Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 10-11)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ } - إلى قوله - { مِن وَالٍ } قوله : سواء منكم ، [ هو مصدر ] ، مرفوع لأنه خبر ابتداء مقدم ، ومن في الموضعين رفع بالابتداء ، ( لأن ) " سواء " يطلب اسمين ، و " من " الثانية مرفوعة بالابتداء أيضاً ، والتقدير : وسواء ، كما تقول : رجل عدل ، أي : ذو عدل ، وتقول : سواء زيد وعمرو ، أي : ذو سواء ، زيد ، وعمرو . إنما احتجت إلى هذا الإضمار ، لأن سواء مصدر ولا يرتفع ، إذا كان الاسم بعده إلا على حذف ، لأن الخبر ليس هو الابتداء ، إلا أن تضمر ، فيكون الخبر هو الابتداء في المعنى ، ويكون فيه ذكر يعود على الابتداء ، وهذا في الحذف كما قالت الخنساء : " فإنما هي إقبال وإدبار : أي : ذات إقبال وإدبار . وإن كان في موضع هذا المصدر اسم فاعل ، لم يحتج إلى إضمار لأنه يكون هو الاسم المبتدأ ، وليس المصدر هو الاسم المبتدأ . وقد كثر استعمالهم " لسواء " ، حتى جرى مجرى أسماء الفاعلين ، ويجوز أن يرتفع " سواء " على أن يكون في موضع " مستوٍ " . ويكون أيضاً خبراًَ مقدماً ، كالأول ، لكن يكون هو الابتداء ( في ) المعنى : فيستغنى ( عند سيبويه ) ، عن الإضمار ، وقبيح عند سيبويه أن يكون مبتدأ ، لأن النكرات لا يبتدأ بها ، وإن كانت اسماً لفاعلين لضعفها عن الفعل . وقد جمعوا " سواء " على " أسوأ " قال الشاعر : @ ترى القوم أسواء إذا جلسوا معاً وفي القوم زيفٌ مثل زيف الدراهم @@ ومعنى الآية : معتدل منكم عند الله عز وجل ، أيها الناس : الذي أسرّ القول ، والذي جهر به ، والذي يستخفي بالليل ، وبظلمته بمعصية الله ( سبحانه ) ، والذي يظهر بالنهار في المعصية ، وفي غيرها . كل ذلك عند الله ( سبحانه ) سواء لا يخفى عليه منه شيء . ويقال : هو آمن في سِربه ، وسَربه ، بالفتح والكسر . والسارب في الآية : الظاهر وقيل : السارب المستخفي ، من قولهم : انسرب الوحش : إذا دخل كناسَهُ ، قالـ ( ـه ) قطرب . وأكثر الناس على أن السارب : الظاهر ، لأنه عديل المستخفي المتواري ، والسارب : الظاهر . ثم قال تعالى : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } - الآية : قيل المعنى ( لله عز وجل ) معقبات ، وهي الملائكة / تتعاقب على ابن آدم بالليل والنهار . فالهاء في " له " لله ، والهاء في " يديه " و " خلفه : للمستخفي بالليل ، والسارب بالنهار . وقيل : الهاء في " له " تعود على " من " وهو المستخفي . ومعنى : من خلفه : " من وراء ظهره " . وروي أن عثمان بن عفان : رضي الله عنه ، " سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! أخبرني عن العبد كم معه ملكاً . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ملك على يمينك على حسناتك ، وهو أمين على الذي على شمالك . فإذا فعلت حسنة كتب عشراً . ( و ) إذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين : اكتب ، فيقول له : لعله يستغفر الله ، ويتوب . فإذا لم يتب منها ، قال : نعم اكتب أراحنا الله منه ، فبئس القرين " . ما أقل مراقبته لله عز وجل ، وأقل استحياء ! يقول الله ( تعالى ) : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] ، ومَلَكان من بين يديك ، ومن خلفك . يقول الله تعالى : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } وملك قابض على ناصيتك ، فإذا تواضعت لله رفعك ، وإذا تجبرت على الله قصمك ، وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على النبي ( محمد ) صلى الله عليه وسلم . وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحية في فيك ، وملكان على عينيك : فهؤلاء عشرة أملاك ، على كل آدمي ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار ، لأن ملائكة الليل ينيبون ملائكة النهار . فهؤلاء عشرون ملكـ [ ـاً ] على كل آدمي ، وإبليس بالنهار ، وولده بالليل . ورُوي أنهم يجتمعون عند صلاة العصر ، وصلاة الصبح . وعن ابن عباس ، وعكرمة : أن المعقبات ( هنا ) : الحرس الذين يتعاقبون على الأمراء من بين أيديهم ومن خلفهم . قال الضحاك : هو السلطان يتحرس من الله ( سبحانه ) . وقال عكرمة : هي المواكب بين يدي الأمراء وخلفهم . فتكون الهاء في " له " على هذا التأويل " لمن " . وهو المستخفي بالليل ، والسارب بالنهار . فوصفه الله ( عز وجل ) ، أنه قد جعل لنفسه حرساً يحفظونه من حدوث أمر الله به ، لجهله بالله ( سبحانه ) . وإن ذلك لا يرد عنه شيئاً . وهذا القول اختيار الطبري : أن تكون المعقبات الحرس ، والأعوان مع الأمراء ، لأن " له " أقرب من ذكر المستخفي منه من ذكر الكبير المتعال . ويدل على صحة هذا المعنى قوله بعد ذلك : { وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ } : أي : ليس ينفع هذا المذكور حرسه ، وتعاقبهم عليه . ولا يرد ذلك عنه أمر الله ( سبحانه ) وقدره إذا أتاه . فالمعنى على هذا : أن الله ، عز وجل ، ذكر أن أهل معصيته يستخفون بالمعاصي بالليل ، ويظهرون بالنهار ، ويتمنعون عند أنفسهم بالحرس ، تحرسهم ، وتتعاقب عليهم . ثم أخبرنا تعالى جل ذكره ، أنه إذا / أراد بهم سوءاً ، وعقوبة لم ينفعهم حرسهم شيئاً . واختار النحاس القول الأول ، وهو أن يكون ( المعقبات ) : ( الملائكة ) على ما تقدم ذكره ، واحتج فيه ( بما ) رواه أبو هريرة من حديث مالك بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " لله ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار " الحديث . ومن جعل ( المعقبات ) ملائكة كان قوله من أمر الله على وجهين : أحدهما : أن تكون " من " بمعنى الباء ، أي : يحفظونه بأمر الله لهم أن يحفظوه حتى يأتيه ما قدر عليه ، فلا ينفع حفظهم إياه من قدر الله ( سبحانه ) إذا جاءهم ( وهو ) قول ابن جبير . والثاني : أن يكون المعنى له معقبات من أمر الله : من بين يديه ومن خلفه ، أي : المعقبات { مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } هي : { يَدَيْهِ } ، وهو قول ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جريج . فتكون " من " متعلقة " بمعقبات " ، وهي لبيان الجنس . وعلى القول الأول : " من " بمعنى الباء ، وهي متعلقة بـ " يحفظونه " : أي : حفظهم له بأمر الله كان ، وإنما يحفظونه مما لم يقدر عليه . وقيل : أمر الله هنا : الجن ، أي : يحفظونه من الجن . فتكون " من " على بابها متعلقة بالحفظ . ومن جعل " المعقبات " حرس الملوك ، وأعوانهم ، كانت " من " على بابها متعلقة بـ " يحفظونه " . والمعنى : { يَحْفَظُونَهُ } من قدر الله على قولهم ، وظنهم ، ولا ينفع ذلك لأن الله إذا أراد بقوم سوءاً فلا مرد له . قال مجاهد : ما من عبد إلا له ملك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام . فما يأتيه منها شيء إلا قال له : وراءك . وقال ابن جريج : معنى من أمر الله : أي : يحفظون عليه عمله ، وتقديره : له ملائكة ، تتعاقب عليه من أمر الله ، هي : تحفظ عمله فيه . فحذف العمل ، واتصل المضاف إليه ( بـ ) ـيحفظونه مثل : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي } [ يوسف : 82 ] ، ومثل : { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } [ الشورى : 22 ] : أي : وعقابه واقع بهم ، فحذف العقاب ، وقامت الهاء مقامه ، فقام ضمير مرفوع ، لأن المحذوف مرفوعاً كان . وقال الحسن : المعنى : يحفظونه عن أمر الله ، " فمن " بمعنى : " عن " ، والمعنى : حفظهم إياه عن أمر الله ، كان ، لا من عند أنفسهم . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } إلى قوله - { وَالٍ } : الهاء في قوله : { فَلاَ مَرَدَّ لَهُ } تعود على السوء ، وقيل : على الفرد ، وقيل : تعود على الله . أي لا مرد ( لله سبحانه : أي : لا راد له عن مراده . والمعنى : إن الله ، ( عز وجل ) لا يغير ما بإنسان من نقمة ، وكراهة ابتدأه بها ، حتى يغير ما بنفسه من ظلمه ، وتعديه ، وتركه ما أمر به . فإذا غير وقعت به العقوبة . وقيل : المعنى : أن الله لا يغير ما بقوم مؤمنين صالحين ، فيسميهم كافرين إلا أن يفعلوا ما يـ ( و ) جب ذلك . ويروى أن هذه الآيات { سُوۤءًا فَلاَ } - وما بعده - نزَلن في عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس ، " وذلك أن وفد بني عامر / قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيهم عامر ( بن الطفيل ) ، وأربد بن قيس . وكان في نفس عامر الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان من رؤساء قومه فقال عامر لأربد : إذا قدمنا على الرجل ، فإني شاغل عنك وجهه . فإذا فعلت ذلك فَاعْلُهُ بالسيف . فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال عامر : يا محمد خالني ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا والله حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له ، فكرر عامر على النبي ذلك ، والنبي يقول له : حتى تؤمن بالله وحده لا ( شريك ) له ، وعامر ينتظر من أربد ما كان أمر به ، وجعل أربد لا يجيز شيئاً . فلما رأى عامر أربد لا يفعل شيئاً ، وأبى النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يخاليه ، قال : ( النبي ) عليه السلام : والله لأملأنها عليك خيلاً ورجلاً ، فلما ولى ( من عند ) النبي صلى الله عليه وسلم . قال عامر لأربد : ويلك يا أربد ! أين ما كنت أمرتك به . والله ما كان على وجه الأرض رجل أخوف عندي منك على نفسي منك : وأيم الله ( لا أخافك بعد اليوم أبداً . قال له أربد : ويلك لا تعجل علي وأيم الله ) ما هممت بالذي أمرتني به إلا دخلت بيني وبينه حتى ما أرى غيرك ، فأضربك بالسيف . فخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ( عز وجل ) على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه ، فمات في بيت امرأة من بني سلول ، فجعل يقول : يا بني عامر ! أغُدَّةً كَغُدَةٍ البعير ، وموتاً في بيت امرأة من بني سلول ، ثم خرج أصحابه بعده حتى قدموا أرض بني عامر ، فأتاهم قومهم ، فقالوا : ما وراءك يا أربد ؟ قال : لا ( شيء ) لله ! لقد دعانا محمد إلى عبادة شيء ، لوددت أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله ، فخرج أربد بعد مقالته هذه بيوم ، أو يومين ، معه جمل له يبيعه ، فأرسل الله ( عز وجل ) عليه صاعقة ، فأحرقته وجمله " .