Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 2-2)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } ؛ أراد به الْمَنَاسِكَ ؛ أي لا تَسْتَحِلُّوا مخالفةَ شيءٍ منها ، ولا تجاوزُوا مواقيتَ الحرمِ غيرَ مُؤَدِّيْنَ حقوقَها ؛ وذلك : أنَّ الأنصارَ كانوا لا يَسْعَوْنَ بين الصَّفَا والمروةِ ، وكان أهلُ مكَّة لا يخرجونَ إلى عَرَفَةَ فأمرَ اللهُ تعالى أنْ لا يترُكُوا شيئاً من الْمَنَاسِكِ . وقال الحسنُ : ( شَعَائِرُ اللهِ دِيْنُ اللهِ ) ؛ أيْ لاَ تُحِلُّوا فِي دِيْنِ اللهِ شَيْئاً مِمَّا لَمْ يُحِلَّهُ اللهُ . ويقالُ : هي حدودُ اللهِ في فرائضِ الشرعِ . والشَّعَائِرُ في اللغة : الْمَعَالِمُ ، والإشْعَارُ : الإعْلاَمُ ، وَالشَّعِيرَةُ وَاحِدَةُ الشَّعَائِرِ ؛ وهِيَ كُلُّ مَا جُعِلَ عَلَماً لِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } ؛ أي ولا تَسْتَحِلُّوا القَتْلَ والغارَةَ في الشَّهرِ الحرامِ ، وأرادَ بذلك الأشهُرَ الْحُرُمَ كلَّها ؛ وهي رَجَبٌ ؛ وذُو الْقَعْدَةِ ؛ وذُو الْحِجَّةِ ؛ وَالْمُحَرَّمُ ، إلاَّ أنه ذُكِرَ باسمِ الجنس كما في قولهِ تعالى : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 2 ] أرادَ به جِنْسَ الإنسانِ ، ولذلك استثنَى المطيعَ بقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ العصر : 3 ] . وكان في ابتداءِ الإسلامِ لا تجوزُ المُحَارَبَةُ في الأشهرِ الْحُرُمِ كما قالَ تعالى : { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } [ البقرة : 217 ] ، ثم نُسِخَ حرمةُ القتال في الشهرِ الحرام بقولهِ تعالى : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ } ؛ أي لا تُحِلُّوا الْهَدْيَ ؛ أي لا تَذْبَحُوهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ ؛ ولا تنتفِعُوا بهِ بعدَ أن جعلتموهُ للهِ ، ولا تَمنعوهُ أن يَبْلُغَ البيتَ . قَوْلُهَ تَعَالَى : { وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ } أي ولا تُحِلُّوا القلائدَ التي تكونُ في أعناقِ الهدايا ؛ أي لا تقطعُوها قبلَ الذبْحِ وتصدَّقوا بها بعدَ الذبحِ كما قالَ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ رضي الله عنه : " تَصَدَّقُوا بجَلاَلِهَا وَخِطَامِهَا ، وَلاَ تُعْطِي الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئاً " قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } ؛ معناهُ : ولا تسْتَحِلُّوا القَتْلَ والغارةَ على القاصدينَ المتوجِّهين نحوَ البيتِ الحرامِ ، وعنِ ابن عبَّاس رضي الله عنه : " أنَّ الآيَةَ وَرَدَتْ في شُرَيْحِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ هِنْدِ الْيَمَامِيِّ ، دَخَلَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالْمَدِيْنَةِ وَقَالَ : أنْتَ مُحَمَّدٌ النَّبيُّ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " قَالَ : إلاَمَ تَدْعُو ؟ قالَ : " أدْعُو إلَى شَهَادَةِ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ؛ وَأنِّي رَسُولُ اللهِ " . فَقَالَ : إنَّ لِي أمَرَاءَ أرْجِعُ إلَيْهِمْ وَأشَاورُهُمْ ، فَإنْ قَبلُوا قَبلْتُ . ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ عِنْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " لَقَدْ دَخَلَ بوَجْهِ كَافِرٍ وَخَرَجَ بعَقِبَي غَادِرٍ " . فَمَرَّ بسَرْحٍ لأَهْلِ الْمَدِيْنَةِ فَاسْتَاقَهَا ، وَانْطَلَقَ نَحْوَ الْيَمَامَةِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ يَقُولُ : * بَاتُوا نِيَاماً وَابْنُ هِنْدٍ لَمْ يَنَمْ * بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلاَمٌ كَالزُّلَمْ * * خَدَلَّجُ السَّاقَينَ خَفَّاقُ الْقَدَمْ * قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بسَوَّاقٍ حُطَمْ * * لَيْسَ برَاعِي إبلٍ وَلاَ غَنَمْ * وَلاَ بجزَّار عَلَى ظَهْرِ وَضَمْ * * هَذا أوَانُ الْحَرْب فَاشْتَدِّي زَلَمْ * وَقَدْ كَانَ عِنْدَ دُخُولِهِ عَلَى النَّّبيِّ صلى الله عليه وسلم خَلَّفَ خَيْلَهُ خَارجَ الْمَدِيْنَةِ وَدَخَلَ وَحْدَهُ . فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْقَابلِ ؛ خَرَجَ شُرَيْحُ نَحْوَ مَكَّةَ فِي تِجَارَةٍ عَظِيْمَةٍ فِي حُجَّاجِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مِنْ أهْلِ الْيَمَامَةِ وَهُمْ مُشْرِكُونَ ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُغِيْرُ بَعُضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَإذا كَانَ أشْهُرُ الْحَجِّ أمِنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعضاً ، وَإذا سَافَرَ أحَدُهُمْ فِي غَيْرِ الأَشْهُرِ الْحُرُمِ نَحْوَ مَكَّةَ قَلَّدَ هَدْيَهُ مِنَ الشَّعْرِ وَالْوَبَرِ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَدْيٌ قَلَّدَ رَاحِلَتَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رَاحِلَةٌ جَعَلَ فِي عُنُقِهِ قِلاَدَةً ، وَكَانُوا يَأْمَنُونَ بذلِكَ ، فَإذا رَجَعُوا مِنْ مَكَّةَ جَعَلُوا شَيْئاً مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ الْحَرَمِ فِي عُنُقِ الرَّاحِلَةِ فَيْأْمَنُوا ، فَلَمَّا سَمِعَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بخُرُوجِ شُرَيْحٍ وَأصْحَابهِ اسْتَأْذنُوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً } ؛ في موضعِ نَصْبٍ على الحالِ ، معناهُ : قَاصِدِيْنَ طالِبينَ رزْقاً بالتِّجارةِ ، { وَرِضْوَاناً } أي رضىً مِن اللهِ تعالى عَلَى عَمَلِهِمْ ، وَلاَ يرضَى عنهم حتَّى يُسْلِمُوا . وقال الحسنُ وقتادةُ : ( مَعْنَى رضْوَاناً ؛ أيْ يَرْضَى اللهُ عَنْهُمْ ؛ فَيُصْلِحُ مَعَاشَهُمْ وَيَصْرِفُ عَنْهُمْ الْعُقُوبَاتِ فِي الدُّنْيَا إذا كَانُوا لاَ يُقِرُّونَ بالْبَعْثِ ، ثُمَّ نُسِخَ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ذلِكَ تَعَرُّضَ الْمُشْرِكِيْنَ بقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 5 ] كَافَّةً ، وَبقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } [ التوبة : 28 ] ) . وقرأ الأعمشُ ( وَلاَ آمِّينَ ) أي البيتَ الحرامَ بالإضافةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ } ؛ أي لا يحملَنَّكم ويكسبنَّكم بُغْضُ قومٍ وعداوتُهم بأن صرفوكُم عامَ الْحُدَيْبيَةِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ على أن تَظْلِمُوهُمْ ، وتتجاوزُوا الحدَّ للمكافأةِ . وموضع : { أنْ تَعْتَدُوا } نَصْبٌ لأنه مفعولٌ ، و { أَنْ صَدُّوكُمْ } مفعولٌ لهُ ، كأنهُ قال : لا يَكْسِبَنَّكُمْ بغضُ قومٍ الاعتداءَ عليهم بصدِّهم إيَّاكم . قرأ أهلُ المدينةِ إلاَّ قالون ابنَ عامرٍ والأعمش : ( شَتْآنُ ) بجزمِ النُّون الأُولى . وقرأ الآخرون بالفَتْحِ وهُما لُغتان ؛ إلاّ أنَّ الفتحَ أجودُ لأنه أفْهَمُ اللُّغتين ، ولأنَّ المصادِرَ أكثرُ ما تجيءُ على ( فَعَلاَنُ ) مثل النَّفَيَانِ وَالرَّتَقَانِ والعَسَلاَنِ ونحوُ ذلك . قال ابنُ عبَّاس : ( مَعْنَى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } أيْ وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمْ ) . وقال الفرَّاءُ : ( وَلاَ يَكْسِبَنَّكُمْ ) ، قال : ( يُقَالُ : فُلاَنٌ جَرِيْمَةُ أهْلِهِ ؛ أيْ كَاسِبُهُمْ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَن صَدُّوكُمْ } قرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرو بكسرِ الألفِ على الاستئناف والجزاءِ ، وقرأ الباقون بالفتحِ ؛ أي لئن صَدُّوكُمْ ، والفتحُ أجودُ ؛ لأن الصَدَّ كان وَاقِعاً من الكفَّار يومَ الحديبيةِ قبل نُزُولِ هذه السورةِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ } ؛ أي تَحَاثُّوا على الطَّاعةِ وترك المعصيةِ ، قال أبو العاليَةِ : ( الْبِرُّ : مَا أمِرْتَ بهِ ، وَالتَّقْوَى : تَرْكُ مَا نُهِيْتَ عَنْهُ ) . وظاهرُ الأمرِ يقتضي وجوبَ المعاونةِ على الطَّاعةِ ، وظاهرُ الأمرِ على الوُجُوب . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } ؛ أي لا يُعِنْ بعضُكم بعضاً على شيءٍ من المعاصي والظُّلْمِ ، وقال بعضُهم : سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإثْمِ وَالْبرِّ ؛ فَقَالَ : " الْبرُّ : حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالإثْمُ : مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } ؛ أي اخْشَوْهُ وأطيعوهُ فيما أمرَكم به ونَهاكم عنه ، { إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } إذا عَاقَبَ ، فعقابهُ شديدٌ .