Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 37-40)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } إلى قوله { إِلاَّ قَلِيلٌ } . والفلك : السفينة ، يكون واحداً ، وجمعاً . قال ابن عباس : أوحي إليه : أن يصنع الفلك فلم يدر كيف يصنعها ، فأوحي إليه أن يصنعها على مثال جُؤجؤ الطير . ومعنى : { بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } : أي : كما نأمرك . قال قتادة : / بعين الله ، ووحيه . ( وقيل : بأعيننا : بحفظنا ، وقيل : بعلمنا ، وقيل : إن الملائكة كانت تريد ذلك ) . وقيل : معنى : ( بأعيننا ووحينا ) : أي : بتعليمنا كيف تصنعه . وقوله : { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } : أي : لا تسألني في العفو عنهم . قال ابن جريج : معناه : لا تراجعني . ثم أعلمنا الله عز وجل ، أنه أخذ يصنع السفينة ، وأن : { كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ } أي : جماعة ، وكبراء { سَخِرُواْ مِنْهُ } : أي : هزأوا به ، يقولون له : أتحولت نجاراً بعد النبوءة ؟ وتعمل السفينة في البر ؟ فيقول لهم نوح : { إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا } اليوم ، { فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ } في الآخرة { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } إذا عاينتم العذاب { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } أي : من هو أحمد عاقبة منا ، ومنكم . و " من " تكون هنا خبراً ، واستفهاماً ، وتقريراً ، إعرابها في الوجهين ظاهر . ( وروت عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " لو رحم الله ( أحداً من قوم نوح ) لرحم أم الصبي ، كان نوح قد مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، يدعوهم إلى الله عز وجل ، حتى كان آخر زمانه غارس شجرة ، فعظمت ، وذهبت كل مذهب ، ثم قطعها ، ثم جعل يعمل سفينته . ويمرون ، فيسألونه ، فيقول : أعمل سفينة . فيسخرون منه ، ويقولون : تعمل سفينة في البر ، فكيف تجري ؟ فيقول : سوف تعلمون . فلما فرغ منها ، وفار التنور ، وكثر الماء في السِّكَكِ ، وخشيت أم الصبي عليه ، وكانت تحبه حباً شديداً ، فخرجت إلى الجبل ، حتى بلغت ثلثه ، فلما بلغها الماء ، خرجت حتى بلغت ثلثي الجبل ، فلما بلغها الماء ، خرجت حتى استوت على الجبل ، فلما بلغ الماء رقبتها ، رفعته بيديها حتى ذهب بها الماء " . قال قتادة : كان طول السفينة ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسون ذراعاً ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً ، وبابها في عرضها . وقال الحسن : كان طول السفينة ألف ذراع ، ومائتيِ ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع . وقال عكرمة : إنما طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها ورفعها ثلاثون ذراعاً . وعن الحسن ، ( رحمة الله عليه ، أيضاً ) ؛ أنه قال : كان طولها ألف ذراع ، في خمسمائة ذراع ، وبابها في جنبها . قال : أبو رجاء : كانت مطبقة . وقيل : إنها كانت : ثلاث طبقات : طبقة فيها الدواب والوحوش ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير . فلما كثر أرْوَاتُ الدواب أوحى الله عز وجل ، إلى نوح : أن أغْمزْ ذنبَ الفيل ، فغمزه . فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبل على الروث . ثم إن الفأر وقع بحبل السفينة يقرضه ، فأوحى الله إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد ، فضرب ، فخرج من منخره سنور وسنورة ، فأقبل على الفأر . قال ابن عباس : قال الحواريون لعيسى عليه السلام : لو بعثت لنا رجلاً شهد السفينة ، فحدثنا عنها ، قال : فانطلق بهم عيسى عليه السلام ، حتى أتى إلى كثيب من تراب ، فأخذ كفاً من ذلك التراب بكفيه ، فقال : أتدرون ما هذا قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا / كعب حام بن نوح . قال : فضرب الكثيب بعصى ، وقال : قم بإذن الله ، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه ، قد شاب ، قال له عيسى : هكذا هلكتَ . قال : لا ، ولكن مت ، وأنا شاب ، ولكنني ظننت أنها الساعة ، فمن ثم : شبت . قال : حدثنا عن سفينة نوح قال : كان طولها ألف ذراع ، ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع . ثم حكى له طبقاتها ، وما كان فيها ، وقصة الأرواث ، والفأر على ما تقدم ذكره . ثم قال له عيسى عليه السلام : كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت ؟ قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر ، فوجد جيفةً فوقع عليها ، فدعا عليه بالخوف ، فلذلك لا يألف البيوت . قال : ثم بعث الحمامة ، فجاءت بورق زيتون بمنقاريها ، وطين برجليها . فعلم أن البلاد قد غرقت ، فطوقها الخضرة التي في عنقها ، ودعا أن تكون في أنس ، وأمان ، فمن ثم تألف البيوت . وروى عبيد بن عمير الليثي : أنهم كانوا يخنقون نوحاً حتى يغشى عليه ، فإذا فاق قال : اللهم أغفر لقومي ، فإنهم لا يعلمون . حتى إذا تمادوا في المعصية ، وتطاول عليه منهم الشأن ، وعظيم البلاء ، ولا يأتي قرن منهم إلا كان أخبث من صاحبه . يقولون : قد كان هذا مع آبائنا ، وأجدادنا مجنوناً ، ولا تقبل منه شيئاً . فشكا ذلك إلى الله ، وقال كما قص الله سبحانه علينا : { رَبِّ } { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } [ نوح : 5 - 6 ] - إلى آخر القصة - ثم قال : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] - إلى آخر القصة - . فأوحى الله عز وجل ، إليه : أن اصنع الفلك . وزعم أهل التوراة أن الله ، سبحانه ، أمره أن يجعل عوده من الساج ، وأن يطليه بالقار ، من داخل ، ومن خارج ، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعاً ، وعرضه خمسين ذراعاً ، وطوله في السماء ثلاثين ذراعاً ، وجعل الله عز وجل ، له فور التنور آية . فلما فار ، حمل في الفلك من أمره الله ، سبحانه ، بنيه الثلاثة : سام ، وحام ، ويافث ، ونساءهم ، وستة أناس ممن كان آمن به . فكان جميعهم عشرة رجال . وتخلف عنه ابنه يام ، وكان كافراً . قال ابن عباس : كان أول ما حمل نوح في الفلك الذرة ، وآخر ما حمل الحمار . فلما دخل ، وأدخل صدره ، تعلق إبليس بذنبه ، فلم تستقل رجلاه ، فجعل نوح عليه السلام ، يقول : ويحك ! ادخل ، فلا يستطيع الحمار الدخول . فقال : ويحك ! ( ادخل ) وإن كان الشيطان معك . فزل لسانه بالكلمة ، فدخل الحمار ، والشيطان . فقال له : نوح صلى الله عليه وسلم : ما أدخلك عليَّ يا عدوَّ الله ؟ . قال : ألم تقل ادخل ، وإن كان الشيطان معك . قال : اخرج عني يا عدو الله . قال : مالَكَ بُدٌّ من أن تحملني ، فكان إبليس في ظهر الفلك . فكان بين إرسال الله عز وجل ، الماء ، وبين أن احتمل الماء الفلك أربعون يوماً بلياليها ، ودخل فيها لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر ، فلما دخل من كان معه / ( انفتحت أبواب السماء بماء منهمر ) ، كما قال الله ، وكانت السفينة مُسَمَّرة بدُسُرٍ . والدُّسُر : مسامير الحديد ، وقيل : مسامير من عود ، بها يسمر اليوم مراكبهم أهل الحجاز ، وأهل الهند ، وما يلي ذلك . فلما جرت السفينة ، قال نوح لابنه : { ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } [ هود : 42 ] وكان قد أضمر الكفر ، وظن أن الجبال تمنع من الماء ، فقال : { سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ } [ هود : 43 ] : أي : يمنعني ، فقال له نوح : { لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [ هود : 43 ] . فعلا الماء على الجبال خمسين ذراعاً . فهلك كل ما كان على وجه الأرض من الحيوان والأشجار ، ولم يبقَ إلا ما في السفينة . وكان بين أن أرسل الله الطوفان ، وبين أن غاض الماء ستة أشهر ، وعشر ليال . قال عكرمة : " ركب في السفينة لعشر خَلَوْن من رجب ، { وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ } لعشر خلَوْن من المحرم . فذلك ستة أشهر " . ومعنى : { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } : قيل : إنه انفجر الماء من وجه الأرض . والتنور : وجه الأرض قاله ابن عباس ، وعكرمة . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هو تنوير الصبح ، من قولهم : نور الصبح يُنَور ، فكأنه قال : حتى جاء أمرنا ، وطلع الفجر . وقال قتادة : التنور أعلى الأرض ، وأشرافها . وقال الحسن : التنور هو الذي يخبز فيه ، كان من حجارة لِحَوَّاء . ثم صار إلى نوح ، فقيل له : إذ رأيت الماء يفور من التنور ، فاركب أنت وأصحابك . وقال الشعبي . فار الماء في ناحية الكوفة . وعن علي رضي الله عنه ، أنه قال : فار التنور من مسجد الكوفة ، وقال زيد بن حبيش : فار التنور من هذه الزاوية ، وأشار إلى زاوية مسجد الكوفة اليمني من القبلة ، التي عن يمين المصلى . وكان زيد يقصد إلى الصلاة في تلك الزاوية من مسجد الكوفة ، وعن الحسن أيضاً أن التنور الموضع الذي يجتمع فيه الماء في السفينة . وعن ابن عباس : أن التنور فار بالهند . ومعنى : { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي : من كل ذكر ، وأنثى ، والواحد : زوج ، والزوجان ذكر ، وأنثى من كل صنف ، فمعنى من كل زوجين : من كل صنفين . وقيل الزوجان : الضربان الذكور ، والإناث . وقيل : الزوجان : اللونان . وقوله : { وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } : أي : واحمل أهلك ، إلا من سبق إهلاكه ، وهو بعض نساء نوح ، كانت من الباقين : من الهالكين . وقيل : هو ابنُه الذي غرق . { وَمَنْ آمَنَ } : أي : واحمل من آمن . قال قتادة : كانوا ثمانية أنفس ، خمسة بنين ، وثلاث نسوة ، فأصاب حام امرأته في السفينة . فدعا عليه نوح أن تغير نطفته . فجاء بالسودان . وقيل : كانوا عشرة سوى نسائهم : ستة ممن آمن ، وثلاثة بنين ، ونوح . وعن ابن عباس : أنهم كانوا ثمانين رجلاً ، غير النساء من غير أهله وروي أن الله جلّ ذكره ، كان قد أعقم أرحام النساء ، وأصلاب الرجال ، قبل الغرق بأربعين سنة / ، فلم يولد فيهم مولود ، ولم يغرق إلا ابن أربعين ، فما فوق ذلك . قوله : { وَأَهْلَكَ } : وقف عند أبي حاتم ، وليس يوقف عند غيره ، لأن بعده استثناء . { وَمَنْ آمَنَ } : وقف عند نافع وغيره ، { إِلاَّ قَلِيلٌ } : وقف حسن .