ) . وروى زيدُ بن أسلمَ : ( أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاب رضي الله عنه خَرَجَ ذاتَ لَيْلَةٍ وَمَعَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إذْ شَبَّتْ لَهُمَا نَارٌ ، فَأَتَيَا الْبَابَ فَاسْتَأْذنَا فَفُتِحَ لَهُمَا فَدَخَلاَ ، فَإذا رَجُلٌ وَامْرَأةٌ تُغَنِّي وَعَلَى يَدِ الرَّجُلِ قَدَحٌ ، فَقَالَ عُمَرُ لِلرَّجُلِ : وَأنْتَ بهَذا يَا فُلاَنُ ؟ فَقَالَ : وَأنْتَ بهَذا يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ عُمَرُ : مَنْ هَذِهِ مَعَكَ ؟ قَالَ : امْرَأتِي ، قَالَ : وَفِي الْقَدَحِ ؟ قَالَ : مَاءٌ زُلاَلٌ ، فَقَالَ لِلْمَرْأةِ : وَمَا الَّذِي تُغَنِّينَ ؟ فَقَالَتْ : أقُولُ : @ تَطَاوَلَ هَذا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ وَأرَّقَنِي أنْ لاَ حَبيبَ ألاَعِبُهْ فَوَاللهِ لَوْلاَ خِشيَةُ اللهِ وَالتُّقَى لَزَعْزَعَ مِنْ هَذا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ وَلَكِنَّ الْعَقْلَ وَالْحَيَاءَ يَكُفُّنِي وَأُكْرِمُ بَعْلِي أنْ تُنَالَ مَوَاكِبُهُ @@ ثُمَّ قَالَ : يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } قَالَ : صَدَقْتَ ، وَانْصَرَفَ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } ؛ أي لا يتناولُ بعضُكم بعضاً بظهرِ الغَيب بما يسوءُ مما هو فيه ، فإنْ يتناولْهُ بما ليس فيه فهو بُهْتَانٌ ، " وسُئل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن الغيبةِ فقال : " أنْ تَذْكُرَ مِنَ الرَّجُلِ مَا يَكْرَهُهُ إذا سَمِعَهُ " فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَإنْ كَانَ حَقّاً ؟ فَقَالَ : " وَإنْ كَانَ حَقّاً ، وَأمَّا إذا كَانَ بَاطِلاً فَهُوَ الْبُهْتَانُ " " . وعن جابرٍ قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " " إيَّاكُمْ وَالْغِيبَةَ ، فَإنَّ الْغِيبَةَ أشَدُّ مِنَ الزِّنَى " قِيلَ : وَكَيْفَ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " إنَّ الرَّجُلَ يَزْنِي وَيَتُوبُ ، فَيَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِ ، وَإنَّ صَاحِبَ الْغِيبَةِ لاَ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَغْفِرَ لَهُ صَاحِبُهُ " وقال صلى الله عليه وسلم : " إذا اغْتَابَ أحَدُكُمْ أخَاهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَهُ ، فَإنَّ ذلِكَ كَفَّارَةٌ لَهُ " . وعن ابنِ عمر رضي الله عنه قَالَ : " جَاءَ مَاعِزُ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إنِّي زَنَيْتُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى أقَرَّ أرْبَعَ مَرَّاتٍ ، فَأَمَرَ برَجْمِهِ ، فَمَرَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلَيْنِ يَذْكُرَانِ مَاعِزاً ، فَقَالَ أحَدُهُمَا : هَذا الَّذِي سَتَرَ اللهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ كَرَجْمِ الْكَلْب ، فَسَكَتَ عَنْهُمَا حَتَّى مَرَّا عَلَى جِيفَةِ حِمَارٍ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " إنْزِلاَ فَأَصِيبَا أكْلَةً مِنْهُ " فَقَالاَ : يَا رَسُولَ اللهِ أنْأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْجِيْفَةِ ؟ ! فَقَالَ : " فَمَا أصَبْتُمَا مِنْ لَحْمِ أخِيكُمَا أعْظَمُ عَلَيْكُمَا ، أمَا إنَّهُ الآنَ فِي أنْهَار الْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ فِيْهَا " " . وقال صلى الله عليه وسلم : " لَمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بقَوْمٍ لَهُمْ أظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَلُحُومَهُمْ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلاَءِ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أعْرَاضِهِمْ " وقال رجلٌ لابنِ سيرين : إنِّي قَدِ اغْتَبْتُكَ فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ ، قَالَ : ( إنِّي أكْرَهُ أنْ أُحِلَّ مَا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى ) . والغِيبَةُ في اللغة : هي ذِكرُ العيب بظهرِ الغيب ، وذِكرُ عيب الفاسق المصرِّ على فِسقِهِ بمعنى يرجعُ إلى قبائحِ أفعالهِ على وجه التحقيرِ له فليس بغيبة كما وردَ في الحديثِ : " اذْكُرُوا الْفَاجِرَ عَمَّا فِيْهِ كَيْ يَحْذرَهُ النَّاسُ " . وكان الحسنُ يقول في الحجَّاج : ( جَاءَنا أُخَيْفِشُ وَأُعَيْمِشُ ، يَخْرُجُ إلَيْنَا ثِيَاباً قَصِيرَةً ، وَاللهِ مَا عَرَفَ فِيهَا عَيْنَانِ فِي سَبيلِ اللهِ ، يُرَجِّلُ جُمَّتَهُ وَيَخْطُرُ فِي مِشْيَتِهِ ، وَيَصْعَدُ الْمِنْبَرَ فَيَهْدِرُ حَتَّى تَفُوتُهُ الصَّلاَةُ ، لاَ مِنَ اللهِ يَتَّقِي وَلاَ مِنَ النَّاسِ يَسْتَحِي ، فَوْقَهُ اللهُ وَتَحْتَهُ مِائَةُ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ ، لاَ يَقُولُ لَهُ قَائِلٌ : الصَّلاةُ أيُّهَا الرَّجُلُ ) ثم جعلَ الحسنُ يقول : ( هَيْهَاتَ وَاللهِ ! ! حَالَ دُونَ ذَلِكَ السَّيْفُ وَالسَّوْطُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } ؛ أي كما كرِهتُم أكلَ لحمِ الميت طَبعاً فاكرَهُوا غيبةَ الحيِّ عقلاً ، فإنَّ العقلَ أحقُّ أن يُتَّبَعَ من الطَّبعِ . ووجهُ تشبيهِ الغيبةِ لحمهِ مَيتاً أنَّ الاغتيابَ ذِكرٌ له بالسُّوءِ من غيرِ أن يُحِسَّ هو بذلكَ ، فهو بمنْزِلة الأكلِ من لحمه وهو ميِّت لا يحسُّ بذلك . وعن ابنِ عبَّاس أنَّهُ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَقَالَ : ( مَا أطْيَبَ ريحَكِ وَأعْظَمَ حُرْمَتَكِ ، وَلَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ حُرْمَتِكِ ، إنَّمَا جَعَلَكِ اللهُ حَرَاماً ، وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ دَمَهُ وَمَالَهُ وَعِرْضَهُ ، وَأنْ يُظَنَّ بهِ السُّوءُ ) . وعن الحسن أنه قِيْلَ لهُ : إنَّ أقْوَاماً يَجْلِسُونَ مَجْلِسَكَ وَيَحْفَظُونَ عَلَيْكَ سَقَطَ كَلاَمِكَ ثُمَّ يَغِيبُونَكَ ، فَقَالَ : طَمَّعْتُ نَفْسِي فِي جِوَار الرَّحْمَنِ وَطُولِ الْجِنَانِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النِّيرَانِ وَمُرَافَقَةِ الأَنْبيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ، وَلَمْ أُطْمِعْ نَفْسِي فِي السَّلاَمَةِ مِنَ النَّاسِ ، إنَّهُ لَوْ سَلِمَ مِنَ النَّاسِ أحَدٌ لَسَلِمَ مِنْهُمْ خَالِقُهُمْ ، فَإذا لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ خَالِقُهُمْ فَالْمَخْلُوقُ أجْدَرُ أنْ لاَ يَسْلَمَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَكَرِهْتُمُوهُ } ؛ أي كما كَرِهتُم هذا فاجتَنِبُوا ذِكرَهُ بالسُّوء غائباً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ؛ أي اتَّقوهُ في الغِيبةِ ، { إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ } ؛ على مَن تابَ ، { رَّحِيمٌ } .