Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 69-72)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ } - إلى قوله - { عَجِيبٌ } . من نصب " سلاماً نصبه على المصدر ، أو على إعمال القول ، والرفع على إضمار مبتدأ . أي : هو سلام ، أو أمري سلام ، أو على إضمار خبر محذوف . والمعنى : قالوا : سلام عليكم ، قال : سلام عليكم . ومن قرأ " سِلْمٌ " فعلى معنى الأمر . سلم أو نحو سلم : أي : نحن آمنون منكم ، إذا سلمتم علينا ، لأن الملائكة لما سلمت عليه أَمِنَ منهم ، وعلم أنهم مؤمنون . فقال لهم : سلام : أي : نحن سلم منكم إذن . وقيل : المعنى : نحن سلم ، أي : غير باغين شراً ، وأنتم قوم منكرون : أي : لا نعرفكم . وقيل : سلم بمعنى سلام . كما يُقال حرمٌ ، وحَرَامٌ بمعنى واحد . ويجوز رفع الأول ، ونصب الثاني ، ونصب أيهما شئت على هذا التقدير ، ومعنى { قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } : أي : غير معروفين في بلدنا . وقيل : المعنى : ، إنكم قومٌ منكرون ، إذا سلمتم ، لأن التسليم في بلدنا منكر ، لم نعهده إلا لمن هو على ديننا . والرسل الذين أتَوْهم : جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، عليهما السلام . روي أن الله جلَّ ذكره ، أرسل إسرافيل يبشر سارة زوج إبراهيم بإسحاق ، ويعقوب ولد إسحاق ، وأرسل الله جبريل ليقلب مدائن قوم لوط ، وأرسل ميكائيل ليأخذ بيد لوط ، وبناته ، ويسري بهم . والبشرى هي البشارة بإسحاق . وقيل : هي البشارة بهلاك قوم لوط . { قَالُواْ سَلاَماً } قال مجاهد : المعنى سَدَاداً . { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ } : " أن " : في موضع نصب عند سيبويه ، يقال : لا يلبث عن أن يأتيك . وأجاز الفراء أن تكون في موضع رفع . فلبث ، أي : فما أبطأ عنه مجيئه . والمعنى : فما أبطأ عنهم حتى جاء { بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } : أي : مشوي ، وهو فعيل ، بمعنى مفعول . وقال ابن عباس : ( حنيذ ) : نضيج . وقيل : كان قد أشوي على حجارة محمية . فما : نافية في قوله ( فما لبث ) ، وفي " لبث " ضمير إبراهيم عليه السلام . وقيل : لا ضمير في " لبث " ، والفاعل : أن جاء ، أي : فما أبطأ مجيئه عن أن جاء . وقيل : " ما " بمعنى " الذي " في موضع رفع على الابتداء ، والخبر : " أن جاء " ، والتقدير : فإبطاؤه مجيئه بعجل بين قدر الإبطاء . قوله : { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ } أي : فلما رأى إبراهيم أيدي الرسل ، صلوات الله عليهم ، لا تصل إلى العجل ، فتأكل منه ، ( نكرهم ) ، وعلم أنهم لم يتركوا الأكل إلا لقصة . فأوجس منهم خوفاً في نفسه . يقال : نكره ينكره ، وأنكره بمعنى . فالهاء في " إليه " تعود على العجل ، وقيل : على إبراهيم ، بمعنى : لا تصل / إلى طعامه ، ثم حذف المضاف . قال قتادة : إنما أنكر إبراهيم أمرهم ، لأنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف ، فلم يطعم من طعامهم ظنوا أنه لم يجئ بخير ، فخاف إبراهيم منهم ، فقالوا له : { لاَ تَخَفْ } منا { إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } بالعذاب . { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ } : أي : " من وراء الستر " . وفي قراءة ابن مسعود : " وامرأته قائمة ، وهو قاعد . وقيل : إنها كانت قائمة ، تخدُم الرسل ، وإبراهيم جالس مع الرسل . وقوله : { فَضَحِكَتْ } قيل : إنها ضحكت من أمرها أنها تخدم ، وضيافها لا يمسون الطعام . قال السدي : قال إبراهيم للرسل ، صلوات الله عليهم : ألا تأكلون ؟ قالوا : يا إبراهيم ! إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن . قال لهم : فإن لهذا ثمناً ! قالوا : وما هو ؟ قال : تذكرون اسم الله على أوله ، وتحمدونه على آخره . فنظر جبريل إلى ميكائيل ، عليهما السلام ، فقال : حُقَّ لهذا أن يتخذه ربه خليلاً . فلما لم يأكلوا ، قالت سارة ، امرأة إبراهيم : عجباً لأضيافنا هؤلاء ، إنا لنخدمهم بأنفسنا ، تكرمة لهم ، وهم لا يأكلون ! ، وضحكت تعجُّباً . وقيل : ضحكت من أن قوم لوط في غفلة ، وقد جاءت رُسُلَ الله عز وجل ، بهلاكهم . فكان ضحكها تعجباً لغفلة قوم لوط ، عما أتاهم من العذاب ، وهو قول قتادة . وقيل : إنها ضحكت لما رأته من زوجها إبراهيم عليه السلام ، من الروع تعجباً ، وهو قول الكلبي . وقال وهب بن منبه : ضحكت لما بشرت بإسحاق ، وهي كبيرة ، فضحكت تعجباً من أن يكون لها ولد على كبر سنها . ويكون في الكلام تقديم وتأخير ، وهو بعيد مع الفاء ، ولا يحسنُ الوقف على هذا المعنى ، على " ضحكت " . وقال مجاهد : معنى : ضحكت : ساغت ، وكانت ابنة تسعين سنة . وقيل : بل زادت على التسعين ، وكان إبراهيم ، عليه السلام ابن مائة سنة . وذكر بعض البصريين أن بعض أهل الحجاز حكى عن العرب : " ضحكت المرأة " بمعنى : حاضت . وقال الضحاك : الضحك : الحيض ، ويقال : ضحكت النخلة : إذا أخرجت الطلع ، والبشر . وقيل : إنها إنما ضحكت ، لأن الملائكة أحْيَوا العجل بإذن الله عز وجل ، فضحكت تعجباً . { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } . وقيل : إنها إنما ضحكت ، لأنها قالت لإبراهيم قبل مجيء الرسل : أحسب أن قوم لوط سينزل الله بهم عذاباً . فضم لوطاً إليهم ، فلما أتت الرسل بما قالت سُرَّت به ، فضحكت . وقيل : إنها إنما ضحكت من إبراهيم ، لأنه كان صلى الله عليه وسلم يقوم بمائة رجل ، فتعجبت من خوفه من نفر . وقيل : ضحكت سروراً ، حيث قالوا : لا تخف ، لقد كانت خافت منهم . وقوله : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } : أي : من رفع " يعقوب " فعلى الابتداء ، { وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ } : الخبر ، والجملة في موضع الحال . أي : بشرناها بإسحاق ، مقابلاً له يعقوب . وهو داخل في البشارة ، فلا يوقف على إسحاق على هذه المعنى . ويجوز أن يرتفع بفعل دل عليه الكلام ، / والمعنى : ومن وراء إسحاق يحدث يعقوب ، فلا يكون داخلاً في البشارة ، فيجوز الوقف على إسحاق . وقيل : المعنى : وثبت لهما من وراء إسحاق يعقوب . ومن قرأ بالفتح ، فهو في موضع خفض عند الكسائي ، والأخفش ، وأبي حاتم ، على العطف على " إسحاق " : يجيزون التفريق بين المجرور ، وبين ما يشركه ، فيفرقون بين حرف العطف والمعطوف . ومذهب سيبويه والفراء أن يعقوب في موضع نصب ، على معنى : ومن وراء إسحاق وهبنا له يعقوب . ولا يجيزون التفريق بين المجرور ، وحرف العطف . فتقف على إسحاق على هذا التقدير ، ولا تقف عليه إذا قدرت العطف . وقيل : معنى { وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ } : أي : ومن ولد إسحاق ، لأن ولد الولد : الوراء ، وهو قول ابن عباس ، والشعبي ، وجماعة معهما . وفي هذا دليل على أن : الذبيح إسماعيل ، لأنها بشرت بإسحاق ، وأنها تعيش حتى يولد له ، فغير جائز أن يعلم إبراهيم أنه يعيش حتى يولد له ، ثم يؤمر بذبحه ، قبل أن يولد له . فلا يجوز أن يؤمر بذبح من أخبر أنه يعيش إلى وقت بعد ، وقت الذبح بسنين . قال السدي : لما بُشرت بذلك ، سكّت وجهها وقالت : { ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ } ثم قالت لجبريل : ما آية ذلك ؟ فأخذ جبريل ، عليه السلام ، عوداً يابساً ، فلواه بين أصبعيْه فاهتزَّ خضراً . فقال إبراهيم : هو لله إذاً " ذبيحاً " . قيل : إنها كانت ابنة تسعة وتسعين سنة ، وإبراهيم ابن مائة وعشرين سنة . وقيل : كان أكبر منها بسنة . و { يَٰوَيْلَتَىٰ } " كلمة تقولها العرب عند التعجب من الشيء " . وحكى ابن يونس عن العرب : " عجوزة " بالهاء ، وأنكر ذلك أبو حاتم . ويقال : للمرأة شيخ وشيخة . والمؤنث في كلام العرب على أربعة أوجه : - الأول : أن يكون فيه علامة التأنيث ، تفصل بينه وبين المذكر ، نحو : خديجة ، وفاطمة ، وعائشة ، وليلى ، وسعدى ، وحمرى . - والثاني : أن تكون الثانية في صيغة الاسم ، وبلا علامة ظاهرة ، نحو : زينب ، ونوار ، وهند ، وعير وفخرٌ ، وشبهه . - والثالث : أن يكون الاسم المؤنث يخالف لفظه لفظ ذكره ، فيستغنى عن علامة التأنيث ، لمخالفة اللفظ ، وذلك نحو : جَدْيٌ ، وعناق ، وحمار ، وأتان ، وربما مالوا إلى المؤنث فأدخلوا الهاء ، وإن كان لفظه يخالف لفظ المذكر : قالوا : عجوزة ، والأكثر عجوزه ، وقالوا : غلام ، وجارية ، فأدخلوا الهاء . ولفظ " جارية " مخالف لِلَفْظِ غلام . وقالوا : جمل وناقة ، وكان الأصل ألا تدخل الهاء في هذا ، وربما أدخلوا التأنيث في المذكر . قالوا : شيخ وشيخة ، وغلام وغلامة ، ورجل ورجلةٌ . - والقسم الرابع : أن يكون الاسم واقعاً على المؤنث والمذكر ، فيكون " بالهاء " كقولك : شاة ، وبقرة ، وجرادة ، وهذه الهاء فصل بين الواحد والجمع . وقولها : { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } وإن في كون الولد من مثلي شيئاً عجيباً .