Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 96-100)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } إلى قوله { يَعْقِلُونَ } . والمعنى : إن الذين وجبت عليهم كلمات ربك وهي قوله : { أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } [ هود : 18 ] . وقال مجاهد : حق عليهم سخطه . { لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } . أي : يعاينوا ذلك كما لم يؤمن فرعون حتى عاين العذاب . وذلك وقت لا ينفع فيه الإيمان . ثم قال تعالى : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ } ، أي : فهلا كانت قرية آمنت ، فنفعها إيمانها . وتقديره : فما كانت قرية آمنت عند معاينتها العذاب ، فنفعها إيمانها ، في ذلك الوقت { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } : فإنهم نفعهم إيمانهم عند نزول عذاب الله عز وجل ، بهم ، فكشف الله سبحانه عنهم العذاب . وقوم يونس انتصبوا لأنه استثناء ليس من الأول . وقال أبو إسحاق : المعنى : فهلا كانت قرية آمنت في وقت ينفعهم إيمانهم ، وجرى هذا بعقب إيمان فرعون عندما أدركه الغرق . فأعلم الله عز وجل ، أن الإيمان لا ينفع عند وقوع العذاب ، ولا عند حضور الموت . قال تعالى : { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ } [ النساء : 18 ] الآية . قال قتادة : لما فقدوا نبيهم ، وأيقنوا أن العذاب قد دنا منهم ، قذف الله عز وجل ، في قلوبهم التوبة . فلبسوا المسوح ، وألهوا بين كل بهيمة وولدها . ثم عجَّلوا إلى الله سبحانه ، أربعين ليلة ، فلما علم الله عز وجل ، الصدق منهم ، والتوبة والندامة على ما مضى ( كشف الله ) عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم . وكان قوم يونس بأرض الموصل . قال ابن جبير : غشَّى قوم يونس العذاب ، كما يغشى الثوب القبر " . قال ابن عباس : لم يبق بين قوم يونس والعذاب إلا قدر ثلثي ميل ، فلما دعوا كشف الله عنهم . قال ابن جبير : لما أبوا أن يؤمنوا بيونس ، قيل له : أخبرهم أن العذاب مصبحهم ، فقالوا : إنا لم نجرب عليه كذباً ، فانظروا فإن بات فيكم فليس بشيء ، وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم . فلما كان في جوف الليل تزوَّد شيئاً ثم خرج . فلما أصبحوا يغشاهم العذاب كما يغشى الثوب القبر ، ففرقوا بين الإنسان وولده ، والبهيمة وولدها . ثم عجوا إلى الله عز وجل ، فقالوا : آمنّا بما جاء به يونس وصدقنا . فكشف الله عز وجل ، عنهم العذاب ، فخرج يونس ينظر العذاب ، فلم ير شيئاً فقال / : جربوا عليَّ كذباً , فذهب مغاضباً لربه حتى أتى البحر . وعن ابن مسعود قال : أوعد يونس قومه أن العذاب يأتيهم إلى ثلاثة أيام . ففرقوا بين كل والدة وولدها ، ثم خرجوا ، فجأروا إلى الله سبحانه ، واستغفروه ، فكف الله عز وجل ، عنهم العذاب . ومعنى : { عَذَابَ ٱلخِزْيِ } ، أي : الهوان والذل . قوله : { إِلَىٰ حِينٍ } قال الضحاك : إلى الموت . وقيل : إلى آجاله التي كتبها الله لهم قبل خلقهم . ثم قال تعالى : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } : أي : لوفقهم إلى الإيمان بك يا محمد - وبما جئت به . ولكن قد سبق في قضائه من يؤمن ، ومن لم يؤمن : وهذا كله رد على المعتزلة الذين يقولون : إن الإيمان والكفر مفوضان إلى العبد ، بل كل عامل قد علم الله عز وجل ، ما هو عامل قبل خلقه له . ولا تقع المجازاة إلا على ظهور أعمال العاملين . فخلقهم ليعملوا ما قد علم أنهم عاملون ، فيجازيهم على ذلك بعد ظهور منهم ، وإقامة الحجج عليهم . وقوله { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } يدل على ذلك ويبينه . { أَفَأَنتَ } يا محمد { تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ } حتى يؤمنوا بك ؟ وفي الإتيان " بجميع " بعد " كلهم " قولان : أحدهما أنه زيادة تأكيد ، ونصبه على الحال . وقيل : لما كان كل يقع تأكيداً ، ويقع اسماً غير تأكيد أتى معه بما لا يكون تأكيداً ، وهو " جميعاً " ، فجمع بينهما ، ليعلم أن معناهما واحد ، وأنه للتأكيد . ثم قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، أي : ما كان لنفس تصدق بك يا محمد ، إلا أن يأذن لها الله . فلا تجهد نفسك يا محمد في طلب هداهم . روي عن أبي الدرداء أنه قال : بعث الله عز وجل ، إلى نبي من الأنبياء فقال له : لو أنك عملت مثل ما عمل جميع ولد آدم كلهم ، ما أديت نعمة واحدة أنعمت بها عليك : إني أذنت لك أن تؤمن بي ، { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، وهذا نص ظاهر في إثبات القدر من القرآن والحديث . قوله : { وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } ، أي : يجعل العذاب على من لا يعقل عن الله ، سبحانه ، حججه ، وآياته جلت عظمته . والرجس : العذاب . وقال ابن عباس : السخط .