Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 97-100)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ } إلى قوله : { ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } المعنى : قال له ولده : يا أبانا ! استغفر لنا ذنوبنا ، أي : اسأل الله يستر علينا ( ذنوبنا ) . { إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } : أي : في فعلنا . قال لهم يعقوب : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } ، قيل : إنما أخر الاستغفار ( لهم ) إلى السحر . وقيل : أخره إلى صلاة الليل ، ( و ) قيل : أخر ذلك إلى ليلة الجمعة . روي ذلك عن ابن عباس ، عن النبي عليه السلام . ومعنى { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } : هو الساتر ذنوب من تاب إليه ، الرحيم بهم أن يعذبهم عليها بعد توبتهم منها إليه . روي عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، أنه قال : إن الله ( عز وجل ) لما جمع ليعقوب شمله ، وأقر عينه ، تذكر إخوة يوسف ما صنعوا بأخيهم ، وبأبيهم ( و ) قالوا : إن كنا قد غفر لنا ما صنعنا ، فكيف ( لنا ) بعفو ربنا ؟ فاجتمعوا ، وأتوا الشيخ . ويوسف إلى جنب أبيه ، وقالوا : يا أبانا ! أتيناك في أمر لم نَأْتِكَ في مثله قط . فرحمهم الشيخ ، والأنبياء أرحم البرية ، فقال : ما بكم يا بني ؟ قالوا له : قد علمت ما كان منا إليك ، وإلى أخينا يوسف ، وقد غفرت مالنا ، وعفوكما لا يغني عنا شيئاً إن كان الله ( عز وجل ) لم يعف عنا . ونريد أن تَدْعُوَ الله ( لنا ) . فإذا جاءك الوحي بأنه قد عفا عنا قرت أعيننا , وإلا فلا قرت لنا عين في الدنيا . فقام الشيخ ، واستقبل القبلة ، وقام يوسف خلف أبيه ، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين . فدعا ، وأمّنَ يوسف ، فلم يُجَب فيهم إلى عشرين سنة . فلما كان رأس / العشرين سنة نزل جبريل على يعقوب ، فقال له : إن الله عز وجل ، بعثني إليك ، ( أبشرك ) بأنه قد ( أ ) جاب دعوتك في ولدك ، وإنه عفا عما صنعوا . وقوله : { ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } إنما قال لهم يوسف ذلك بعد أن دخلوا عليه ، وآوى يوسف إليه أبويه . فمعنى ذلك أن يوسف تلقى أباه ، تكرمة له ، قبل دخوله مصر ، فآوى يوسف إليه أبويه : أي : ضمهما وقال لأبيه ومن معه : { ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } . " كما ورد ( أنهم ) قاموا عشرين سنة ، لا يقبل ذلك منهم ، حتى لقي جبريل يعقوب ، عليهما السلام . فعلّمه هذا الدعاء : يا رجاء المؤمنين ! لا تخيب رجائي ، يا غوث المؤمنين أغثني ، يا حبيب التائبين تب عَلَيَّ ، فاستجيب لهم . قال لهم يوسف ذلك بعد أن دخلوها عليهم ، لأنهم ( فيما ) ذكر السدي : تحملوا إلى يوسف بأهليهم وعيالهم ، لأنه قال لهم : { وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } [ يوسف : 93 ] فلما قربوا من مصر كلم يوسف الملك الذي فوقه ، أن يخرج هو والملـ ( ـو ) ك معه يتلقونهم . فلما دنا يوسف من يعقوب ، ويعقوب يتمشى ، وهو يتكئ على يهوذا ولده . بدأه يعقوب بالسلام ، وقال : السلام عليك يا ذاهباً بالأحزان عني . وقيل : إن قوله إن شاء الله إنما هو استثناء من قول يعقوب لبنيه : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ } { إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } ، ففي التلاوة تقديم وتأخير . وهو قول ابن جريج . فأما قوله : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ } فإن السدي ، قال : هما أبوه وخالته ، وذلك أن أم يوسف ماتت ، فتزوج يعقوب [ بعدها ] أختها ، وهي خالة يوسف . وقال ابن إسحاق : هما أبوه وأمه ، ولم تكن أمه ماتت . وهذا القول اختيار الطبري . ومعنى : { آمِنِينَ } : أي آمنين مما كنتم فيه في باديتكم من الجدب والقحط . والعرش : السرير في قول السدي ، ومجاهد ، والضحاك وقتادة ، وابن عباس . وقال ابن زيد : هو مجلسه . وقوله : { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } : قيل : المعنى إن أبا يوسف وأمه ( وإخوته ) خروا سجّداً ليوسف . وكان تحية القوم في ذلك الوقت السجود ، قاله سفيان ، وابن جريج ، والضحاك ، وقتادة ، وهو مثل : " السلام عليكم " في هذه الأمة . جعل لهم عوضاً من السجود الذي كان تحية من قبلهم . وقيل : كان ذلك انحناء ، ولم يكن سقوطاً على الأرض . جعل الله منه السلام ، والمصافحة عوضاً ، كرامة من الله عز وجل لهذه الأمة ، وهي تحية أهل الجَنَّة . وقال ابن سحاق : الهاء في " له " لله ، والمعنى : خرُّوا لله سجداً . وقوله : { هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ } : أي : قال يوسف لأبيه : يا أبت ! هذا السجود الذي سجدتموه لي الساعة ، ( هو ) تأويل ما رأيته ، وأنا صبي : إذ رأيت أحد عشر كوكباً ، والشمس والقمر ساجدين لي : فالأحد عشر ( كوكباً ) إخوته ، والشمس أمه ، والقمر أبوه . { قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً } : وكان بين رؤيا يوسف ، وتأويلها أربعون سنة . وقيل : ثمانون سنة ، قاله الحسن ، قال : كان بين أن فارَقَ يعقوب يوسف ( إلى أن اجتمعا ثمانون سنة ) ، لم يفارق الحزن قلب يعقوب ، ولا الدمع خديه ، ولم يكن على وجه الأرض يومئذ عبدٌ أحبَّ إلى الله عز وجل ، من يعقوب . وألقي يوسف في الجب ، وهو ابن سبع / عشر [ ة ] سنة ، ومات بعد التقائه بيعقوب بثلاثة وعشرين سنة . ومات يوسف ، وهو ابن مائة واثنتين وعشرين سنة . وقال ابن إسحاق : كان بين افتراق يوسف ، ويعقوب إلى أن اجتمعا ، ثماني عشرة سنة ، وأهل الكتاب يزعمون أن مدة الافتراق بينهما أربعون سنة . وأن يعقوب بقي مع يوسف بعد أن اجتمع به سبع عشر [ ة ] سنة ، ثم قبضه الله عز وجل إليه . قوله : { وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ } : معناه : أحسن الله بي ، إذ أخرجني من السجن ، وفي مجيئه بكم من البدو . وكان مسكن يعقوب وولده في قول قتادة بأرض كنعان : أهل مواش وبرية والبدو مصدر : بدا فلان ، إذا صار بالبادية . وروى أهل التواريخ أن يعقوب عليه السلام دخل مصر يوم دخلها هو ، وأولاده ، وأهلوهم ، وبنوهم في أقل من مائة ، وخرجوا منها يوم خرجوا ، إذ أخرجهم فرعون ، وهم أكثر من ستمائة ألف ، فقال فرعون : { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } [ الشعراء : 54 ] . وقال ابن مسعود : " دخل بنو إسرائيل مصر ، وهم ثلاثة وستون إنساناً ، وخرجوا منها وهم ستمائة ألف " . وحكى الطبري ، وغيره أن يعقوب إنما سمي إسرائيل ، لأن أخاه العَيْصُ تواعد ( ه ) بالقتل ، فخرج فراراً منه ، فسرى الليل ، وكمن النهار . فسمي إسرائيل ، لسريه بالليل . وقيل : إن إسرائيل اسم عبراني تفسيره : عبد الله . وروى عاصم العمري أن يعقوب ( على نبينا ) عليه السلام ، قال : يا رب ! أذهبت بصري ، وأذهبت ولدي ، فما ترحمني ؟ قال : بلى ، وعزتي ! إني لأرحمك ، ولأردَّنَّ عليك بصرك ، ولو كنت أمت ولدك ، لأردنه عليك . إنما ابتليتك بهذه البلية أنك ذبحت جملاً ، فوجد جارك ريحه فلم تطعمه منه . فكان منادي آل يعقوب إذا أصبح نادى في الناس : من كان مفطراً فليتغد عند آل يعقوب ، ومن كان منكم صائماً فليفطر عند آل يعقوب .