Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 54-54)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } ؛ وذلكَ : أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا عيَّرَ المشركينَ بعبادةِ الأصنامِ بقوله : { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [ الأعراف : 53 ] سَأَلُوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا مُحَمَّدُ ؛ مَنْ رَبُّكَ الذي تدعُونا إليه ؟ فأرادُوا بذلك أن يَجْحَدُوا معنى في أسمائهِ ، وفي شيء من أفعاله فأنزلَ اللهُ تعالى هذه الآيةِ ، فتحيَّروا وعجَزُوا عن الجواب . ومعنى الآية : أنَّ خالِقَكم ورازقَكُم هو اللهُ الذي ابتدأ خَلْقَ السَّمَاواتِ والأَرض لا على مثالٍ سابق ؛ فَوَحِّدُوهُ يا أهلَ مكَّةَ واعبدوهُ وأطيعوهُ ؛ ودعُوا هذه الأصنامَ ؛ فإنَّها لم تَخْلُقْ سَماءً ولا أرضاً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } قال ابنُ عَبَّاس : ( أوَّلُهَا الأحَدُ وَآخِرُهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ ) . قال الحسنُ : ( هِيَ سِتَّةِ أيَّامٍ مِنْ أيَّامِ الدُّنْيَا ) . ويقالُ : في سِتَّةِ ساعاتٍ من ستة أيَّامٍ من أوَّل أيَّامِ الدُّنيا . ولو شاءَ لَخَلَقَهَا في أسرعِ من اللَّحظةِ ، ولكنه عَلَّمَ عبادَهُ التَّأَنِّي والرِّفْقَ والتدبيرَ والتثبُّتَ في الأمور . ٌَقَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } ؛ اختلفَ المفسِّرون في ذلكَ ؛ قال بعضُهم : يطلقُ الاستواءُ كما نَطَقَ به القُرْآنُ ولا يكيِّفُ ، كما أثْبَتَ اللهُ ولا نُكَيِّفُهُ . وهذا القولُ مَحْكِيٌّ عن مالكِ بنِ أنسٍ ، فإنه سُئِلَ عن معنى هذه الآية ؛ فقال : ( الاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ ، وَالإِيْمَانُ بهِ وَاجِبٌ ، وَالْجُحُودُ بهِ كُفْرٌ ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بدْعَةٌ ) . وقال بعضهُمْ : معنى { ٱسْتَوَىٰ } : اسْتَوْلَى ، كما يقال : اسْتَوَاء الأميرُ على بلدِ كذا ؛ أي اسْتَوْلَى عليهِ واحتوَى وأحرزه ، ولا يرادُ بذلكَ الجلوسُ . قال الشاعرُ : @ قَدِ اسْتَوَى بشْرٌ عَلَى الْعِرَاق مِنْ غَيْر سَيْفٍ ودَم مِهْرَاق @@ أراد بذلكَ بشْرَ بْنَ مَرْوَانٍ ، واستواءَهُ على العراقِ : لا الْمَلِكَ . وقال بعضُهم : لفظ الاستواءِ في الآيةِ كنايةٌ عن نَفَاذِ الأمْرِ وعِظَمِ القُدْرَةِ . وَقِيْلَ : معناهُ : ثُمَّ أقبلَ على خَلْقِ العرشِ وعَمَدَ إلى خَلْقِهِ ، وكذلكَ { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [ فصلت : 11 ] أي عَمَدَ إلى خَلْقِ السَّماءِ . فإن قِيْلَ : ما معنى دخول { ثُمَّ } في قولهِ تعالى : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } ، و { ثُمَّ } تكون للحَادِثِ ، واستيلاءُ اللهِ تعالى واقتدارهُ ومُلكه للأشياءِ ثابتٌ فيما لَمْ يَزَلْ ولاَ يزالُ ؟ قِيْلَ : معناه : ثُمَّ رَفَعَ العرشَ فوقَ السَّماواتِ واستولَى عليهِ . وإنَّما أدخلَ { ثُمَّ } مُتَّصِلةً في اللفظ بالاستواءِ ؛ لأن الدلالة قد دَلَّتْ من جهةِ العقل على أنَّ اقتدارَهُ على الأمور ثابتٌ فيما لم يزل . وهذا مثلُ قولهِ تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ } [ محمد : 31 ] أي حتى يُجَاهِدَ الْمُجَاهِدُونَ منكم ونحنُ عَالِمونَ بهم . ويقال : معنى { ثُمَّ } هنا بمعنى الواو على طريقِ الجمع والعطف دون التَّراخِي ، فإنَّ خَلْقَ العرشِ والاستيلاء عليه كان قَبْلَ خَلْق السَّماواتِ والأَرضِ . وقد وردَ في الخبر : " أنَّ أوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللهُ الْقَلَمُ ، ثُمَّ اللَّوْحُ ، فأَمَرَ اللهُ الْقَلَمَ أنْ يَكْتُبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْشَ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ " قَوْلُهُ تَعَالَى : { يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ } ؛ أي يُغْشِي بظلمةِ الليلِ ضوءَ النَّهارِ ، ولم يقل : ويُغْشِي النهارَ الليلَ ؛ لأنَّ الكلامَ دليلٌ عليه ، وقد بَيَّنَ في آيةٍ أخرى فقالَ : عَزَّ وَجَلَّ : { يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ } [ الزمر : 5 ] . وقرأ ( يُغَشِّي ) و ( يُغْشِي ) بالتشديد والتخفيفِ . وَقْوْلُهُ تَعَالَى : { يَطْلُبُهُ حَثِيثاً } ؛ أي يَطْلُبُ سوادُ الليلِ ضوءَ النَّهار سريعاً ؛ حتى يَغْلِبَ بسوادهِ بياضَهُ ، وكلُّ واحدٍ منهما في طَلَب صاحبهِ و تسييرهِ ما بَقِيَتِ الدُّنيا . وَالْحَثُّ : السريعُ في السَّوْقِ من غيرِ فُتُورٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ } ؛ أي وخَلَقَ منهُ الأشياءَ مُذلَّلاتٍ بالْمَسِيْرِ في ساعاتِ الليل والنَّهار ، جارياتٍ على مَجَاريْهِنَّ بمنافعِ بني آدمَ بأمرٍ الله وتدبيرهِ وصُنْعِهِ . ومن قرأ ( وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٍ ) كلُّها بالرفعِ فعلى الابتداء . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } ؛ كَلِمَةٌ تَنْبيْهٍ ؛ معناهُ : اعْلَمُوا أنَّ خَلْقَ الأشياءِ كلِّها للهِ ، وأنَّ الأمرَ - وهو القضاءُ - نافذٌ في خَلْقِهِ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ؛ أي تعالى اللهُ وهو ثابتٌ لَمْ يَزَلْ ولاَ يزالُ . ويقالُ : { تَبَارَكَ } تَفَاعَلَ من البركةِ ؛ أي البركةُ كلُّها من اللهِ تعالى ، واسْمُهُ بَرَكَةً لِمن ذكَرَهُ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أي خالِقُ الْخَلْقِ أجمعين . قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لَمْ يَحْمَدِ اللهَ عَلَى " مَا عَمِلَ مِنْ " عَمَلٍ صَالِحٍ وَحَمَدَ نَفْسَهُ ، قَلَّ شُكْرُهُ وَحَبطَ عَمَلُهُ . وَمَنْ زَعَمَ أنَّ اللهَ جَعَلَ لِلْعِبَادِ مِنَ الأَمْرِ شَيْئاً ، فَقَدْ كَفَرَ بما أنْزَلَ اللهُ عَلَى أنْبيَائهِ لِقَوْلِهِ تعالَى : { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } " قال الشاعرُ :