Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 2-3)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } إلى قوله { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } ( أكان ) : ( الألف ) ألف استفهام ، معناه : التوبيخ ، والتقرير ، والإنكار لتعجبهم من بعث الله عز وجل رجلاً منهم ، رسولاً إليهم . والمعنى : ليس بعجب قد علمتم أن الرسل من قبلكم كانت من بني آدم ، ولم تكن ملائكة . إنما تأتي الملائكة إلى الرسل بأمر الله ونهيه ( سبحانه ) وتأتيهم في صورة بني آدم . إذ لا يحتمل بنو آدم معاينة الملائكة . وقرأ ابن مسعود : ( أكان للناس عجب ) بالرفع جعل " أن أوحينا " في موضع نصب . وهو بعيد ، لأن المصدر معرفة . فهو أحق أن يكون اسم ( كان ) ( و ) ( عجباً ) : الخبر ، لأنه نكرة . ورفع " عجباً " على اسم " كان " جائز على ( ما ) بعده . ( و ) اللام في " الناس " متعلقة بـ " عجب " ، لا تتعلق بـ " كان " . ومعنى الآية : أن الله ، جلّ ذكره ، لما بعث محمداً رسولاً أنكر جماعة من العرب ذلك ، وقالوا : ( الله ) أعظم من أن يبعث بشراً رسولاً . فأنزل الله ( عز وجل ) : { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } ، ونزل / { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } [ يوسف : 109 ] هذا قول ابن عباس . وقال ابن جريج : عجبت قريش أن بعث رجلاً منهم ، فنزل ذلك . وروي أن أهل مكة قالوا : لم يجد الله رسولاً إلا يتيم أبي طالب فأنزل الله ( عز وجل ) ذلك . فالناس هنا : أهل مكة . وهذه الآية فيها ضروب من أخبار : ابتدأ تعالى بعجب ، ثم أخبر بالشيء الذي يوجب العجب عندهم ، وهو الوحي ، ثم أخبر عمن أنزل عليه ذلك الوحي ، ثم أخبر بالشيء الموحى ما هو . وهو الإنذار ، ثم أخبر بالبشارة للمؤمنين وأخبر بالمبَشر به ما هو ؟ وهو : كون القدم الصدق للمؤمنين عند ربهم ، ثم أخبر بجواب الكافرين عن ذلك : ( كل ذلك ) في آية واحدة . ومعنى { قَدَمَ صِدْقٍ } : قال الضحاك : " ثواب صدق " . وقال مجاهد : " الأعمال الصالحة " ، وهو اختيار الطبري . وقال ابن عباس : أجراً حسناً ( بما ) قدموا من ( صالح ) أعمالهم . وعن ابن عباس : { قَدَمَ صِدْقٍ } : ما تقدم لهم من السعادة في اللوح المحفوظ . وقال قتادة ، والحسن ، وزيد بن أسلم : { قَدَمَ صِدْقٍ } وهو محمد ، صلى الله عليه وسلم ، شفيع لهم . وعن الحسن أنه قال : { قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } هو : مصيبتهم في نبيهم صلى الله عليه وسلم . والقدم في اللغة على أربعة أوجه : قدم الإنسان مؤنثة ، والقدم السابقة : العمل الصالح مؤنثة أيضاً ، والقدم : الشجاع مذكر ، والقدم المتقدم : مذكر أيضاً . وفي الحديث : " إنَّ جَهَنَّمَ لا تَسْكن حَتّى يَضَع الجَبار فيها قَدَمهُ " وفي ( رواية ) أخرى : " حَتّى يَضَع الله فِيها قَدَمَهُ " . قال الحسن : معناه يجعل ( الله ) فيها الذين قدَّمهم لها . فهم قدم الله عز وجل إلى النار ، والمؤمنون قدمه إلى الجنة . ومن رواه : ( حَتَّى يَضَع الجبار فيها قدمه ) فمعناه ( مثل ) ما ذكرنا ، أن جعلت الجبار اسماً لله ( عز وجل ) . وقيل " الجبار اسم لجنس يدل على جميع الجبارين على الله ( سبحانه ) . فالمعنى : حتى يضع الجبارون على الله ( سبحانه ) فيها أقدامهم . أي : حتى يدخلوها . ( فعند ذلك تقول جهنم : قط قط ) أي : كفى كفى . وفي هذا الحديث اختلاف روايات بألفاظ مختلفة ، لكنا ( قد ) فسرنا موضع الإشكال منه … { عِندَ رَبِّهِمْ } : وقف حسن عند أبي حاتم والأخفش . وقال : تفسيرهما ليس بتمام حسن ؛ لأن { قَالَ ٱلْكَافِرُونَ } جواب لما قبله . ومن قرأ " لساحر " فمعناه : هذا النذير لساحر . يعنون النبي صلى الله عليه وسلم . ومن قرأ " لسحر " فمعناه : هذا الذي أنذرنا به سحر ، يعنون القرآن . والقراءتان ترجعان إلى معنى واحد ، لأنهم إذا جعلوا النبي صلى الله عليه وسلم ساحراً فقد أخبروا أنه أتاهم بالسحر ، وهو القرآن . وإذا جعلوا القرآن سحراً فقد أخبروا أن الذي أتاهم به ساحر . إذ السحر لا يكون من ساحر . والساحر لا يسمى بهذا الاسم حتى يأتي بالسحر ، ويعرف منه ذلك . ثم قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } . والمعنى : إن الذي تجب له العبادة الله الذي خلق السماوات السبع والأرضين السبع في ستة أيام / . { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } " مدبراً للأمور ، قاضياً في خلقه ما أحب " . { مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } : أي : لا يشفع شافع يوم القيامة في أحد إلا من بعد أن يأذن له في الشفاعة كما قال : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] وكما قال : { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [ سبأ : 23 ] . وكذلك { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [ الأنبياء : 28 ] { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } أي : هذا الذي هذه صفته مولاكم فاعبدوه . { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } : أي : " تتعظون جميعاً ، وتعتبرون بهذه الآيات والحجج " .