Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 12-14)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً } إلى قوله { إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } البرق : مخاريق من حديد بأيد ( ي ) الملائكة تضرب بها . هذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وقال مجاهد : الملائكة تضرب بأجنحتها ، فمن ذلك البرق . وقد تقدم شرح هذا بأشبع من هذا . فالمعنى : الله يريكم البرق خوفاً للمسافر من أذاه ، وطمعاً للمقيم لينتفع ( به ) ، والبرق هنا على قول ابن عباس : الماء . وقيل : الآية مخصوصة ، والمعنى : خوفاً لمن لا يحتاج إليه كمصر ، وشبهها التي لا تحتاج إلى المطر . وكونه فيها ضر عليها ، " وطمعاً " لمن يحتاج إليه ، ويرجو الانتفاع به . وقيل : الآية على العموم لكل من خاف ، أو طمع . وقيل : المعنى : خوفاً من الصواعق ( وطمعاً بالمطر ) . " وقال الضحاك : أما الخوف فما يرسل الله معه من الصواعق " ، وأما الطمع فما نرجو فيه من الغيث . ثم قال ( تعالى ) : { وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } : بالمطر ، أي : ويثير السحاب الثقال بالمطر ، وبيديه . يقال : أنشأ الله السحاب / أبداه ، والسحاب : جمع سحابة . ولذلك قال ( الثقال ) ولو كان موحداً لقال : الثقيل . ثم قال ( تعالى ) : { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ } قال مجاهد : الرعد : ملك يزجر السحاب . وقال أبو صالح : الرعد ( ملك ) يسبح . وقال شهر بن حوشب : الرعد : ملك موكل بالسحاب ، يسوقه كما يسوق الحادي الإبل . فكلما خالفته سحابة صاح ( بها ) ، فإذا اشتد غضبه طارت النار من فيه . فذلك الصواعق الذي رأيتم . وقال ابن عباس : الرعد : ملك اسمه ( الرعد ) ، ( وهو ) الذي تسمعون صوته . وكان ابن عباس إذا سمع الرعد قال : سبحان الذي سبحت له . وكان يقول : الرعد : ملك ينعق بالغيث ، كما ينعق الراعي بغنمه . وروى مجاهد ، عن ابن عباس ( أنه قال ) : الرعد ( اسم ملك ) وصوته هذا تسبيحه ، فإذا اشتد زجره للسحاب اضطرب السحاب من خوفه فيحتك . فتخرج الصواعق من فيه . وسئل علي رضي الله عنه عن الرعد : فقال : هو ملك ، وسئل عن البرق ، ( فقال ) : مخاريق بأيدي الملائكة تزجر السحاب . وعن الضحاك أنه قال : الذي يسمع تسبيح الملك ، واسمه الرعد . قال مجاهد : الرعد : ملك يزجر السحاب بصوته . وعن ابن عباس ، رضي الله عنه أن الرعد : ريح يختنق تحت السحاب ، فتتصاعد فيكون منها ذلك الصوت . وعنه أيضاً أنه ، قال : البرق : ملك يتراءى . وأكثر المفسرين على أنه ملك كما تقدم . " وكان النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا سمع الرعد الشديد ، قال : اللهم لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك " وهذا الدعاء يدل على أنه صوت ملك . " وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يقول إذا سمع الرعد : سبحان من يسبح الرعد بحمده " فهذا يدل على أن الرعد ملك . وكان ابن عباس ، وعلي ( رضي الله عنهما ) يقولان إذا سمعا الرعد : سبحان من سبحت له ، فهذا يدل على أنه ملك . ومعنى { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ } : أي : " يعظم الله ويمجده ، ويثنى عليه بصفاته . وحكي عن العرب سبحان من يسبح الرعد بحمده ، يريدون ( من ) فأقعوا ( ما ) ، مكان " مَنْ " . ثم قال : { وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ } : أي : وتسبح الملائكة من خيفته ، أي : من رهبته . وروي أن خوف الملائكة ليس كخوف بني آدم ، لأن طائفة من الملائكة ساجدون ، منذ خلقوا ، باكون ، ومنهم طائفة يسبحون ويهللون ، لا يعرف أحدهم من على يمينه ، ولا من على شماله ، ولا يشغلهم عن عبادة الله ، ( عز وجل ) شيء . قال الله عز وجل عن الملائكة : { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } [ الأنبياء : 20 ] : فعلى قدر أعمالهم واجتهادهم ، كذلك خوفهم . وقوله : { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ } : الصاعقة من النار التي تخرج من فم الرعد / إذا غضب ، فقد تقدم ذكرها بأشبع من هذا في سورة البقرة . وهذه الآية نزلت في يهودي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : أخبرني عن ربك : من أي شيء هو ؟ من لؤلؤ أو ياقوت . فجاءت صاعقة ، فأخذته فأنزل الله عز وجل : { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ } . ودل على هذا القول قوله : { وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي ٱللَّهِ } : فالضمير في " هم " لليهودي ، وجمع لأن له أتباعاً على قوله ومذهبه . وروي أنها نزلت في رجل من فراعنة العرب ، وهو أربد ، وجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، يدعوه إلى الله ، فقال : وما الله ؟ أمِنْ ذهب هو أم مِنْ فضةٍ ؟ أمْ مِن نُحاس ؟ فأخبر النبي عليه السلام بذلك . فدعاه ثانية ، فبينما النبي عليه السلام يراجع الكافر في الدعاء إلى الله سبحانه ، إذ بعث الله سَحَابَةً بِحُيال رأس الكافر ، فرعدت ، فوقعت منها صاعقة ، فذهبت بقحف رأسه ، فأنزل الله عز وجل : { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ } الآية . وقال قتادة : ( أنكر رجل ) القرآن ، وكذب النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله ، ( عز وجل ) عليه صاعقة ، فأهلكته ، فنزلت الآية فيه . وقال ابن جريج : نزلت في أَرْبَد أخي لبيد بن ربيعة ، هَمَّ هو ، وعامر بن الطفيل بقتل النبي صلى الله عليه وسلم . فبعث الله تعالى عليه صاعقة فاحترق . ومعنى قوله : { وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ } قال علي ( بن أبي طالب ) عليه السلام : " شديد الأخذ " . وقال مجاهد : ( رحمه الله ) : " شديد القوة " . وقال قتادة ( رحمة الله عليه ) : المحال : " القوة والحيلة " . وقال ابن عباس ( رضوان الله عليه ) : " شديد الحَوْل " . وقال الحسن : ( نضر الله وجهه ) : شديد المكر ، من قولهم : مَحَل به : إذا مكر به ، ومن جعله من الحوْل ، والحيلة ، فالأشبه بقراءته أن يقرأ بفتح الميم ، لأن الحيلة لا يأتي مصدرها إلا بفتح الميم نحو : محالة ، ومنه قولهم : " المرء يعجز لا محالة " . وبه قرأ الأعرج فأما من كسر الميم فهو مصدر من : " ماحلت فلاناً ، مماحلة ، ومحالاً ، فالمماحلة بعيدة المعنى من الحيلة . فإذا جعلته من الحول فوزنه " مِفْعَلٌ " ، وأصله " مِحْوَل " ثم قلبت حركة الواو على الحاء ، وقلبت الواو ألفاً كاعتلال " مقال " و " محال " . وإن جعلته من " مُحال " فوزنه " فُعال " لا اعتلال فيه . ثم قال تعالى : { لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ } وهي شهادة ألا إله إلا الله ، قاله ابن عباس ، وقتادة . وقال علي رضي الله عنه : هي التوحيد . وقال ابن زيد رحمه الله : هي لا إله إلا الله ، ليست تنبغي لأحد إلا الله . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } الآية : أي : والآلهة التي يدعوها المشركون من دون الله ( سبحانه ) لا تجيب من دعاها بشيء من النفع ، والضر ، ولا ينتفع / بها إلا كما ينتفع الذي يبسط كفيه إلى الماء . ليأتيه من غير أن يرفعه ، فلا هو ببالغ فاه ، ولا نافعه كذلك . هذه الآلهة التي يدعون هؤلاء العرب . فضرب المثل لمن طلب ما لا يبلغه بالقابض على الماء . قال علي ، رضي الله عنه " معناه " : كالرجل العطشان مد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه ، وما هو ببالغه ، ولا نافعه ، كذلك هذا الذي يدعو من دون الله . وقال مجاهد ( رضي الله عنه ) معناه : يدعو الماء بلسانه ، ويشير إليه بيده ، فلا يأتيه أبداً ، أي : فهذا الذي يدعو من دون الله ، هو الوثن ، وهذا الحجر لا يستجيب له بشيء أبداً ، ولا يسوق إليه خيراً ، ولا يدفع عنه شراً : كمثل هذا ( الذي ) بسط ذراعيه إلى الماء { لِيَبْلُغَ فَاهُ } ( وما ) يبلغ فاه أبداً . وروي عن ابن عباس أن المعنى : هذا الذي يدعو الآلهة ، كمثل من بسط كفيه إلى الماء ، ليتناول خياله فيه ، وما هو ببالغه أبداً ، ولا يأخذه . وقيل المعنى : إن هؤلاء الذين يعبدون الآلهة لا ينتفعون بها ، إلا كما ينتفع من بسط كفيه إلى الماء يدعوه ليأتيه ، وهو لا يأتيه أبداً ، ولا ينتفع به . فكذلك لا ينتفع بعبادة الآلهة . وهذا كله ضرب مثلاً لمن يعبد غير الله ، جل ذكره . ( وقيل معنى ) : مثل من يعبد الأصنام كمثل من يفيض على الماء ، ليبلغ فاه ، فلا يحصل له نفع من ذلك .